الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقدّس و المدنّس في النص الإبداعي السردي قراءة في رواية - نزهة الخاطر - للدكتور أمين الزاوي:

رفيق جلول

2013 / 12 / 15
الادب والفن


يقدّس الإنسان ما يعتقد دائما وما يراه، وربما تأثرا بالمعتقدات و الديانات التي ظل وما زال يتعايش معها منذ القدم، فهو كتلة أفكار تتطور مع مرور الزمن، وتكمن الثورة هنا ليس فقط في تغيير حكم أو نظام مستبد، فهذا التغيير الذي يحتاجه الإنسان هو تقدمي يتخلى عن رجعية الفكر و التقاليد التي تؤديه إلى التخلف ، و يقع هذا التقدم في توظيف التطوير الذي يبدع فيه، وعلى كل من يؤمن به لدحض الرجعية كالمفكر و الأديب و الشاعر و الروائي و المثقف الواعي تكمن في اعادة التقييم وتطوير الآراء السائدة و النظريات القائمة و التقاليد الراسخة و العادات و الممارسات التي اكتسبت بالقدم جلالا و قداسة .
وربما رواية " نزهة الخاطر " الصادرة عن منشورات ضفاف ببيروت و منشورات الاختلاف بالجزائر ، للكاتب الروائي أمين الزاوي لا تنحصر فقط في عمقها السردي، إنما هي تنفتح على عدة قراءات فلسفية وفكرية هادفة ، و أهم ما أراه شخصيا في موضوعنا هذا الذي أطرحه ،هي الثورة التي يقدمها الدكتور أمين الزاوي من خلال روايته ، ثورة فكرية تنير عقل القارئ أو بالأحرى " الشعب الذي لا يجوع ولا يستعبد "1 كما هو معتاد أن يقوله فيما يتعلق بالقراءة .
فرواية " نزهة الخاطر " التي تدور حبكتها السردية حول الحب و الدين و الجنس و السياسة و عدة عوامل تتمحور في فكرة المقدس ، الذي يرتبط بعالم الأنثروبولوجيا حيث هو على العموم الأشياء و الأماكن و الشخصيات و الأعمال التي يجب احترامها من قبل أي مجتمع ليقيم هذا الأخير طقوسا دينية يعتقد فيها أنها موصولة بالإله .
وخلال البحث عن معنى مصطلح " مقدس" في موسوعة لالاند الفلسفية نجد أن القدسيّ sacré و الدّنيوي مصطلحان متلازمان لا معنى لأحدهما إلا بالآخر ، فهما يشكّلان إطارا أساسيّا للفكر ، مطروحا طرحا قبليّا ، إذ جاز القول ، لكن لئن كان هذان المصطلحان لا يتمايزان إلاّ بفصلهما المتبادل ، فقد يكون مستحيلا أن نعرف ، و نحن نرصد مجتمعا ما ، أيّهما القدسيّ و أيّهما الدّنيويّ، إذا يلزم فوق ذلك ، أن يتّسم القدسيّ بسمة مميّزة ، هذه السّمة ليست التّفوّق فقط ، لأنّ الأمر لو كان على هذا النّحو في أرفع صور الدّين.2
و في قاموس اللغة العربية نجد أن المقدّس يعني المبارك ، و البيت المقدّس: بيت المقدس ، و النسبة إليهما : مقدسيّ ، والكتاب المقدّس عند اليهود ، و العهد القديم عند النصارى 3 .

" كنت دائما أشبّه صورة جدي وهو على مثل هذه الهيئة و الجلسة و التأمل و اللحية بصورة أحد أنبياء الله، لست أدري لماذا كلما لمحته يذكرني وبشكل مباشر بالمسيح عليه السلام !"4

نجح الدكتور أمين الزاوي في ادخال جزء مهم من التراث المسيحي في تراث اسلامي ، حيث جعل شخصية الجد مأمون مشبّهة بالمسيح عليه السلام ، وهذا مدى قدسيته أي الجد للحفيد بطل الرواية أنزار .
وما يلاحظ أن الرجوع إلى قدسية المسيح عليه السلام لفتة ذكية من قبل الراوي في تشبيه جده به، وهذا يلعب دورا في وصف محبته، وربما هذا ما يجعله قدوة له.
فاستعمال شخصية المسيح عليه السلام رمزا للمشبّه به أي الجد مأ مون يشبه كثيرا ما عبر به مارسيا إلياد في كتابه " المقدس و المدنس " حيث هذا الأخير يقول: " لقد قاس بعض آباء الكنيسة البدائيين الفائدة من التواصل بين الرموز المعروفة من قبل المسيحية و الرموز المشاعة بين البشرية ، وقد ذكّر تيوفيل الأنطاكي بمخاطبته أولئك الذين ينكرون قيامة الموتى ذكرهم بالعلاقات أو الاشارات." 5
اذا استعمال المسيح كرمز ديني في تشبيه الجد مأمون به جعلنا نعرف مدى قداسة هذا الأخير لدى الحفيد ، حيث أن المسيح عليه السلام مقدس لدى المسيحيين.
" رجل مثل العم سليمان لن يكون سوى الزوج المناسب لهاجر.
مع ذلك ، وفي خلوة هادئة ، بعيدا عن عيون أهل البيت الكبير ، لكم صادفت ولمرات عديدة أختي هاجر وهي تحضن بدفء يد عمي بين يديها الصغيرتين ،وتكلمه بهدوء و كأنما تفضي إليه بسر لا تريد أن يشاطرهما في سره آخرون.
مع ذلك لم تكن علاقة أختي بعمي سليمان لتغضب جدتي ولا حتى جدي ، لم يكن الأمر يثير لديهما أي قلق ، على الرغم من أن بعض الألسنة بدأت تندلق في القرية ، وتهمس و تقص حكايات لا تنتهي عن هذه العلاقة "6
يرى المفكر الجزائري الراحل محمد أركون في كتابه ( تاريخية الفكر العربي الإسلامي )، أن "مجمل أنواع السلوك البشري تندرج ضمن خمسة أحكام وهي : الحلال و الحرام ثم الجائز و المندوب و المكروه ، و كل هذا يرجع إلى علم الفقه الذي يرتبط بعاملين في الفكر الديني الإسلامي هما القرآن والسنة "7 ، فحكم الدين الإسلامي و المجتمع الإسلامي في مسألة العلاقات العاطفية و زواج المحارم "حرام"، و في قاموس اللغة العربية نجد معنى كلمة المدنس كالتالي :
مدنّس من فعل (دنّس) ثوبه : وسّخه ، و يقال دنّس عرضه و خلقه : فعل به ما يشينه 8.
فالكائنات و الأشياء الدنيوية كما عبر لالاند في موسوعته الفلسفية ( المدنّسة ) خاضعة لتلك المحرّمات و التي لا يجوز لها الاتصال بالأولى إلا بموجب عبادات وشعائر محدّدة 9.
ربما فكرة المقدّس و المدّنس لدى رواية " نزهة الخاطر " لا تزال مفتوحة على عدة أفق ، وحتى لا أطيل الكلام أنوه أخيرا أن هذه الرواية عزيزي القارئ تنفتح على عدة قراءات فكرية وفلسفية و أنا كقارئ للرواية وجدت فكرة المقدس و المدنس أقرب رؤية للواقع المعاش الذي قدمه أمين الزاوي كمثقف واع بإشكاليات الفكر المعاصر و التي ترتبط بالمجتمع .

مصادر و مراجع:
1ـ عبارة يستعملها الدكتور أمين الزاوي في عدة منابر و أعمدة ثقافية و هي تحث على القراءة.
2ـ انظر موسوعة لا لاند الفلسفية المجلد الثالث تــ: أحمد خليل أحمد عن دار عويدات للنشر و التوزيع بيروت ـ ط2 ـ سنة 2001ـ ص 1229 .
3 ـ المعجم الوسيط عن مجمّع اللغة العربية جمهورية مصر العربية ط 4 سنة 2004 ص 769
4ـ رواية " نزهة الخاطر " عن منشورات ضفاف بيروت و منشورات الاختلاف الجزائر / ط 1 / 2013 ـ الفصل الثاني ص 11.
5- كتاب " المقدس و المدنس" لميرسيا إلياد تـ : المحامي عبد الهادي عبّاس عن دار دمشق للنشر و التوزيع ، ط1سنة 1988 ، ص 102
6ـ نفس الرواية ص 43ـ44
7ـ كتاب " تاريخية الفكر العربي الإسلامي " تــ: هاشم صالح عن المركز الثقافي العربي ـ المغرب و مركز الإنماء القومي ـ بيروت ط 2 سنة 1996، ص 200.
8- عن نفس المعجم ( الوسيط ) ص 298.
9ـ موسوعة لالاند الفلسفية المجلد الثالث ص 1229

رفيق جلول
عين الترك ـ وهران
يوم 14/ 12/ 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??