الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو عادل .. أم عادل .. عادل

علي فردان

2005 / 6 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


خلال انتفاضة محرم المباركة، انتفاضة 1400 هجرية في منطقة القطيف، كناّ وقتها أطفالاً، ولكنا نسمع عن الاعتقالات العشوائية للأطفال والنساء والرجال والشيوخ، اعتقالات من الطرقات، من الشوارع ومداهمات للبيوت. كنّا ننام بملابسنا حتى نكون جاهزين فالعديد من الأطفال تم اعتقالهم من غُرَف نومهم، حيث أن المباحث لا تسمح حتى للمقبوض عليه أن يلبس ملابسه فيأخذوه للسجن بملابسه الداخلية.
خفافيش الظلام هؤلاء كم كرهناهم، كرِهنا طريقتهم في الاعتقال مع أننا لم نعلم وقتها مصطلحات حقوق المواطن والمواطنة، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، حرية التعبير، المجتمع المدني، الديمقراطية والانتخابات الحرة، المساواة والعدالة والشفافية. كل ما كُنّا نبحث عنه هو بعض الحقوق البسيطة وتحسين مستوى المعيشة، لم يكن يوماً أن فكّر أحدُنا بأن لنا حقوقاً في خيراتِ أرضنا، فقط كان تفكير الناس في تحسين مستوى معيشتهم.
كان القمع الحكومي يتناسب مع أهمية نفطِ أرضنا، فاستشهد العشرات واعتُقِل المئات ولازال بعضهم في السجون إلى الآن. خفافيش الظلام لا يطرقون الأبواب، فقط يدفعُ الباب بعنوة ليتجهوا إلى الشاب أو الأب يتم سحبه سحب الشاة بشكلٍ مهين ليلقى بعد ذلك العذاب على أيدي وحوش بشرية لا تشعر تجاه ضحاياها سوى الكراهية والحقد العميقين، تهون فيها عذابات أبو غريب وجوانتانمو.
قبل ذلك، كانت فترة الستينات، وكان ذلك في زمن حكم فيصل. للذي لم يعرف تلك الحقبة عليه فقط التحدث لمن بقي حياً من الذين أُفرِج عنهم من أتباع الحركة الناصرية، أو ما كان يُطلق عليهم "الناصريين" لإيمانهم بجمال عبدالناصر. أحدهم يحكي قصص من حكايات "ألف ليلة وليلة" وكيف كان التعذيب والإعدام، إلى الآن لا يزال البعض مجهول المصير. أحدهم بكى وهو يسمع قصة الإصلاحيين، قال بأنه عاش تلك الفترة وكيف أن زملاءه تم رمي بعضهم من الطائرات.
لقد استرجعت تلك الحقبة عند قراءتي رسالة من أم "أبو عادل" لأم عادل، الأستاذة فوزية العيوني زوجة الأستاذ الأديب الشاعر علي الدميني. أم "أم عادل" تحكي قصة ولدها "أبو عادل" الذي قضى سبع سنوات في السجن أيام فترة حكم فيصل لحبه "لجمال" وكيف أن وجبات التعذيب قضاها خلف قضبان السجون. سبع سنوات عجاف، لا أدري كيف يتم حساب تلك الأحكام، كما تم حساب حكم السجن على الإصلاحيين هذه المرة.
يا أم عادل، لا تحزني، ولا تيأسي، فكما الليل يتبعه النهار، فإن ظلام السجن يتبعه ضوء الشمس وفجر الحرية. يا أم عادل، إن كُنّا لم نلتقِ وجهاً لوجه، فإننا نعيش آلامك وآلام كل المخلصين من أبناء هذا الوطن. أبو عادل وأخوته الأستاذ متروك الفالح والأستاذ عبدالله الحامد، لهم علينا حقوقاً وواجبات لن نُفرّط فيها؛ فنصرتهم هي نصرةً للوطن وللمواطن وللإنسان أولاً وأخيراً. حقّهم علينا أن نقف معهم، ومعكم، ولن نرضى وننكس الرؤوس كما فعل "المثقفون" الراكضون خلف فضلات الأمراء، الذين باعوا دينهم وكرامتهم من أجل متاعٍ زائل، أكثرهم لن يحصل عليه.
يا أم عادل، اسم عادل ذكّرني بجروح قديمة غائرة، رأيت أن أذكرها هنا فقط لترَي كيف أن الظلم الذي وقع بالأمس لا يختلف عن اليوم، ولتعرفي أن الزمن الذي طال الإصلاحيين طال قبلهم آخرين، العديد منهم كانوا أصغر سِناً وأكثر براءةً، بل بعضهم كانوا أطفالاً؛ مثل الطفل عادل. عادل الذي لم يبلغ الحُلُم تم سجنه عدة سنوات، هو وجميع من اسمه "عادل"، فقط لأن اسمه كان أسفل شعار كتبه أحدهم "يسقط فيصل – عادل" على لوحة المدرسة. تم القبض بعدها على كلُ من اسمه عادل، حتى هذا الطفل، الذي هو الآن رجلاً يتذكر تلك الأيام وكأنها بالأمس. حينها لم يكن يعلم ما تعني كلمة "عادل"، ولا يعرف ما معنى كلمة "يسقط فيصل"، لكنه البغي والجور والظلم الذي تجلّى في أبشعِ صوره.
يا أم عادل هذه رسالةً مني ومن آخرين لا تنسي أن تذكريها لأخوتنا أبطال المجتمع المدني، انقلي لهم هذا الرسالة، قولي بأننا معهم، وأنهم تاجٌ على رؤوسنا جميعاً، قولي بأن أخوةٌ لهم في سجنٍ أكبر لا يتكلم عنهم أحد ولا تذكرهم صحافة ولا مؤسسات حقوقية لأنهم غابوا واختفوا ولا يملكون قلماً ولا صوتاً، أكثرهم لا يعرف معنى كلمة حقوق الإنسان، يخشى من ظله ويتحدثُ همساً ويعمل ليل نهار خوفاً على ضياع لقمة عيشه. يا أم عادل، قولي لأخوتنا بأن دعاء الأمهات أواخر الليل لهم النصيب الأوفر فيه، دعواتهم تصل السماء ويهتز لها عرش الخالق من هول وضع المظلومين، دعواتهم لكم بالفرج وعلى الظالمين بالخزي. يا أم عادل، قولي لأخوتنا بأن الحمل الثقيل لا يقوم به إلاّ أهله، ونحن أهله وواثقين بأن الوقت قد حان لزوال الظلم والظالمين.
كلما فكّرت في كلمة "عادل" ينتابني شعور بأن الحكومة تكره هذا الاسم وهذه الكلمة، ولهذا فهي تكره كل شخص يحمل اسم "عادل" كراهيتها للعدل وأهله. إن النقيض يكره نقيضه وإن الشر يكره الخير، والظلم يكره العدل، وأبو عادل وأم عادل وعادل وكل من يحمل معاني العدل ستبقى شبهة حكومية وتاج يعطّرُ حامل هذا الاسم والمعنى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط