الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرر الفكري للإنسان العربي

أيوب أمغار

2013 / 12 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من الصعوبة حقاًّ الحديث عن التمثلات التي تختلج في ذهن المواطن العربي خاصة مع التطورات المتضاربة التي تشهدها المجتمعات العربية، بدءاً بالطفرة العلمية التي شهدتها العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، وانتهاءاً بالثورات الاجتماعية أو ما يصطلح عليه في وسائل الإعلام بـ "الربيع العربي". إن كل هذه التحولات كان لها عميق الأثر في المسار المعيشي للأفراد في كل بقعة من بقاع الوطن العربي، ومما لاشكّ فيه أن ضعف المسألة الفكرية وما يحيط بها من أمور زاد من تعميق أزمة العقل العربي بصفة عامة؛ كما أدى إلى اضطرابات نفسية تباينت مظاهرها في ذات الفرد نفسه بصفة خاصة. هنا نتساءل: ما علاقة تطور العلوم الاجتماعية بظهور الإنسان الليبرالي في الوطن العربي؟ وإلى أي حدٍّ شكلت الانتفاضات الشعبية أرضية مناسبة لرفع مستوى التحرر في ذهنية الفرد؟

تطور العلوم الاجتماعية ونمو الفكر الليبرالي:

يدلّ مصطلح الليبرالية على المذهب الذي ينادي بالحرية الكاملة في ميادين الحياة المختلفة، لاتقيدها لا أحكام الدين ولا أحكام الثقافة. والليبرالية كغيرها من المذاهب السياسية والاجتماعية تعدّ نمطاً فكرياً عاماً، ومنظومة متشابكة من المعتقدات والقيم، تشكلت عبر قرون عدة، منذ القرن السابع عشرعلى يد مفكرين من أمثال: جون لوك، جون جاك روسو وغيرهما.أما الحديث عن الليبرالية في المجتمعات العربية، فهو حديث قديم وفي نفس الوقت جديد، ويرجع إلى الصلات التي ربطتها مصر مثلاً بأوروبا في عهد محمد علي، إذ اعتمد في تجربته الرائدة في بناء دولة مصرية حديثة على عدد من الخبراء الأجانب من الإيطاليين والفرنسيين، كما اعتمد سياسة إرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، فكانت هذه البعثات من العوامل الهامة في الانفتاح على الغرب وثقافته. وهنا بالذات حصل الفارق مع عودة البعثات الطلابية إلى مصر، حيث عملوا في حقول التعليم والتربية والتكوين والجيش والترجمة. وكان دورهم واضحاً في تشكيل البيئة المناسبة لغرس أفكار التحديث الأوروبية في عقول الناشئة. وينطبق هذا على مجمل الدول العربية.
ومع مرور الوقت بدأت الجامعات ليس في مصر فقط، بل في عموم ربوع الوطن العربي، تفرز أفرداً بعقليات جديدة بل وغريبة عن محيطها الاجتماعي والثقافي والديني- في نظر العامة-، ويتعلق الأمر بالخصوص بهؤلاء المنتسبين لشعب العلوم الانسانية والاجتماعية، والذين استفادوا كثيراً من الحركة الواسعة للترجمة، فترجمت كتب من قبيل "روح الاجتماع" لجوستاف لوبون"، وكتاب روسو "العقد الاجتماعي"، ومؤلفات أخرى تدخل غالبيتها في دائرة العلوم الاجتماعية. وقد تواصلت حركة الترجمة لتشكل نافذة يطل منها العالم العربي على الغرب وثقافته وتياراته الفكرية على تنوعها، واتخذت مكانة هامة في نظر دعاة الليبرالية كمرحلة لابد منها لخلق بيئة ثقافية وفكرية مناسبة تمهد لولوج مرحلة التأليف تالياً. وعلى نفس المنوال استمر الوضع، فتطورت العلوم الاجتماعية وتطور معها الزخم الليبرالي في الوطن العربي.

الانتفاضات الشعبية ورفع مستوى التحرر:

إن رياح تونس التي لازالت تروح وتجول في البلدان العربية، لم يكن غليانها مقتصراً على الشارع والاحتجاج وكل ما هو عفوي حركي فقط؛ إنما كانت هناك "حركة فكرية" مواكبة وموازية لهذا الحراك. وتتمثل أساساً في ذاك الوعي الذي ترسخ في عقلية المواطن العربي بوجود قدر معين من الحرية؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي هذا الوعي بشكل آلي إلى ما يمكن أن نطلق عليه بـ"الرغبة في محاكاة الديمقراطية"، وهنا نستحضر الخصوصية العربية تجاه مفهوم الديمقراطية نفسه وصعوبة تحقيق مبادئ هذا المفهوم على أرض الواقع ككيان وكمؤسسات وكبنيات لها من القدرة ما يمكنها من ضبط المجتمع والتحكم فيه بشكل عقلاني ومعقلن، يتجاوز النظرة الصراعية القاصرة. إن فرص تحقق المسار الديمقراطي يصطدم بمسار "بدوقراطي" مترسخ ومتجسد في سلوك المواطن العربي، بحكم الطبيعة القبلية التي تتحكم في وصفات القرار لديه؛ وكثيراً ما أشار علماء الاجتماع السياسيون العرب إلى هذه النقطة بالذات، تعبيراً عن رفضهم لأطروحات المستشرقين الأجانب، التي كثيراً ما تخطئ في حقِّ ديانات الشعوب التي تدرسها.
ولكي لا ننزاح عن إطار موضوعنا، كنا قد أكدنا بأن مسألة "اليقضة العربية" - كمفهوم إسلامولوجي -، كانت مرهونة بالرغبة في تأمل الذات لدى الإنسان العربي؛ ومن ثمة محاولة رصد مكامن خللها في مجال علاقتها مع مؤسسات الدولة أو بالأحرى "النظام" كطرف في الصراع. هذه الوقفة مع الذات لمحاسبتها تدفع الفرد إلى تغييب كل البنيات الأخرى المكونة لمحيطه، وهنا لانقصد الطرف الدولتي؛ إنما نقصد ذاك "المقدس" الذي يفقد حمولته الرمزية الشمولية، ليصبح مجرد سلوك تعبيري احتجاجي؛ كثيرا ما نلمسه في الشعارات وبعض الطقوس التعبدية اليومية من قبيل عبارات التكبير والصلوات... إلخ.
انطلاقا من هذا التنقيص غير المقصود من قيمة المقدس، سواءً في استمرارية الحدث الاحتجاجي أو في مجرد التخطيط لــه، هنا بالذات تقف دافعية الفرد فوق كل شيء؛ إذ يترسخ لديه اعتقاد بضرورة تجسيد سيرورة تمثلاته الذهنية، والتي ترمي إلى هدف واحد وهو: الوصول إلى أكبر درجة من "الإشباع العقلي بتحقيق المستحيل"؛ مثلاً الاحتجاج في العربية السعودية؛ كمكتسب لم يكن ممكناً حتى الماضي القريب. هذا "الإشباع العقلي" هو ما يمثل في نظرنا "قمة التحرر"، مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الإكراهات الثقافية التي تتمظهر في العادات والمقدسات.
ومنتهى القول أن الفكر الليبرالي الذي جاء مع تطور العلوم الاجتماعية، وما ميّزهُ من امتداد جغرافي واجتماعي وسمته مقولة التحرر والديمقراطية؛ كان على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة مع تنامي الانحطاط والتخلف العربيين، لولا الحراك الاجتماعي الذي شهدته البلدان العربية، ودوره في ضخِّ دماء جديدة في مسلسل التحرر الذي يقوده الانسان العربي هذه المرّة كذات، قبل أن يكون عضواً في المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب