الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتنبي شهيداً

حيدر الكعبي

2013 / 12 / 14
الادب والفن


ملاحظة:

أنشر هذه القصيدة هنا تلبية لطلب صديق. وكنت بدأت كتابتها أواخر عام 1973، وتوقفت عن الإشتغال بها أوائل عام 1975. وهو العام الذي نُشرتْ فيه في مجلة (الطليعة الأدبية)، بتدخل من صديقي الشاعر الراحل سعدون حاتم (آدم حاتم). لم أكن أكملتُ الإعدادية حينها، لكنني كنت تلقيت دعوة للمشاركة في مهرجان أقامته جامعة البصرة في قاعة المركز الثقافي، بالعشار. فاعترض مدير ما يسمى بـ (دور الثقافة الجماهيرية)، وهو "شاعر" ايضاً، على مشاركتي فلم يسمحوا لي بقراءتها. فأخذها مني الراحل سعدون وذهب بها الى بغداد حيث نشرها كما أسلفت. وقد قرأت القصيدة لعدد كبير من الأصدقاء وفي مناسبات كثيرة حتى صرت أُعرف بها. والسخة التي أثبتها هنا مستعادة من الذاكرة، أي أنها غير مطابقة للنسخة المنشورة عام 1975 بسبب الفجوات التي أحدثها النسيان.



المتنبي شهيداً



يقولون لي ما أنت في كل بلدةٍ
وما تبتغي، ما أبتغي جلّ أن يُسْمى

ومرادُ النفوس أصغر من أن
نتعادى فيه وأن نتفاني
غير أن الفتى يلاقي المنايا
كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا
ولو ان الحياةَ تبقى لحيٍّ
لعددنا أضلنا الشجعانا
فإذا لم يكن من الموت بُدٌّ
فمن العجز أن تكونَ جبانا

فزُلْ يا بُعدُ عن أيدي رِكابٍ
لها وقع الأسنّةِ في حشاكا
وأيّاً شئْتِ يا طُرُقي فكوني
أذاةً أو نجاةً أو هلاكا

المتنبي





الصغير الذي تعرفين
يا مدينةَ أحبابه الطيبين
ما سواه الذي عادَ
لا تهزجي،
لا تدقي الدفوفْ
حسبُهُ جاء يسحبُ خيباتِهِ
ربما الآن تعترفين
ربما في غدٍ،
لا تدقي دفوفك يا من دعيتِ مدينة
أنتِ كوفتُهُ،
إنما حدّقي جيداً
تُدركي
أن هذا الذي عادَ ليس الذي كنتِ في ما مضى تعرفينه
فصغيرك جاءك منتمياً
لعوالمَ يجهلُ أسماءَها
لعوالمَ أرحمُ منها السحابةُ
تنظر للناسِ يذوون من ظمأٍ
وهي ممسكةٌ ماءها.
الصغير الذي عاد يا أمه الأبدية جاء لينفض عن كتِفيهِ غبار السفرْ
ساعة، ثم يرحلُ ثانيةً،
فاعذريه إذا لم يجئْكِ ليُهْمَلَ في أيّما سلّةٍ كالنفايةِ،
أو يرتمي عند أقرب زاويةٍ في الطريق ارتماء الحَجَرْ
***

كان للّاذقيةِ بابٌ،
ولكنّ حارسَهُ المؤتَمَنْ
نامَ،
لا تسألوا كيف مر النبيُّ إذنْ.
أيُّ أبراجِ عاجٍ هوتْ فوقهمْ
هؤلاءِ بقايا بقايا الوطنْ
عبّدوا بهمِ الطرقاتْ
فليكونوا إذن طُرُقاتي
جَهْلُهُمْ عدَّ هُزْئي بهمْ معجزاتٍ، فهم صنعوا معجزاتي.

***

كانتِ الطرقاتُ مساحاتِ ظلٍّ غِرائي
كان للشجر المتهدّلِ نبعُ دمِ مختفٍ في اللحاءِ
كانَ كلُّ الذي كان منسحباً
إنني، أحمدَ المتنبي، أقرُّ بكرهي لكم يا عبيدَ الإماءِ
إنني، أحمدَ المتنبي، أقرُّ بكرهي لكم قسماً بالمذاهبِ أجمعِها والسمواتِ واللهِ والأنبياءِ
كنتُ فرداً وكنتمُ بلاداً وحاربتُ جَهْراً وحكْتمْ مكائدكم في الخفاءِ
وهجوتكمُ رغمَ علمي بأنكمُ قاتليَّ
وقد جئتكم مثل سيفٍ، وما حاجةُ السيفِ للخُفراءِ؟
أنا لو خِفْتكمْ، رغم علمي بأنكمُ قاتليَّ، لزيَّنْتُ ما ليس فيكم ونزّهتكمْ عن هجائي.

ظمئي هو مائي
صفقوا، صفّروا، وارقصوا، وانقروا بالدفوف
وابصقوا فوق ديوانِ شعري
ثم حين أموت أقيموا ولائم أعراسكم وادبكوا فوق قبري.

***

رشقةٌ من رعاف المطرْ
أنشبتْ لَسْعَ فِضّتِها في الجبينِ المضاءْ
وبمثل مداعبةٍ فَظّةِ رسمَ السيفُ ظِلَّ انحناءْ
واستطارَ الصهيلْ
مثلَ نافورةٍ،
ثم صرّ بأسنانه البرقُ، شظّى ثعابينَ ماسيّةً تقشعرّ استياءْ
وبمثلِ مداعبةٍ فظةٍ رسم السيفُ ظل انحناءْ
ثم أزَّ على ظماٍ،
شجرٌ أم عباءاتُ رتلِ نساءْ
ينتظمن كسلسلةٍ من كوىً معتمة؟
مطرٌ شبحيٌّ رقيقْ
مثل سيفٍ من الدمع يجرح خدّ المساءْ
وكإشراقةٍ غائمةْ
مثل جيشٍ بعيدْ
كانبعاثٍ لماضٍ وراء الضبابْ
وكلحظة صحوٍ فريدةْ
فوق دنٍّ يُرَجُّ طفت في اصطخابْ
في هياجٍ وعنفٍ لجوجٍ ملحٍّ مهاجمْ
في ارتعاشْ
جارحٍ، كمقاومةٍ، كاحتجاجْ
عاجزٍ، كتشبثِ كفِّ غريقٍ بحبلِ غبارْ
كابتعاثٍ عنيدْ
لحياةٍ بدتْ مثل أيدٍ ملوّحةٍ من بعيدْ

رهَقٌ شاحبٌ في الجبينْ
فهزيمةُ ماضٍ أمام ابتسامة هُزْءٍ مرفرفةٍ لا تكادُ تبينْ.

***

سيدي لا تخفْ
فليقولوا لقد هزيء المتنبي بأمجادنا واستخفْ
شاعرٌ؟ بل غلامٌ صغيرْ
أفسدتْهُ الهدايا
بلِ الصدقات،
سيدي لا تخف فليقولوا غرابْ
أسفعٌ، أسحمٌ، جالبٌ للخرابْ
أبواهُ وضيعانِ، والجرو نسلُ الكلابْ.
هو ذو شممٍ والذبابُ يحومُ على أنفهِ
ينحاشى الصدام ويسخرُ من حتفهِ
عاجزٌ لم ينل ما تمنى فذمَّ الزمانْ
خائرٌ وجبانْ.

أعطهم قطرةَ، حسْبُ، من طوفانكْ
أعطهم كِلمةً، حسبُ، من مهرجانكْ
أعطهمْ كَدَماتْ
أعطهم وطناً ضائعاً في بطون الغزاةْ
أعطهم أمهاتْ
يسكن الرعبُ أرحامهنَّ ويجهضنَ في الطرقاتْ
وليقولوا لكوفتك المستباحةِ يا أمنا متنبيك ماتْ.

لعنة الكلماتِ استباحتْ براءة هذا الجسدْ
لعنةُ الكلماتِ تُسـفِّهُ لا رأيَ من أجل لا شيءَ في لا أحدْ
عرفوكَ انتماءً ولكنهم أنكروكَ انتماءً لما لا يُحَدّْ

خلَّني عنكَ أحملْ خطاياهمُ سيدي
ثمة امرأةٌ أنكروا أن تنوء بأوزارهمْ، ولكي يقتلوها استعاروا يدي.

ما هو العدلُ؟ من أمهُ؟ من أبوهْ؟
ما هو العدلُ حين تُدانُ بجرمٍ قضاتُكُ مقترفوه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل