الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد الانتخابات العراقية المقبلة: -الشعب العراقي يُريد-

نزار عبدالله

2013 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يتفاقم صراع القوى السياسية الرئيسة، الطائفية والمذهبية والعرقية بامتياز، مع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات البرلمانية العراقية، وتتغير خارطة التحالفات السياسية فيما بينها، مع ثبات ركيزتها الطائفية والعرقية والمذهبية، ويتصاعد صراعها على السلطة والنفوذ والمال، وتتقاتل، كالضواري، على المكاسب والامتيازات، محولة المجتمع العراقي الى مجتمع بدائي بربري، وكأن كل شيء فيه غنيمة، ودم ولحم لطريدة، تشبع به نهمها للدم واللحم الطري، دون ان يشفيها غليل ضحاياه.
عقد كامل والعراق يحكمه طبقة سياسية جديدة، تفتقد لهوية سياسية محددة، صنف غريب من كائنات سياسية باجساد مشوهة، نصفها سياسي ونصفها الاخر تاجر او صناعي، نصفها سياسي والاخر ارهابي، نصفها يحيي ونصفها يميت، نصفها مدني والآخر عسكري، نصفها انسان وافندي والآخر اله ومعمم، نصفها علماني والاخر اسلامي، نصفها مدني والآخر عشائري وطائفي، نصفها قومي والآخر فئوي حزبي، نصفها يساري والاخر رأسمالي، نصفها صدامي(دكتاتوري) ونصفها الآخر فولتيري (ليبرالي) و...... الخ.. هذا المسخ المشوه خرج من رحمه دولة مشوهة، مبنية على المحاصصة السياسية، والخصخصة الاقتصادية بسمات فريدة متميزة، وافرز مجتمع يحكمه المسوخ والبرابرة، يصول ويجول فيه الارهابيين والقتلة والقاعدة، وتتقرر فيه غرائب وعجائب من القرارات والقوانين (آخرها قانون الاحوال الشخصية الجعفري، او قرار حظر استيراد الملابس "الخادشة للحياء" وغيرها)...
هذه الطبقة السياسية الفاسدة -الفريدة، نبتت وخرجت من تركة البعث الديكتاتوري، وطمس الهوية العراقية وتزايد حالة الانقسام الطائفي والعرقي المقيت، ومن تحت انقاض البنية التحتية الرأسمالية العراقية المنهارة بسبب الازمة والحروب المتعاقبة، وجراء تراجع المجتمع العراقي على اثر الحصار الاقتصادي الجائر، وحرب اهلية دموية طاحنة طوال عقود في اقليم كوردستان، واخيرا وليس آخرا تربعت على عرش السلطة بعد الاحتلال الامريكي البغيض..
مر عقد كامل والطبقة السياسية الحاكمة الجديدة-المتعفنة تسعى الى توسيع حدود سلطانها وامتيازاتها لابعد الحدود، على حساب الشعب العراقي وبمعونة الاحتلال الامريكي والباع الطولي للارهاب في البلد، وهي تبغي بذلك التحول الى طبقة مالكة حصرية، في غياب تام لقواعد وضوابط تحدد الملكية الخاصة وسقف الامتيازات السلطوية، مستفيدة بشكل حصري من الوفرة المالية، ونمو الرأسمال المالي، تهرول افرادها لحرق مراحل التطور- التبرجز، لتصبح بين ليلة وضحاها، مالكة ثرية، تتضارب بالعقارات وباسهم الشركات المحلية والعالمية، وللتربع على عرش الصناعة النفطية المزدهرة. وقد تحققت، بسبب اعادة بناء الصناعة الرأسمالية النفطية والوفرة المالية، بعضا من طوحاتها المالية، وتحولت، وبخاصة في المجال العقاري واعمال المقاولات والشركات، الى طبقة مالكة ثرية..
على الرغم مما تحمله هذه الطبقة من صفات تتشابه بها مع الطبقات السياسية والمالكة الاخرى، الا ان "طبقتنا" السياسية العراقية تعجز الكلمات عن وصفها لفرادتها، اقل ماتوصف به على انها طبقة سياسية هي الاكثر فسادا في العالم، حرفتها التعدي ونهب المال العام، والسلطوية باسوء ماتحمل الكلمة من معنى، والكسب غير المشروع باستخدام كل وسيلة ودون اية حدود وضوابط، تمارس ابشع انواع الخداع والتضليل، تضرب بعرض الحائط كل حديث عن القيم والكرامة والشرف والحياء (من هنا توقيعها على ماسميت بـ "ميثاق الشرف")، شيمتها الغدر والخيانة، وانتهاك الحرمة والمحرمات، وهي ان لم توقف عند حدودها فانها قد تفرغ المجتمع العراقي، كتفريغ الهواء من وعاء، من كل قيم النبالة والاصالة والانسانية.
ان ممارساتها في المجال السياسي، والانتخابي تحديدا، لاتنسجم مع اي من المباديء والنظريات السياسية المتعارف عليها، كما انها لاتنسجم والكثير من الاعراف والقيم السياسية والاخلاقية التي استقرت في العراق، في بلد الديانات والطوائف والمذاهب، بفضل تعايش مختلف الاديان والمعتقدات عبر قرون مضت (ولهذا السبب ربما تعالت صيحات بعض رجال الدين في التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات ضد مااسموه بـ"الخروج عن الدين ومعتقداته وقيمه").
ربما يقال بان تلك هي شيمة كل سياسي- رأسمالي، كل سياسي برجوازي مكيافيلي، حيث ان الاخلاق والسياسة طلقتا بعضهما مع بناء الدولة المعاصرة، غير انه لمن الجزاف حقا، في الحالة العراقية، نعت ممارساتها بالمكيافيلية، حيث ان مكيافيلى، كأب للنظرية السياسية الحديثة، قد قدم نصحه للامير، بكل فطنة ودهاء، بضرورة معرفة الحدود والمباديء والضوابط، ومراعاة توازن المصالح بينه وبين شعبه، او بين رعاياه، وعلى اساسه استشف انطونيو غرامشي، نظريته عن الهيمنة، وعن "الامير الحديث"، في حين لايعترفون "امرائنا" باية حدود، ولا يلتزمون بابسط المباديء، ويحكمون العباد بسوط الاستعباد، وينهبون "ما لـ الله وما للشعب"، ثم يتعالون على الشعب ويرهبونه لكي لا "يُريد"..
بالطبع لم يصنع الشعب العراقي هذا النوع من الالهة-الزعماء ولم يكن "يُريد" هذا النوع الرديء من السياسيين، هذه البضاعة السياسية الفاسدة التي لاتملك اية قيمة (القيمة بشقيها الاستعمالية والتبادلية حسب اصطلاح الاقتصاديين)، بل انها فرضت عليه فرضا، وهو مغلوب على امره. ولايستطيع الآن التخلص منهم باول محاولة، كونها في حالة ارتباط مع الانقسام الطبقي والطائفي والمذهبي السائد، وتعيد انتاج نفسها، كفيروسات عملاقة، في كل دورة انتخابية، وباشكال شتى، وكأنها دورتها الحياتية للنسخ والتكاثر، تتذرع فيها بالطائفية، والعرق والقومية وغيرها للتشبث بالعرش، وتستجدي بالارهاب وتلوح به بل وتشارك فيه بقوة بغية البقاء (ارهاب دولة او جماعات سياسية وطائفية وبكل اشكاله)..
رغم ماتم ذكره ليس قدر الشعب العراقي تحمل وزر" صخرة سيزيف" (رمز المظلومية والجهد العبثي، وسلب الارادة)، ويتحمل بتر عنقه بشكل يومي بمقصلة السياسيين الفاسدين، وتحويل جسده الى اشلاء متناثرة بتفجيرات الارهابيين المتنفذين له، وان يتحمل هدر ثرواته المادية والطبيعية على شكل رأسمال نقدي مهرب وسيولة نقدية وصور لقيود عقارية واسهم ورقية في شركات استثمارية و....الخ، فيما تتحول معاناة المجتمع اثر كل كارثة طبيعية واقعة (فيضانات العاصمة والجنوب) او كارثة محتملة (الزلزال الارضي الاخير في الشمال) الى كارثة انسانية بكل معنى الكلمة، وتلحق بشكل خاص بالفقراء والكادحين والمهمشين اضرارا مادية بليغة..
تدل المؤشرات السياسية والاجتماعية الراهنة بان اللعنة على الارض (وليس من السماء) قد حلت من قبل الشعب العراقي على آلهته السياسية، هاهي زعمائها تتلقى ضربة اثر ضربة (الغاء الرواتب التقاعدية وبعض الامتيازات المالية) تنفضح وتسقط بعض وجوهها ( خالد عطية في البواسير-غيت) ولكونها تدعي الالوهية فان المطالبة بحل لعنة الشعب والانسان عليها تتزايد باضطراد، حيث انها بعثت في الارض فسادا وفسادا حسب تعبير الميثولوجيا الدينية..
لقد دخل العراق في سيرورة انتقالية، وهي ليست ثورية بعد، وهو يدق ابواب حقبة "ارحل"، و "الشعب يريد" و"تحطيم الاصنام" و"اسقاط النظام"، وتعابير وشعارات اخرى تدل على مايجري في الاعماق، وتظهر في السطح، بين فينة واخرى، كموجات وتلاطمات ظرفية بغية التحرر والانعتاق.
ولكن مهام تلك الحقبة المطلوبة والصعبة في آن، ممكنة وجادة، وهي تحتاج الى الكثير من الظروف والمستلزمات، والعدة والعدد، اولها وليس آخرها قلب السياسة الراهنة من خلال وضعها على قدميها، وبدء عملية سياسية جديدة وممارسات سليمة لسياسيون جدد من طراز شعبي، نخبة سياسية جديدة لاتمارس النخبوية، من الساسة التحررين، ومن العمال والكادحين، والفقراء والمهمشين، تسعى الى الاصلاح الجذري، تتفهم ما"يُريد"ه الشعب العراقي، وتتمكن من اخراج الدم الفاسد من جسد الشعب الجريح الهامد، طبقة سياسية جديدة تعيد الامور الى نصابها، القيم الى اصحابها، تعيد للشعب كرامته وقيمه وارادته، تملك ارادة شابة وقوية وطنية، يسارية وجذرية، تسعى وتمارس دورا فعليا ومحركا في الاحتجاجات الشعبية والعمالية والشبابية والنسوية، تتعالى على الذاتوية، والمصلحية والسلطوية، نشطة وفاعلة تقيم فيما بينها شبكات نضالية اجتماعية و....الخ.. عليها ان تدرك بان بعض المعارك قد انجزت واستطاعت الحركة الاحتجاجية الشعبية من تحقيق مطالب مرحلية وظرفية هامة، الا ان ذلك لم يبلغ المستوى المطلوب لاحداث تغيير اساسي او جذري، وعليها اعداد العدة لذلك وتهيئة المستلزمات السياسية والاجتماعية المطلوبة له، وبكلمة عليها ان تدرك بان "الشعب العراقي يريد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ