الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا تواصل سياسة التعريب التي بدأتها منذ احتلالها للجزائر والمغرب

محمد بودهان

2013 / 12 / 14
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


عندما كتبت (انظر كتاب "في الهوية الأمازيغية للمغرب") بأن فرنسا هي التي أرست أسس التعريب بالمغرب، بتدشينها لمرحلة التعريب السياسي ـ وليس اللغوي ـ المتمثل في إنشائها لدولة عربية بالمغرب ابتداء من 1912، بانتماء عربي وسلطة عربية، وهو التعريب (السياسي) الذي كان شرطا لمراحل التعريب الأخرى لما بعد الاستقلال، والتي لم تكن إلا تتمة لما بدأته فرنسا في 1912، (عندما كنت أكتب ذلك) كان الجميع يرفض هذه الخلاصة بناء على الرأي "الرسمي" الشائع، الذي يقول إن فرنسا، على العكس من ذلك، حاربت العروبة واللغة العربية وكل ما يمت إليهما بصلة مثل الإسلام، كما فعلت عندما أصدرت "الظهير البربري" لتنصير الأمازيغيين وفصلهم عن العرب وإبعادهم عن الإسلام.
وها هو تقرير للحكومة الفرنسية، منشور على موقعها الرسمي يوم 13 دسمبر 2013 (http://www.gouvernement.fr/presse/refondation-de-la-politique-d-integration-releve-de-conclusions)، يدعو فرنسا إلى الاعتراف «بالبعد العربي المشرقي لهويتها...».
العروبة هي إذن، كما جاء في التقرير، بعد من أبعاد الهوية الفرنسية. هذا شيء جميل، نصفق له، ولا اعتراض لدينا عليه.
لكن ما يهمنا، وهو ما يمكن أن نعترض عليه، هو المضمون الهوياتي لهذا البعد العربي المشرقي للهوية الفرنسية. فما هي البلدان والشعوب والمناطق "العربية المشرقية" التي يتشكل منها هذا البعد العربي المشرقي للهوية الفرنسية، كما جاء في تقرير الحكومة الفرنسية؟
إذا رجعنا إلى التاريخ الاستعماري لفرنسا، وإلى عدد الأجانب الذين انخرطوا في الجيش الفرنسي وحاربوا في الهند الصينية وفي الحرب العالمية الثانية باسم فرنسا ـ وفيهم من أصبح أبناؤهم وحفدتهم فرنسيين ـ، وإلى العدد الهائل من المهاجرين نحو فرنسا انطلاقا من البلدان التي كانت مستعمرات فرنسية، والذين سيكون لهم تأثير على الهوية الفرنسية بعد أن يصبح أبناؤهم وحفدتهم فرنسيين، إذا استحضرنا كل ذلك، سنجد أن العناصر العربية الحقيقية، أي تلك التي يرجع أصلها إلى المشرق العربي، لا وزن ولا قيمة لها، حتى لا نقول إنها منعدمة، ضمن "مكونات" الهوية الفرنسية، مقارنة مع العدد الكبير من أبناء المهاجرين القادمين من بلدان ومناطق أخرى، وخصوصا بلدان شمال إفريقيا. وهذا ما تعرفه جيدا السلطات الفرنسية: تعرف أن العناصر العربية الحقيقية، القادمة من منطقة الشرق الأوسط، لا دخل لها في الهوية الفرنسية لأنها غير موجودة في فرنسا بالقدر الكافي وبالمدة الكافية حتى تدخل في تشكيل الهوية الفرنسية.
فلماذا يتحدث تقرير الحكومة الفرنسية عن "البعد العربي المشرقي لهويتها"؟
لأن فرنسا، منذ أن أنشأت دولا عربية بشمال إفريقيا أثناء استعمارها لهذه البلدان، وأضفت الطابع العربي على هذه المنطقة لشمال أإفريقيا وألحقتها هوياتيا وانتماء ببلدان المشرق العربي، أصبحت هذه البلدان الإفريقية، مثل المغرب والجزائر وتونس وموريطانيا، تعتبر عند فرنسا جزءا من هذا المشرق العربي رغم أنها توجد في القارة الإفريقية وليس في القارة الأسيوية التي ينتمي إليها المشرق العربي. ولهذا فإن تقرير الحكومة الفرنسية، عندما يتحدث عن "البعد العربي المشرقي" للهوية الفرنسية، فهو يقصد البعد المغاربي الذي هو وحده ـ وليس البعد العربي ـ يملك حضورا قويا بفرنسا. وبما أن المغاربيين أصبحوا في حكم فرنسا، بعد تعريبها السياسي لدول هذه البلدان التي خلقتها فرنسا نفسها كما سبقت الإشارة، عربا لا فرق بينهم وبين العرب المشارقة، فهي تسمي تأثيرهم على الهوية الفرنسية "بالبعد العربي المشرقي" لهويتها الفرنسية.
هكذا تواصل فرنسا، في أواخر 1913، سياستها التعريبية التي بداتها منذ اختلالها لبلدان شمال إفريقيا. وضحية هذه السياسة هي، طبعا، الأمازيغية والانتماء الأمازيغي، لأن المغاربيين، أي المنتمين لما يسمى "المغرب العربي"، هم أمازيغيون بحكم انتمائهم إلى الأرض الأمازيغية بغض النظر عن أصولهم العرقية المختلفة، كما هو الشأن بالنسبة لكل البلدان التي تتحدد هويتها بالأرض وليس بالعرق.
فبدل أن تعترف فرنسا بالبعد الأمازيغي للهوية الفرنسية، نظرا لحضوره القوي للأسباب التاريخية التي سبقت الإشارة إليها، تقصي هذا البعد وتضع مكانه البعد العربي المشرقي، انسجاما مع سياستها التعريبية عندما أقصت الأمازيغية كهوية لدول شمال إفريقيا ووضعت مكانها الهوية العربية. وهو ما تترجمه تسمية هذه البلدان بـ"المغرب العربي"، الذي لا توجد وثيقة تاريخية تحمل هذه التسمية قبل الأربعينيات من القرن الماضي. مما يدل على أنها ليست أصيلة ولا حقيقية، بل مختلقة ومزورة بهدف تزوير الهوية الأمازيغية للمنطقة، حتى ولو كان أحد واضعي هذه التسمية هو البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وهذا الاعتراف بـ"البعد العربي المشرقي" للهوية الفرنسية، بقدر ما يقصي الأمازيغية ويغيّبها، بقدر ما يدعم الهوية العربية لأنظمة شمال إفريقيا ـ التي لا تعترف بالأمازيغية كهوية للدول التي تحكمها هذه الأنظمة ـ، لأنه يعترف بامتدادها الهوياتي العروبي داخل فرنسا. ومن هنا يدعو التقرير إلى «إعادة الاعتبار لتدريس اللغة العربية، الذي يجب أن تضطلع به وزارة التربية الوطنية، وعلى قدم المساواة مع اللغات الأخرى، وذلك بإقرار هذه اللغة في أحسن المدارس والثانويات بالتراب الفرنسي»، ودون أي ذكر للأمازيغية على اعتبار أن لغة الذين يرتبطون بـ"البعد العربي المشرقي" هم عرب وليسوا أمازيغيين.
هذا الموقف المعادي للأمازيغية هو استمرار لحرب فرنسا على الأمازيغية التي انطلقت منذ احتلالها لهذه البلدان في القرن التاسع عشر. لكن هذه المرة، هذه الحرب تشنها فرنسا على الأمازيغية داخل فرنسا نفسها، التي تطارد فيها الهوية الأمازيغية واللغة الأمازيغية فوق ترابها الذي شارك الأمازيغيون في تحريره والدفاع عنه. إنه الغدر الفرنسي في أجلى صوره وتجسيداته.
في الحقيقة، لا يمكن أن ننتظر من فرنسا أن تعترف بالأمازيغية أو تدعم المطالب والحقوق الأمازيغية، ونحن نعرف أنها لم تستعمر بلدان شمال إفريقيا إلا لتحارب الأمازيغية وتنشئ دولا جديدة بهوية عربية كما فعلت بالمغرب في 1912. ومحنة شعب الطوارق الأمازيغي وراءها فرنسا التي خلقت دولا جديدة، بغير الهوية الطارقية لتلك البلدان التي أنشأت بها فرنسا تلك الدول، مثل مالي، النيجير، بوركينا فاسو، تشاد. فأصبح الطوارق، بعد أن كانوا سادة الصحراء، غرباء في أرضهم وأجانب في أوطانهم.
وعندما نتأمل ما فعلته فرنسا بالأمازيغية والأمازيغيين بشمال إفريقيا، سنخلص إلى أن العدو التاريخي للأمازيغيين لم يكن هو الرومان، ولا العرب، بل فرنسا وحدها، التي لم تكتف بإبادة مئات الآلاف من الأمازيغيين، وهو ما فعله حتى الرومان والعرب، بل أبادت لغتهم وهويتهم وبنياتهم الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تحمي هذه اللغة والهوية، وأخضعتهم لأول مرة في تاريخهم لدول بهوية غير أمازيغية، كالدولة العربية التي أنشأها ليوطي بالمغرب في 1912.
وإذا كانت العروبة بالمغرب تشكل اليوم مشكلة بالنسبة للأمازيغية، فذلك بسبب فرنسا التي خلقت دولة عربية وبهوية عربية، مع كل ما يعني ذلك من إقصاء ظالم لهوية الأرض الأصلية التي هي الهوية الأمازيغية. ولهذا فإن ما يرد به البعض، على المدافعين عن المطالب الأمازيغية، بالقول بأن الأمازيغيين والعرب عاشوا في انسجام ووئام قرونا طويلة، ودون أي نزاع أو صراع بسبب العرق أو الأصل أو الانتماء، هو صحيح، وصحيح، جدا، لكن قبل أن تتدخل فرنسا وتخلق هذا النزاع والصراع بخلقها لدولة عربية على أرض أمازيغية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - آزول اخي العزيز
Jugurtha bedjaoui ( 2013 / 12 / 15 - 00:07 )
آزول اخي العزيز وكل ماقلته صحيح ولمعلوماتي ان تاريخ تعريب شمال افريقيا كان في سنة 1919 اي في مؤتمر يالطا لكنه لم يؤثر على الجزاءر مثلا وذلك لوجود كل القيادات الثورية الجزاءرية امازيغ وحتى سنة 1962سنة استقلال الجزاءر بقيادة الامازيغ كانت تسمى الجزاءر جزاءرية حتى وصول عميل العرب احمد بن بلة للحكم سنة 1963 اعلنها في خطبته المشؤمة في تونس الجزاءر عربية ثلاث مرات تملقا لجمال عبد الناصر الدي كان يتزعم القومية العربية ولكنه قالهافقط عندما اغتال جميع القيادات الثورية الامازيغية ولكن كان دلك بمساعدة فرنسا المجرمة التي عرفت ان من طردها من الجزاءر هم اصحاب الارض وليسوا غزاة مثلها انها قصة فرنسا الاستعمارية التي مازالت تطارد الامازيغ حت في صحاري القفار وماتقوم به الآن في مالي لاكبر شهيد لى دلك تحياتي

اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا: إسبانيا تكتسح جورجيا وإنكلترا تفوز بصعوبة عل


.. الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية: نتائج ودعوات




.. أولمرت: إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله قد يختفي لبنان.. وا


.. إسرائيل تتحدث عن جاهزية خطط اليوم التالي للحرب وتختبر نموذجا




.. ميليشيا عراقية تهدد باستهداف أنبوب النفط المتجه إلى الأردن|