الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفارس الصامت

على حسن السعدنى

2013 / 12 / 16
سيرة ذاتية


روح تقية طيبة، تُرشرش العلم والأمل والطهر على المحيطين بها، تؤمن أن الحق أحق أن يتبع، لا تخشى الوقوف أمام ظالم، وتتهافت على دروب الثورة مؤمنة أنها السبيل لخير البلاد، فاضت إلى بارئها في 16 ديسمبر 2011، برصاصة غادرة اخترقت جسد صاحبها النحيل ذو الوجه المبتسم، الشيخ عماد عفت، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أثناء أحداث مجلس الوزراء، لتتحقق أمنيته التي راودته لسنوات عديدة بأن يموت شهيدًا، تاركًا خلفه تلاميذ يذكرونه بكل خير، وعلم ينتفع به، وقاتل مجهول لم يُعثر عليه رغم مرور عامين على مقتل شيخ الثوار.
منعرفوش، كان واقف جتبنا، خد رصاصة في صدره ، جملة صرخ بها أحد المتواجدين بشارع القصر العيني، متحدثًا عن الشيخ عفت، بينما يحاول المسعفون انعاش قلبه المتوقف عن الحياة، في محاولة بائسة لإعادته لعالمنا.
هكذا اختار الشيخ الذي ولد بمحافظة الجيزة في أغسطس 1959، أن يكون مجهولا، لا يظهر في وسائل الإعلام، لا يتاجر بوطنية، يشارك في صمت خلال الأيام الأولى لثورة 25 يناير، يترك عقيقة ابنه إبراهيم في 28 يناير ليقف على خط المواجهة مع قوات الأمن، ورغم إصابته بالرصاص المطاطي ليلتها، داوم على نزول الميدان باقي أيام الثورة ثم كافة المليونيات والوقفات المطالبة بتحقيق أهداف الثورة، واصفًا تعلقه وعشقه لميدان التحرير قائلًا أشم رائحة الجنة في التحرير .
لم يكن الشيخ يطيق المكوث في منزله أو في محراب علمه بين تلامذته بالأزهر بينما يتعرض الثوار لمكروه ما، بعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وتولي المجلس العسكري حكم البلاد، فدائمًا ما يُرى في الصفوف الأولى، يقف كتفًا لكتف مع المتظاهرين، في مواجهة قوات الأمن أو البلطجية، يتصدى لبطشهم، يحث زملائه وتلاميذه على نزول المسيرات لاستكمال أهداف الثورة، ويجاهر رغم حساسية منصبه، برفضه لحكم وممارسات المجلس العسكري الشعب والمجلس مش أيد واحدة .
عُرف عن الشيخ عفت، الذي ألتحق بالأزهر الشريف في عام 1995، بعد 4 سنوات من حصوله على ليسانس اللغة العربية من جامعة عين شمس، أنه لا يمل ولا يكل من تلاميذه، يهتم بهم، يعاملهم برفق، يحسن إليهم، ويحثهم على المعرفة والتفكير السليم، ويدعمهم في تعلم النحو والصرف والفقه، ويشجعهم بالمكافأة المستمرة- قطع من الحلوى أو مبالغ مالية بسيطة- في حالة نجاحهم، ويفتح نقاشات مستمرة معهم في أمور الدين والدنيا، بسلاسة وأفق رحبة.
للشيخ مواقف حاسمة متسقة مع مبادئ لم يحنث بها قط، فقد أفتى بحرمة التصويت لفلول الحزب الوطني المنحل خلال الانتخابات، معتبرًا أنهم أفسدوا الحياه بداخل البلاد، واختلف مع معلمه الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية حينذاك، لعدم مساندته الثورة وانحيازه للميدان، وانتقد أفعال من يطلقون على أنفسهم إسلاميين لأنهم ينظرون إلى ملابس وتصرفات شباب ونساء الميدان، لكنه بخلافهم يرى قلوب مهمومة بقضايا الانسان، على حد قوله.
في 17 ديسمبر 2011، ومن الجامع الأزهر حيث كان يُلقي دروسه، صلى عليه آلاف المشيعون، من أسرته وأساتذته وتلاميذه ومحبيه، ورفقاء الميدان ممن عرفوه بعد الثورة، وشُيعت جنازته في موكب مهيب يليق بشيخ الثوار، تعانقت خلالها أصوات تلاوة آيات القرآن، بهتافات مناهضة لحكم المجلس العسكري، وآخري تطالب بالقصاص، خلقت حالة من الإيمان أن الثورة رغم كل شيء مستمرة، بخطى فارسها النبيل، سطرها فيما بعد الشاعر الشاب أحمد عبدالحي في قصيدته عن الشيخ واحنا يا شيخنا عيال، ماسكين في توبك ضي.. ما يهدناش الغاز، ولا الرصاص الحي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع