الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤامرة الشعب ومؤامرة الجماعة

محمد القصبي

2013 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


"فنانون ضد الانقلاب " ..جماعة من الفنانين والأدباء ..تقول قناة الجزيرة إنها حركة تضم كافة ألوان الطيف السياسي المصري تحت شعار "الفن يجمعنا"، وتم الإعلان عنها عقب مجزرة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة يوم 14 أغسطس الماضي ..وتهدف إلى مقاومة الانقلاب من خلال الفن..وطبقا لما ورد على موقع القناة فالحركة حتى الآن لم تعلن عن أسماء القائمين عليها أو المتحدثين باسمها خوفا من التعقب الأمني.. وستعلن عن هيكلها ومنسقيها حالما تقوى ويشتد عودها !..
لكن موقع القناة وفي نفس الخبر ينشر صورا لبعض أعضاء الجماعة وأسمائهم و تصريحات عن أنشطتهم الثقافية لمقاومة الانقلابيين .."و لاأدري ألا يخشى هؤلاء من بطش الشرطة والجيش ؟!"
ومنذ عدة أيام التقيت في اتحاد كتاب مصر بواحدة من عضوات الحركة التي نشر موقع قناة الجزيرة تصريحات على لسانها ضد الانقلابيين في مصر ..الكاتبة حنان فتحي ..ولقد فاجأتني بإنكار معرفتها بهذه الحركة أو أنها أدلت بأية أحاديث لقناة الجزيرة ..أهو الخوف من أن تتعقبها الأجهزة الأمنية ؟ أم مسألة الحركة والتصريحات جزء من اختلاقات القناة حول الأوضاع في مصر!
وأيا كان الأمر ..فثمة "مثقفون" بالفعل ضد ما يسمونه بالانقلاب ..أعرف بعضهم.. نلتقي في اتحاد الكتاب ونادي القصة وغيرهما من المنتديات الثقافية..وكثيرا ما نتحاور حوا إشكالياتنا الثقافية ..من أزمة النشر إلى انقراض القاريء ..إلى أنيميا الموضوعية داخل المؤسسات المانحة للجوائز ..و حين يتعلق الأمر بالمشهد السياسي المصري يزنزنون رؤيتهم للأحداث عبر ثقب لايزيد عن العدم إلا قليلا ..ورؤيتهم –كما هو حال تصريحات أعضاء جماعة "فنانون ضد الانقلاب " - أحكام صارمة تتشكل سريعا كما بسطاء الناس حسب مدى اتفاق أو تعارض ما يجري مع ما يعتقدون من أيديولوجيات.. ربما لم تكن خيارهم ..بل خيارا وراثيا أو بيئيا ..أي لم يصلوا إليها بجهد القراءة والبحث والتمحيص أو المشاهدة الواعية.. لذا فهم -وكما البسطاء - يتطلعون إلى الجنة من خلال أوامر ونواهي مكتب الإرشاد .. وحين يختار التنظيم الدولي الدكتور محمد مرسي مرشحا فهم يمنحونه أصواتهم عملا بفتوى الدكتور منير جمعة أحد علماء الجمعية الشرعية والمقرب من جماعة الإخوان المسلمين الذي قال إن من يمنح صوته لغير مرسي فهو يتعاون على الإثم والعدوان وركون للظالمين وخذلان للصادقين وتضييع للأمانة!
وهم -كما البسطاء- يؤمنون بأن وصول مرسي إلى الاتحادية مشيئة إلهية
..وحين تتحقق المشيئة الإلهية و يصبح مرسي رئيسا للجمهورية فليس من الدين إسقاطه حتى لو أخفق وكثرت أخطاؤه...وحين يقبل وزير الدفاع تفويض الشعب بعزل مرسي ..فهو- وكما أفتى المرشد- ارتكب ذنبا يتجاوز هدم الكعبة..ومن يهدم الكعبة فهو كافر ! وفي حالة مثل هذه فليس السيسي وحده الكافر بل غالبية المصريين الذين فوضوه لعزل مرسي ! وحين قال شيوخ الجماعة إن الوحي عاود النزول في رابعة بعد انقطاع أكثر من 1400سنة..وأن الملائكة حاربت مع المؤمنين في الاعتصام ضد قوات السيسي الكافر يصدق نفر من كتابنا ومحامينا وأطبائنا ومهندسينا ..كما البسطاء ..وحين يشيع قادة الجماعة أن دستور الانقلابيين يشجع على الزواج المثلي ! يردد جاري عالم الطاقة الجليل ..والذي أنفق بعضا من مسيرته العلمية خبيرا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية على حسابه في الفيس بوك أن الدستور الجديد يشجع على الزواج المثلي ..
!
ومن قبل أذهلني جاري هذا بما قاله لي ولجيران آخرين من أن جنود الأمن المركزي في رفح ذبحهم الجيش
..وليس المجاهدون! ..مثلما أذهلني زميلي الصحفي بقوله أن "المسكين عادل حبارة" ليس سوى كبش فداء!..و أن البوليس والجيش استحلوا بيوت الأبرياء في كرداسة !
وأهل قريتي بمحافظة الدقهلية أيضا في حالة إشمئزاز ولاأبالغ ..من طبيب القرية الذي لايكف عن ترديد أن طواغيت السيسي ذبحوا السجد الركع أمام نادي الحرس الجمهوري ! ..

ويتملكني الأسى من صورة لطائرة هليوكبتر نشرتها زميلتي الروائية على الفيس بوك مدعية أنها تقصف معتصمي رابعة ..رغم أن الصورة ليس في حاجة إلى كثير من التدقيق للتأكد من أنها "مركب " ..
ويروعني ما يقوله زميل صحفي عن اعتداءات الشرطة على الحرائر في الجامعة رغم أنه لم يقم بأي زيارة لأي جامعة مصرية منذ تخرجه من خمسة عشر عاما ..لكنه يردد ما يردده قادة الجماعة .. " خلال ندوة بأخبار اليوم شرفت بإدارتها قال الدكتور نبيل حلمي عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق السابق أنه أثناء إلقائه محاضرة داهم بعض هؤلاء الحرائر المدرج وأخذن يصرخن بهدف التشويش وتعطيل الدراسة..وما يقوله الدكتور حلمي رأيت ما هو أشد منه وطأة عل النفس ..عقب صلاة الجمعة ..حين اتجهت مسيرة لحرائر مصرإلى أرض فضاء بجوار منزلي مملوكة للجيش .ووجهن السباب والشتائم للضابط وجنوده المتواجدين لأكثر من نصف ساعة ..مما أثار غضب السكان ..وكاد بعضهم يشتبك معهن..إلا أن آخرين شرحوا لهم بأن هذا تحديدا ماتريده قيادات الجماعة ..التعرض للمسيرة..لتلتقط الكاميرات المشهد ويسوق في العالم على أن بلطجية السيسي ينكلون بحرائر مصر ..ويكون انتصار الجماعة مكتملا ..لو لفظت واحدة من هؤلاء الحرائر أنفاسها " ..
والعديد من الكتاب والمثقفين الذين قادتهم رؤيتهم الضيقة للانزلاق في خندقي رابعة والنهضة يرون
-وهذا ما قاله لي أحدهم- أن 80% من الشعب المصري مخدوع ! .. أي أن غالبية المصريين خرفان ضالة كخرفان بني إسرائيل التي تحدث عنهم السيد المسيح!..
..وكما البسطاء أيضا يخلط بعض هؤلاء المثقفين مابين الدين والجماعات الدينية..فانتقاد محمد مرسي هو نيل من الدين ..وانتقاد المرشد إساءة للذات الإلهية ..وكما البسطاء يظنون أن الطريق إلى الجنة ينبغي أن يمر من مكتب الإرشاد في المقطم أو من قندهار أو مقديشيو ..أو من جبل الحلال
ولو دقق حتى البسطاء في جوهر الأخوان فسوف يكتشفون أنهم مجرد جماعة سياسية.. تسترها تحت عباءة الدين لايخفي هوس أقطابها بالسلطة..وفي سعيهم لإشباع شهوتهم في الوصول إلى الكرسي يصبحون ككل السياسيين البراجماتيين ..يكذبون ويتخابثون ويناورون ويتآمرون ويتنازلون ..بل يذهبون إى مدى أبعد ..حين يدفعون الشباب المغرر به والطالبات إلى المسيرات وكل طموحهم أن يسقط بعضهم قتلى ليحرزوا انتصارا في حرب الإعلام التي يخوضونها ضد النظام ! ولن يتهمهم أحد بالكذب!! فلديهم المقدرة على أن
يلووا عنق عشرات الآيات ومئات الأحاديث لتنطق بما يشتهون..ثم يقدمونه للناس على أنه يتفق وصحيح الدين! وسوف يجدون من يصدقهم ..للأسف ..حتى جاري عالم الطاقة !
وأظن أن مشكلة جاري ..وهي بالطبع مشكلة الألاف من " النخبويين " ..أنه تأسس على هدف واحد ..أن يتفوق في الدراسة ..لذا لاعلاقة له بأي كتاب غير كتاب المدرسة ..حفظه حرفا حرفا ..دون أدنى تفكير ..فالحفظ في منظومتنا التعليمية وليس التفكير أقصر الطرق للوصول إلى الهدف ..أن يكون مهندسا أو طبيبا أو خبيرا في الطاقة مثل جاري ..وبالتالي لم يعرف سوى ما تلقن من أسرته ..أو من الجماعة التي التقطته من المسجد ..فتأسس أحادي الفكر ..لم يخض تجربة الحوار الذاتي في مدنه الداخلية ..لم يذق متعة الدهشة وماتقود إليه من أرق الأسئلة التي ينفق عمره في البحث عن إجابات لها .. لذا يظن أن جماعة تحدثه عن الجنة والنار ..جماعة أودعها الله كلمته ..ولاسبيل للخلاص إلا من خلال ترديد عبارة سمعا وطاعة وراء قادتها ..وكل من يخالف قادتها فهو كافر مصيره جهنم ..تلك هي مأساة ألاف " النخبويون " في مصر والعالم العربي !لذا نرتكب خطأ جسيما حين نبندهم في شريحة المثقفين ..فالمثقف الحقيقي ذلك المتأججة روحه بشهوة المعرفة ..يسأل ويقرأ ويحاور ..وتتدفق حصيلة كل هذا في معامل الدماغ لينتهي إلى رؤاه التي قد تصيب وقد يجانبها الصواب ..لكنه لايعلن الجهاد على من يختلف معه باعتباره كافر !
وليت جاري ..خبير الطاقة ..وزميلي الصحفي وزميلتي الروائية ..وطبيب قريتي ..ليت هؤلاء ولو لمرة واحدة في حياتهم يغوصون في أعماق المشهد السياسي المصري ليصلوا إلى الحقيقة ..فالقضية ليست
مثلما يشاع عن ضيق المصريين – في زمن مرسي - بانقطاع الكهرباء بالساعات يوميا ولااختفاء البنزين والسولار ولاارتفاع الأسعار!
وعلى الجانب الآخر ليست جذور القضية
فيما يزعمه قادة الجماعة عن مجازر ارتكبت في رابعة والنهضة راح ضحيتها 20ألفا
من الأتقياء الأنقياء ..ولافي شرعية الرئيس محمد مرسي..ولا في زوار الفجر الذين يداهمون منازل المؤمنين ليسوقوهم إلى السجون ..
القضية أكثر خطورة من كل هذه الأكاذيب التي تروجها الجماعة عبر القارات الست على أنها حقائق قد ينزل بشأنها قرآنا مبينا!
جذر القضية أن
المصريين ارتكنوا مع مطلع القرن التاسع عشر لخيار الدولة القومية ..واستأنسوا لشعار
:أنا مصري أولا.. مسلم كنت أم مسيحيا أم يهوديا..
وماهو بالخيار الغريب.. المصريون منذ 52قرنا ..ومع توحيد الملك نارمر مينا الوجهين في دولة واحدة كانوا أول من أسس الدولة القومية في العالم بكل ما تعنيه من الجغرافية المحددة المعالم واللغة الواحدة..والجيش الموحد والشعب المتجانس ثقافيا وإرادة أفراده في العيش معا ..وهي أمور لم يعرفها العالم إلا في القرن التاسع عشر ..حين استخدم جويسيبى ماتزينى الزعيم والسياسى القومى الإيطالى مصطلح النزعة القومية للمرة الأولى عام 1835 وتنظير إرنست رينان لمفهوم الأمة خلال محاضرته في جامعة السوربون عام 1882حين قال إن أساس تكوين الأمة هو إرادة العيش المشترك..!
لكن الأخوان جاءوا بفكر مغاير لايهمش فقط الهوية المصرية ..بل ويزدريها ..كما بان في حديث المرشد السابق مهدي عاكف ..حين قال : طظ في مصر ! أو دهس علم مصر بالأقدام في ميدان التحرير ..في الوقت الذي يحتفى فيه بأعلام القاعدة !! و لم يكن ما قاله عاكف زلة لسان..كما يظن البعض ..بل تجسيد للمشروع الأخواني ..الخلافة! ..فمصر بعراقتها وحضارتها يخطط لها التنظيم الدولي أن تصبح مجرد ولاية تسير أمورها طبقا لفرمانات الباب العالي في أنقرة !
وكما يعلم الجميع فتأسيس جماعة الأخوان عام 1928جاء بعد أربع سنوات فقط من إعلان وفاة الخلافة العثمانية ..التي في الحقيقة ما كانت خلافة .. بل إمبراطورية ..وملك عضوض لآل عثمان ..مثلها في ذلك مثل الإمبراطوريتين الأموية و العباسية .. والحقيقة أنه عبر التاريخ الاسلامي الممتد لأكثر من 14 قرنا لم تكن ثمة خلافة إسلامية يراعي فيها الخليفة بعدل وانصاف شئون رعيته إلا بضعة عقود ..زمن الخلفاء الراشدين ..واستثناء زمن الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز ..وغير ذلك كانت إمبراطوريات ..حولها ملوكها وسلاطينها إلى ملك عضوض وجبري يورث.. "طبقا لتفسير إبن الأثير – فالملك العضوض الذي يصيب الرعية فيه عسْفٌ وظُلْم، كأنَّهم يُعَضُّون فيه عَضًّا.. والملك الجبري، هذا الذي يصير بالقهر والجبر"
وتلك " الخلافة العثمانية " التي يتباكى عليها الأخوان ما كان المصريون وكل العرب فيها سوى مواطنين درجة ثانية ..وكانت مرتعا لكل صنوف الجور والتخلف ..حين يضعف سلاطينها يتدبر أمورها الأغاوات والخصيان ..فيفرضون أبشع أنواع الضرائب عبر نظام الالتزام ..حيث تجرى مزايدة علنية يتقدم خلالها الأغنياء بعروضهم لدفع الضرائب عن قرية أو مدينة ..ثم يتولى هذا الثري جمع الضريبة من السكان باستخدام وسائل بشعة وأضعاف ما دفع!!..وهذه واحدة من المفارقات الغريبة ..فكل ملكات الخليفة العثماني على الابتكار اضمحلت وماتت .. إلا ملكة واحدة ظلت مزدهرة ..ملكة ابتكار صنوف جديدة من الضرائب وتحصيلها بطرق وحشية مما دفع الفلاحين إلى هجرة أراضيهم .! هذه هي الخلافة التي ما تأسست جماعة الأخوان المسلمين إلا لضخ الحياة في شرايينها!
وأي مسلم عاقل يمكن أن يطرح مثل هذا التساؤل:
أليس إقامة العدل ونشر المحبة والتسامح ولو في قرية أحب إلى الله وخير للبشرمن إقامة ملك بطول والأرض وعرضها ينتشر فيه الفساد !
لكن جاري خبير الطاقة لايرى الأمر من هذا المنظور ..بل من منظور
بديع والبلتاجي والشاطر والعريان ..حيث لايكف عن ترديد أن وزير الدفاع المصري
الفريق أول عبد الفتاح السيسي تآمر لعزل مرسي ..وهو باتهامه هذا يبخسني وجهات أخرى في مصر حقنا !
فلو كانت ثمة مؤامرة ..فليست مؤامرة السيسي وحده ..بل أيضا قادة الجيش والمخابرات العامة والعسكرية والداخلية ..لكن القوة الضاربة في هذه المؤامرة كانت الشعب ..أنا وزوجتي..كنا هناك أمام الاتحادية ..وأولادي وبناتي كانوا في التحرير .. ملايين المصريين شاركوا جيشهم وشرطتهم ومخابراتهم في تلك المؤامرة.. الحميدة ..وكان هدفنا جميعا إحباط مؤامرة الأخوان .. الخبيثة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه