الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناظرة بين معلم عراقي ومدرس سويسري

محمود هادي الجواري

2013 / 12 / 15
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


.. بقلم الكاتب والمحلل السياسي ..| محمود هادي الجواري ..
سقوط الطاغية وانتهاء جبروته ..اتاح الفرص للكثير من العراقيين للعودة الى حياض الوطن . فلم يكن ألاغتراب قاسيا لكونه ابعدهم عن الاهل والأحبة وحسب .. الشعور بالاغتراب له دوافع كثيرة ولا تنتهي عند حدود العاطفة في الاشتياق والحنين وفي احيان كثيرة يترض المغترب الى الاصابة بمرض ما يطلق عليه (الهوم سك ) اي مرض الحنين والاغتراب عن الوطن .. ولكن هناك امور اخرى هي التي تؤجج العوامل العاطفية وترفعها الى اعلى درجاتها وتسهم في خلق قاعدة غير مستقرة ومنها صعوبة تعلم اللغة و عدم حضور القابلية على الانصهار والتفاعل مع نظام اجتماعي لا يتشابه وما الفه في المجتمع الام ..ناهيك عن ظروف العمل التي هي ايضا تختلف ونظام العمل الذي اعتاد عليه ..اذن كل هذه الاسباب مجتمعة تصنع حافزا قويا لشد الرحال والعودة الى الوطن الام ..هنا لا يمكن لي التحدث بلغة المطلق وإنما النسبية هي التي تحدد الاختلافات ولربما تتباين وجهات النظر بين من استطاع خلق قاعدة الاستقرار وآخر كان قلقا ويشعر بالغربة ولربما كان يعيش ازمات نفسية لا تعالجها وسائل الراحة التي تتمتع بها تلك الشعوب التي حل ضيفا عليها ..اذن وجود المرء لا يفضي بالضرورة الى ان يغلق ابواب منزله على نفسه ولكن حتمية العيش ومن اجل البقاء تفرض هذه الحالة وفي احيان كثيرة الى البحث عن علاقة ولو محددة الاطر والبحث عن صديق او زميل في العمل ومن ذلك المجتمع .. العمل وكما هو متعارف في الدول الاوربية هو الصعب الجميل ..اي انه معنوي وليس بالضرورة ان يكون مصدر الرزق .. هناك الدولة كفيلة في توفير وسائل العيش سواء كان الفرد منخرطا في عمل او انه قد تعطل او انه لم يسبق له وعمل وفي اي مكان فالدولة ملزمة في رعاية اي انسان يتواجد على ارضها ناهيك من منال الحيوانات الاليفة حقوقها في الرعاية ايضا ..وما يهمني في هذا المقال هو ماذا تعلم انساننا المهاجر الى تلك البلدان وماذا نقل الينا من البرامج التي لربما نحن بحاجة الى تطبيقها املا في تطوير بلدنا ..هنا يجب الفصل بين اسباب الهجرة ودوافعها .وكما يعرف كل عراقي الظروف التي دفعت الملايين من العراقيين الى ترك وطنهم وأستطيع هنا من تقسيم المهاجرين الى فئتين .. فئة هاجرت ولأسباب اقتصادية والبحث عن تعويض لسد النقص و لأسباب انحسار سبل العيش وخاصة بعيد الحصار الذي فرض على العراق .. وفئة اخرى كانت سياسية الدوافع وقاومت النظام ومما اضطرها الى البحث عن الامان وفي دول انسانية وتقدر حالة الانسان المطالب بالتغيير "وهنا استثنى من لائحة الدول التي آوت الانسان دون مصلحة تبتغيها ألا وهي الدول العربية دون استثناء ..وا يهمني من وضع هذه الدراسة هي الفئة الثانية والتي خرجت بسبب سياسة دولة وقد عادت تاركة المهاجر وأيضا بسبب سياسة دولة .. من هنا تبرز لنا علاقة واضحة وجلية بين الانسان والسياسة وواقع الدولة ..في هذه العلاقة التي لا يمكن فصمها البعض عن الاخر ولا يمكن الغاء احداهما سواء كان الانسان في ظل دولة تمارس الدكتاتورية او تنهج بالمنهج الديمقراطي .. اذن سبب خروج الانسان على نظام جائر وتعسفي هو لم يكن لمجرد الاستئناس او التفاخر عما فعله وإنما ينتظر التغيير الحقيقي الذي يتوازى مع ما قدمه من التضحيات وأصعبها هو العيش بعيدا عن الوطن .. والسؤال هل ان السياسة الجديدة استطاعت من تغيير واقع الانسان في ظل سياسة الدولة الجديدة..في جلسة قصيرة مع مسئولة منظمة التعليم في اليونسكو وبعد سقوط الطاغية في العراق .. وبعد الانتهاء من وجبة الغداء انفردت بتلك السيدة التي تنحدر من اصول افريقية .. ودار حديث مؤلم للغاية وقد ابدت اسفها الشديد على ما شاهدت من تردي الاوضاع التربوية في العراق ..ومعلوم لكل عراقي كم هو حجم المساعدات التي قدمتها تلك المنظمة من المادية والعينية ولكنها كانت عرضة احتكارها من قبل بعض المسئولين وتم توزيعها على الاقربون والمعارف بداية الفساد الاداري .. كانت نواياها انسانية للغاية وبعيدة عن اي مكسب سياسي لكونها ستحصل على التقاعد ومغادرة المهمات عن قريب ..اطلعتني على جدول زمني لزيارات بعض الاساتذة المتمرسين والذين لديهم شهادة اشراف دولية على المدارس وكوادرها للوقوف على اسباب تردي مستوى التعليم في العراق وقد حددت موعد زيارة لأول فريق سيصل الى العراق ..وفعلا بعد ايام قلائل حضر الى فندق الرشيد وفد بسيط للغاية لكنه لم يكن على مستوى رفيع .. اتصلت بأحد اعضاء الفريق وهو سويسري الجنسية وقد عمل في مدارس اوربية متعددة .. كان الحديث معه وديا وغير رسمي ..في الاثناء وصل صديق لي مدرس لكنه كان يعمل في غير مسلكه وبأجور مؤقتة معي .. وبعد فتح ابواب الحديث بين الاستاذين ..ابدى الرجل امتعاضه عن الوضع التربوي وكأنه مدرس عراقي .. حيث قال لزميلي .. ان مهنة التعليم هي مهنة رسالية ومقدسة ولكن في العراق وللأسف الشديد اصبحت مهنة التدريس مصدرا للتكسب وجمع الاموال .. استغرب صديقي محاولا الدفاع لكن المشرف الاجنبي قال لدينا في منظمة اليونسكو ان هناك تقارير تقول ان مدرسكم يعمل سائق تاكسي .. ومدرس في الصباح وعطار في المساء .. وحتى علمت ان هناك من يمارس مهنة المقاولات بحيث اصبح مدير المدرسة مقاولا سيئا ويرتضى التدريس تحت سقف ينساب منه مياه المطر ولا يعترض لكونه كان مشرف قد تعاطى الرشا .. انفعل صاحبي وبشدة لأنه لا يمتلك من وسائل الدفاع ألا الغيض ..حاول صاحبي ان يشرح له اسباب جنوح المدرسين ولجوئهم الى الانسياق وراء البحث عن المال ..وبعد شرح طويل ولكن قال المدرس المشرف .. انني اعاني من قلة راتبي الذي لا يسد متطلبات المعيشة .. واطظر الى الاستدانة او الاقتراض من المصارف عندما اقرر السفر للاستجمام ..لكنني لا يمكن لي خيانة المهنة التي اخترت وخيانة بلدي في التكاسل او التمارض او ان اعمل وبشكل اسود خارج حدود النظام الضريبي " وقال وان اردت زيادة دخلي في تقديم الدرس الخاص يتحتم علي ان ابلغ الضريبة عما حصلت من زيادة في الاجر .. قال لزميلي ان هذه السفرة الى العراق علي ان ادفع نصف اجرها ..ولأنني اريد ان انال مرتبة وظيفية اعلى بعد تقديم تقريري عن العراق .. وليس من المؤكد ان انال ذلك التقييم .. سأل المشرف الاممي صديقي سؤالا حيث قال .. لأي سبب كان تم طردك من العمل فماذا ستفعل .. قال سأحد عملا آخر واترك مهنة التدريس .. ضحك المشرف الاممي ساخرا وقال لو حدث لي ذلك فأنني سأحصل على راتبي بالكامل وإنا مستغل وقتي لأذهب الى المكتبة لأبحث في مواضيع جديدة ستفرض اعادتي وبمرتبة اعلى وبأجراعلى ...اعود الى العلاقة بين الدولة والإنسان واسأل ما هو الاختلاف بين ثقافة المدرس العراقي الذي يدعي الوطنية والسويسري الذي عمل في اكثر من بلد وبروحية ضمير ينتمي الى الانسانية .. فهل ان الوطنية هي وازع لانتزاع الضمير الانساني ام انها ضرب من ضروب ألانتماء للقبلية الجاهلية ..وهل ان المرء وعلى فرض ان اغلب مدرسونا وأساتذتنا هاجروا من اجل الوطن واقف عند من يدعي انه خرج ولأسباب سياسية ولأجل التغيير ..الاسوء مما كنا لا نعتقده ان يحدث ان من كان معلما او استاذا في المهاجر غادر مهمته الرسالية الانسانية وأصبح تاجرا ومقاولا ..وإذا عاد الى سلك التدريس فسيكون اول المتسابقين الى اعطاء الدرس الخصوصي وبمقابل اجور خيالية ولربما الاغلى .. ولا اعمم ولكنني اقول إلا ما رحم ربي ..ما أدركته ان المدرس السويسري كان يرضع الوطنية في قنينةالحليب بينما نحن كنا نرددها في اناشيدنا وكما تفعل الطيور المقلدة لكلام تسمعه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة الأردنية تقر نظاما يحد من مدة الإجازات بدون راتب لمو


.. حرب غزة.. هل يجد ما ورد في خطاب بايدن طريقه إلى التطبيق العم




.. حملة ترامب تجمع 53 مليون دولار من التبرعات عقب قرار إدانته ف


.. علاء #مبارك يهاجم #محمد_صلاح بسبب #غزة #سوشال_سكاي




.. عبر الخريطة التفاعلية.. كيف وقع كمين جباليا؟