الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحناء المسار بانحناء المكان

جواد البشيتي

2013 / 12 / 14
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
أَمْسِكْ بجسمٍ ما (بحجرٍ مثلاً) ثمَّ أَفْلِتْهُ من يدكَ، فتراه يسقط إلى الأرض؛ فإذا نَظَرْتَ الآن (بعَيْن "النسبية العامة" لآينشتاين، والتي هي نظرية تَخْتَص بـ "الجاذبية" و"التسارُع") إلى هذا الجسم (أو الحجر) المُلْقى على سطح الأرض، فكيف يُمْكِنكَ تَصَوُّره وتخيُّله؟
إنَّه الآن ساكِنٌ في موضِع صغير من سطح الأرض؛ وهذا الموضع يشبه قَعْر، أو قاع، حُفْرَة؛ وينبغي للجسم أنْ يتسلَّق ما يشبه "المُنْحَدَر"، تَوَصُّلاً إلى الخروج من "حُفْرته"؛ ولِكَوْنِه لا يستطيع فِعْل ذلك من ذاته، فلا بدَّ لـ "قوَّة خارجية ما" من أنْ تَدْفَعه صعوداً؛ وكلَّما كان "المُنْحَدَر" أشد وأكبر اسْتَلْزَمَت هذه "المهمَّة" قوَّة دَفْع خارجية أعظم.
هذا الجسم هو "ساكِن" الآن، بالنسبة إلى سطح الأرض؛ لكنَّ هذا "السكون" يُمَثِّل لحظة "تَوازُنٍ حركيٍّ" للجسم؛ فهو (أيْ هذا الجسم الساكن المُلْقى على سطح الأرض) في وَضْع "السقوط الحُر المُوقَف المُعطَّل بقوَّةٍ مَصْدَرها سطح الأرض"؛ وهذا وَضْعٌ يشبه أنْ تُوْقِف بيدكَ جسماً يسقط سقوطاً حُرَّا نحو سطح الأرض، فتُوازِن بحركة الدَّفْع إلى أعلى (والتي مَصْدَرها يدكَ) حركة الجسم إلى أسفل. وهذه "الموازَنَة" هي "ما يُظْهِر وَزْن الجسم"؛ ولو كانت يدكَ "ميزاناً" لَقِيِس وزن الجسم.
قوَّة الدَّفْع إلى أعلى (نحو الفضاء الخارجي) والمتأتية من دوران كوكب الأرض حول محوره، ليست كافية لدَفْع الجسم إلى خارج كوكب الأرض؛ فهي تكفي، فحسب، لمُوازَنة حركته إلى أسفل (في سقوطه الحُر).
لدَفْعِه بعيداً عن سطح الأرض، لا بدَّ من قوَّة خارجية أخرى؛ فلو أَمْسَكْتَ بالجسم (أو الحجر) وقَذَفْته إلى أعلى، فإنَّه يرتفع إلى نقطة معيَّنة، ثمَّ يشرع يسقط (سقوطاً حُرَّاً) عائداً إلى سطح الأرض. أمَّا لو قَذَفْته بقوَّة أعظم فقد يُغادِر كوكب الأرض نهائياً إلى الفضاء الخارجي (أيْ إلى خارج حقل الجاذبية الأرضية) أو يدور في مدارٍ ما حول كوكب الأرض (أيْ ضِمْن حقل الجاذبية الأرضية). ولو جَعَلْته يُسْرِع في دورانه (وهذا الدوران هو نوع من "السقوط الحُر") فرُبَّما يَفْلَت من قبضة جاذبية المدار، ويذهب بعيداً في الفضاء الخارجي.
الجسم يظل أسير "حفرته"، والتي هي "انحناءٌ للفضاء حَوْل كوكب الأرض، تسبَّبت فيه كتلة الكوكب"، إلى أنْ تَدْفَعه قوَّة خارجية إلى خارج "الحُفْرَة"، مُمَكِّنَةً إيَّاه من "تَسَلُّق" و"صعود" هذا "المُنْحَدَر (الفضائي)".
ينبغي لهذه القوَّة أنْ تَقْذِف الجسم بشدَّة، دافِعَةً إيَّاه، في استمرار، إلى أعلى؛ وحتى يتمكَّن الجسم من الإفلات من قبضة الجاذبية الأرضية (أو الخروج من "الحُفْرة الفضائية" لكوكب الأرض) لا بدَّ له من الصعود (والإفلات، والهروب) بسرعة 11.2 كيلومتر في الثانية (وللمقارَنَة، سرعة الإفلات من جاذبية القمر هي 2.4 كيلومتر في الثانية).
وكلَّما زادت كتلة الكوكب (أو النجم) انْحَنَى فضاءٌ أكثر حوله، واشتدَّ هذا الانحناء، وكَبُرَت، من ثمَّ، "سرعة الإفلات" من جاذبيته. و"سرعة الإفلات"، تتناسب، دائماً، مع "التسارُع" المتأتي من الجاذبية؛ فحَيْثُما يَعْظُمْ هذا "التسارُع"، تَعْظُمْ "سرعة الإفلات".
قُلْنا إنَّ "سرعة الإفلات" من الجاذبية الأرضية هي 11.2 كيلومتر في الثانية؛ وكلَّما زادت كتلة كوكب الأرض، كَبُرَت "سرعة الإفلات" من جاذبيته.
وهذا الأَمْر (أيْ أَمْر "سرعة الإفلات") أَطْلَق العنان للمُخَيِّلة؛ فتساءل فيزيائيون قائلين: هل من جسمٍ في الكون، "سرعة الإفلات" من جاذبيته، تَعْدِل سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية)؟
في الكون كله لا وجود لجسمٍ (أو لنَجْمٍ مثلاً) كتلته ضخمة بما يكفي لجعل "سرعة الإفلات" من جاذبيته تساوي سرعة الضوء (التي هي القصوى في الكون).
وللعثور على مثل هذا الجسم، استبدلوا "الكثافة" بـ "الكتلة"؛ فأيُّ جسم، ولو كانت كتلته صغيرة، يُمْكِنكَ تقليص حجمه، وزيادة كثافته من ثمَّ؛ وكلَّما صغَّرْتَ الحجم (مضاعِفاً الكثافة) قَصَّرْتً نصف قطره؛ وكلَّما قَصَّرْتَ نصف قطره، ضاعَفْتَ الجاذبية عند سطح هذا الجسم، وكَبَّرْتَ، من ثمَّ، "سرعة الإفلات" من جاذبيته (أيْ من "جاذبيته السَّطْحية").
حتى تُصْبِح "سرعة الإفلات" من جاذبية الشمس (مثلاً) تَعْدِل (أو تَفوق) سرعة الضوء، لا بدَّ من تقليص حجم هذا النجم، بما يجعل نصف قطره 3 كيلومتر (أيْ يجب تحويل الشمس إلى "ثقب أسود").
وللإفلات من قبضة جاذبية "ثقب اسود"، لا بدَّ من السَّيْر (صعوداً، أو نحو الفضاء الخارجي) بسرعة تَفوق سرعة الضوء؛ وليس من جسمٍ، أو جسيمٍ، في الكون يُمْكِنه السَّيْر بسرعة "فَوْق ضوئية"؛ حتى جسيم "الفوتون" نفسه، أو الضوء نفسه، لا يُمْكِنه.
أَمْسِكْ حجراً صغيراً، أنتَ الواقِف على سطح الأرض، واقذِفْهُ إلى أعلى، فيَنْطَلِق (صعوداً) بسرعة معيَّنة؛ وعند نقطة معيَّنة يتوقَّف، ثمَّ يشرع يسقط، عائداً إلى سطح الأرض. هذا الحجر هو جسمٌ يَتْبَع مساره؛ ولقد سار (مِنْ صعوده حتى هبوطه) في مسارٍ مُنْحَنٍ؛ ويمكن تشبيه الحجر السائر في هذا المسار المنحني، ولجهة تبعيته مساره، بكُرَيَّة تسير في أنبوب شَفَّاف (مُنْحَنٍ).
لو نَطَقَ هذا الحجر، في أثناء سَيْره، صعوداً، ثمَّ هبوطاً، لقال إنَّه يسير في مسارٍ مستقيم؛ لكنَّكَ أنتَ الذي قَذَفْتَ الحجر، تراه يسير (صعوداً، فهبوطاً) في مسارٍ مُنْحَنٍ.
اقْذِفْهُ، مرَّةً ثانيةً؛ لكن بما يجعل سرعة انطلاقه أعلى من المرَّة السابقة، فيَصِل في ارتفاعه إلى نقطة أعلى، سائراً في مسارٍ أقل انحناءً؛ وكلَّما قلَّ انحناء المسار الذي يسير فيه صاعداً، اقْتَرَب الحجر من النقطة التي إذا تجاوزها أَفْلَت من قبضة الجاذبية الأرضية التي تُرْغِمه، دائماً، على العودة إلى سطح الأرض. وبتجاوزه هذه النقطة، يدور الحجر في مدارٍ حول الأرض، أو يغادِر، نهائياً، حقل الجاذبية الأرضية إلى الفضاء الخارجي.
إنَّ الموضع الذي منه ينطلق الحجر، أو يُطْلَق، يشبه محطَّة، تتفرَّع منها مسارات، إلى أعلى، تشبه "الأنابيب الشَّفَّافة"، متفاوتة الانحناء؛ وبحسب سرعة انطلاق الحجر، إلى أعلى، يتقرَّر ويتعيَّن المسار الذي سيسير فيه؛ فإذا كانت سرعته هذه تَعْدِل، أو تَفوق، 11.2 كيلومتر في الثانية، سار إلى أعلى في المسار (أو الأنبوب) الأقل انحناءً، متَمَكِّناً، من ثمَّ، من الإفلات من الجاذبية الأرضية، فلا يسقط إلى سطح الأرض.
أنتَ تَقْذِفْهُ بقوَّة ما، فَيَتْبَع، في صعوده، مساراً منحنياً، تتناسب درجة، أو شدَّة، انحنائه تَنَاسُباً عكسياً مع سرعة انطلاقه؛ فكلَّما كانت هذه السرعة أعلى، تَبِعً الحجر الصاعد المسار (أو الأنبوب) الأقل انحناءً.
الآن، تخيَّل نفسكَ مقيماً في جوف "ثقب أسود"، فأطْلَقْتَ (إلى أعلى) مِمَّا يشبه "المُسدَّس" طلقةً هي "نقطة من ضوء"، تسير، صعوداً، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ فماذا ترى؟
ترى هذه "الطلقة" تسير إلى أعلى، في اتِّجاه الحدِّ الخارجي لـ "الثقب الأسود"، والمسمَّى "أُفْق الحَدَث"، فتَبْلُغ أقصى ارتفاعٍ يمكنها بلوغه، ثمَّ تشرع تسير في مسارٍ هابط، عائدةً إلى حيث انطلقت.
بالسرعة القصوى في الكون، سارت هذه "الطلقة"، صعوداً، في المسار الأقل انحناءً، فأوْصَلَها هذا المسار إلى "النقطة العليا"؛ لكنَّ هذه النقطة كانت دُون "الحدِّ الخارجي" لـ "الثقب الأسود"، فعادت، من ثمَّ، في مسار (مُنْحَنٍ) هابط.
وفي افتراضٍ غير واقعي، من وجهة نظر الفيزياء، أقول: لقد أُطْلِقَت "الطلقة" نفسها الآن، فسارت صعوداً، بسرعة تَفوق سرعة الضوء، فأَوْصَلها هذا المسار الأقل انحناءً من مسارها السابق إلى نقطة أعلى من "اُفْق الحَدَث"، فأَفْلَتَت من قبضة جاذبية "الثقب الأسود"، سائرةً، من ثمَّ، في الفضاء الكوني الخارجي.
إنَّ "الطلقة"، أيْ "نقطة الضوء"، تَتْبَع مسارها الصاعِد الأقل انحناءً؛ لكن ما العمل إذا ما كانت كل المسارات (أو الأنابيب) المنحنية تَقَع دُون "الحدِّ الخارجي" لـ "الثقب الأسود"؟!
حتى السرعة القصوى في الكون (300 ألف كيلومتر في الثانية) والتي هي سرعة الضوء، لا تسمح لـ "الطلقة" السائرة صعوداً إلاَّ بالسَّيْر في مسارٍ، على قِلَة انحنائه، لا يُوْصِلها إلاَّ إلى ارتفاعٍ هو دُون "الحدِّ الخارجي" لـ "الثقب الأسود"؛ فكلُّ المسارات، إلى أعلى، والمنحنية حتماً، حبيسة ضِمْن الفراغ (أو الفضاء) بين "الحد الخارجي" لـ "الثقب الأسود" و"نقطته المركزية (عديمة الحجم، لانهائية الكثافة)" Singularity.
نظرياً، ثمَّة مسار (إلى أعلى) في داخل "الثقب الأسود"، هو الأقل انحناءً، ويمكن أنْ يُوْصِل السائر فيه إلى الفضاء الخارجي؛ لكنَّ السَّيْر في هذا المسار مشروط بشرط تعجيزي هو أنْ تكون سرعة انطلاق الشيء تَفوق سرعة الضوء.
إنَّ انحناء الفضاء حول جسم ضخم الكتلة، كالنَّجْم، يعني انحناء كل المسارات ضِمْن هذا الفضاء انحناءً متفاوت الدرجة والشِّدَّة؛ فكلَّما كان المسار أقرب إلى هذا الجسم اشتدَّ انحناؤه؛ وكلَّما اشتدَّ انحناء المسار، أو المدار، تَعَيَّن على السائر فيه (على الكوكب مثلاً) أنْ يسير بسرعة أعلى؛ وحجم الفضاء المنحني حول النَّجم يتناسب تناسُباً طردياً مع كتلة النَّجْم؛ فكلَّما عَظُمَت كتلته، طال (أو كَبُر) نصف قطر دائرة الفضاء التي في مركزها يتموضع النَّجْم.
للإفلات من قبضة الجاذبية، ينبغي للجسم السَّيْر، صعوداً، في المسار الأقل انحناءً؛ وللسَّيْر في هذا المسار ينبغي لسرعة انطلاق الجسم أنْ تكون هي الأعلى نسبياً؛ أمَّا للدوران في المدار الأقرب إلى النَّجْم، والأشد انحناءً، فينبغي للجسم (أو الكوكب) الدائر أنْ يدور بسرعة كبيرة نسبياً؛ فإنْ تضاءلت هذه السرعة، سقط الجسم إلى سطح النَّجْم، وإنْ تعاظَمَت، أَفْلَت الجسم من جاذبية مداره، وانفصل عنه، منطلقاً بعيداً في الفضاء الكوني الخارجي.
هل من مكانٍ في خارج "الثقب الأسود"؟
نَعَمْ؛ لكن الوصول إليه مشروط بسرعة انطلاق تَفوق سرعة الضوء.
هل من مكانٍ في خارج الكون، أو في خارج كوننا؟
قِفْ على سطح كوكب الأرض، وأطْلِقْ "الطلقة نفسها"، أيْ "نقطة الضوء"؛ أطْلِقْها إلى أعلى، فتسير في المسار الأقل انحناءً، وتظل تسير فيه زمناً طويلاً؛ وفي آخر المطاف تعود إلى النقطة التي منها أُطْلِقَت بعد بلايين السنين. لقد سارت، إلى أعلى، في مسارٍ مستقيم، من وجهة نظرها، حتى عادت، بعد رحلة كونية استغرقت بلايين السنين، إلى نقطة انطلاقها؛ فلا مكان تَصِل إليه، وهي التي تسير بالسرعة القصوى في الكون، إلاَّ المكان الذي هو جزء من كوننا؛ فهل تُغادِر كوننا، وتَصِل إلى موضعٍ في خارجه، إذا ما سارت بسرعة تَفوق سرعة الضوء؟
الإجابة حتى الآن هي "كلاَّ، لن تغادره أبداً، وإلى مكان آخر؛ لأنْ ليس من مكانٍ آخر".
لن تغادره أبداً لو سارت في أيِّ بُعْد من أبعاده الثلاثة؛ فَكَوْننا إنَّما يتمدَّد ضِمْن "البُعْد الرابع للمكان" Hyperspace.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نفاد الوقود.. انقطاع التيار الكهربائي في مجمع ناصر الطب


.. وسائل التواصل الاجتماعي أدت لأزمة في الصحة العقلية بين الشبا




.. جمال الطبيعة ورهبتها في آخر ثوران لبركان إتنا


.. تفاعلكم | مفاجأة.. هذه عمليات التجميل التي أجراها بايدن وترا




.. أوكرانيا تعلن نجاحها في مراقبة وتتبع وضرب القوات الروسية من