الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تموت الجذور (قصة قصيرة)

رمسيس حنا

2013 / 12 / 15
الادب والفن


عندما تموت الجذور (قصة قصيرة)

ظل برسوم حنا وفرغل خليفة على شراكتهما فى قطعة الأرض التى تبلغ مساحتها حوالى فدانين والتى توارثاها عن أبويهما طيلة المائة عام.

لم يحدث أبداً أن ارتفع صوت أحدهما على الاَخر حتى فى حالات الخلاف على بعض الحسابات نتيجة النسيان أو التى كانت تنجم بسبب ضغوط المواسم.

كانت قريتاهما تبعدان أحداهما عن الأخرى حوالى إثنا عشر كيلو متراً وكانت وسيلتهما فى الإنتقال هى الدواب.

لا يستطغ أحد أن يكتشف أن برسوم وفرغل ليسا أخوين إلا من اسميهما فقط ... حتى ملامحهما كانتا متقاربتين جداً لدرجة أنك تعتقد لأول وهلة أنهما أخوان صنوان أو أنهما توأمان من أول نظرة ... وسرعان ما تكتشف الفرق الوحيد بينهما عندما تتعرف على إسميهما.

فى بداية عام 1995 سقط برسوم فريسة المرض اللعين واكتشف الأطباء بعد عام أى فى بداية 1996 من معاناته أنه يرزح تحت وطأة المرض الخبيث "سرطان فى الكبد".

كان عم فرغل يتعود برسوم أسبوعياً أو كل عشرة أيام عندما لازم الثانى فراش المرض ولم يبرحه حتى وافته المنية فى السابع والعشرين من سبتمبر "أيلول" 1996.

وكان عم فرغل يحضر العزاء فى والدى ... وكان يجلس بجوراى صامتاً طيلة الوقت زائغ البصر شارد الذهن قليل الحيلة ... عندما كان يقف عند دخول أحد المعزين كان يترنح فى وقفته كأنه ثمل لدرجة أننى أشفقت عليه وأجلسته وطلبت منه الا يقف عند دخول المعزين.

ولكن الرجل كان يميل على ويهمس:
برسوم مات يا رمسيس.

فقلت له:
كلنا سوف نموت يا عم فرغل، البقية فى حياتك.

فقال مستنكراً:
هل بعد موت برسوم يوجد بقية فى الحياة.

ثم أردف قائلاً:
كنت أعلم أن هذا سوف يحدث.

فسألته:
ما الذى كنت تعلم أنه سوف يحدث يا عم فرغل؟

قال:
موتى وموت ابيك ... ولكن أبيك ضحك على وسبقنى.

واعتقدت أن كربة الحزن كانت شديدة الوطأة على الرجل

فقلت له:
لقد قدر الله وما شاء فعل وربنا يعطيك طول العمر يا عم فرغل.

فنظر الى نظرة عتاب و كأنه يسألنى إذا ما كنت اصدق ما يقول.

ثم قال لى:
كنت أتوقع أن تسألنى كيف علمت بموتى و موت أبيك مسبقاً.

ورأيت أنه من الأفضل أن اترك الرجل يفرج عن حزنه

فقلت له:
أنا لا أريد أن اقلب المواجع يا عم فرغل ولكن إذا اردت أن تخبرنى فأنا كلى أذان صاغية.

فقال لى:
هل تتذكر شجرتى الكافور اللتين كانتا مزروعتين على رأس الحقل من الناحية الشرقية؟

قلت له:
نعم وكنا نحتمى بظلهما لنتناول الغذاء ونستريح وقت القيلولة. ماذا حدث لهما؟

قال:
هل تعلم كم عمر هاتين الشجرتين؟

ثم قال:
طبعاً لا تعلموا أى شئ لا أنتم ولا أولادى لأنكم لم تسألوا ابداً عن أى شئ بيننا.

وأحسست بنبرة التوبيخ والحزن والندم فى صوته.
ثم قال:
واحدة اشتراها ابى وشتلها أبوك والأخرى إشتراها جدك وشتلتها أنا. وكان يطلق على الشجرتين اسم واحد "برسوم وفرغل" أو "فرغل وبرسوم".

ثم واصل حديثه قائلاً:
فى شتاء 1995/1994 جفت وتساقطت أوراقهما وثيبست الشجرتان وحاولنا أنا وأبوك أن نعرف السبب وحفرنا حولهما لكى نعلم إذا كان شئ ما اصاب جذورهما ... ولكن توقف البحث بسبب مرض أبيك ولكنى أحضرت أحد المهندسين الزراعيين الذى أخبرنى أن جذور الشجرتين قد جفت وتيبست لإصتدامهم بطبقة صخرية ذات ملوحة عالية. وماتت الشجرتان فتحققت من موتى وموت أبيك.

ثم صمت الرجل...

بعد أن فض مأتم والدى وفى الإسبوع التالى استيقظت فى تمام الساعة الخامسة والنصف صباحاً على صوت هاتفى فى أسيوط،

وكان على الطرف الاَخر من خط التليفون يأتى صوت محمود فرغل:
البقاء لله عمك فرغل توفى الى رحمة الله.
"رمسيس حنا"










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين