الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى 17 ديسمبر: سلامي إلى ثورتنا أو ما تبقى منها

يوسف بوقرة

2013 / 12 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عادة ما تمثل الثورات على الأقل في تاريخها الحديث منعرجات لتاريخ الشعوب ومناسبة لتأسيس نظم جديدة تقطع مع مثيلاتها التي كانت سائدة وتسعى إلى إحداث تغيير جذري شامل ولم تشذّ الثورة التونسية عن هذه القاعدة فقد كان الهدف منها إسقاط نظام فاسد نهب ثروات شعبه طيلة أكثر من نصف قرن وتغلغل في كافة مفاصل الدولة. غير أن المسار الثوري في تونس شهد انتكاسات عدّة وانحرفت الثورة عن مسارها منذ البداية وقد تجلى هذا الانحراف في سعي عديد الأطياف السياسية وعلى رأسها النظام السابق إلى التركيز على تاريخ 14 جانفي بدل 17ديسمبر. وهو تركيز أتى أكله للأسف الشديد بدءا من إطلاق تسمية 14جانفي على عدة شوارع رئيسية وساحات عامّة في المدن الكبرى وصولا إلى دسترة التاريخ الثاني رغم إشارة النص الدستوري إلى تاريخي 17ديسمبر و14 جانفي وكان الغرض من ذلك احتفاظ رأس النظام السابق بموقعه في الذاكرة التونسية رغم إدراك الكل أن الأحداث التي شهدتها مختلف مدن البلاد ما بين 17 ديسمبر2010 و13جانفي2011 لا يمكن أن تقارن بأي حال من الأحوال بما حصل يوم 14 جانفي تاريخ مغادرة بن علي للبلاد وهو الحدث الأبرز في ذلك اليوم، أرادوه كذلك وكان لهم ما أرادوا.
لم يكتب للحراك الثوري أن يتواصل خلال الأيام التي تلت مغادرة بن علي للبلاد وبدأت القوى المعادية للثورة مدعومة بآلة إعلامية هائلة في تطبيق مخططاتها من ذلك أحداث السجون و«فرار» آلاف المساجين ومسيرات رجال الأمن التي نجح منظموها بامتياز في كبح جماح الحراك الثوري على حدود اعتصامي القصبة 1 والقصبة2 الذي بلغ فيه المدّ الثوري أوْجَهُ بتلاحم جلّ القوى الثوريّة، تلاحم لم تبق منه سوى ذكرى جميلة لن تعود على الأقل على المدى القريب.
لقد كان السادس والعشرون من فيفري2011 تاريخ فضّ اعتصام القصبة2 الحدث الأهم في مسار الثورة المضادّة عندما انتقلت المبادرة من الجماهير إلى النخب السياسيّة، نخب لم يكن أغلبها مستعدّا في تلك اللحظة التاريخيّة ما عدا رموز النظام السابق الذين خبروا دواليب تسيير شؤون الدولة لعدّة عقود وتمتّعوا بدعم خارجيّ أمريكيّ بالخصوص فكانت حكومة السبسي «منقذ البلاد والعباد» إلى يوم الناس هذا وما أثارته من نعرات جهويّة بتسمية ولاّة يعلم أعضاؤها علم اليقين أنهم مرفوضون وتركزت أغلب التسميات في الولايات التي شهدت أشرس المواجهات إبّان الثورة وهو استهداف مفضوح للمناطق الداخليّة بغرض التشكيك والتشويه وهوما نجحت فيه نسبيّا مع أسف أشدّ منه من تغيير تاريخ الثورة.
ثم كان القرار السياسي الأبرز إثر القصبة2 وهو سنّ قانون الأحزاب بالتزامن مع قرار حلّ التجمّع الذي كان قرارا سياسيا بامتياز، قرار تمّ دون محاسبة لأيّ من رموزه محليا أوجهويا أووطنيا، وتم إغراق بلد الأحد عشر مليون نسمة في أكثر من مائة حزب آنذاك، أحزاب جلّها دون مرجعيّات فكرية أوسياسية بل جعلت من القيم الكونية كالعدل والمساواة والحرية مجرد شعارات لا غير. وجد أعضاء التجمع المنحلّ في تلك الأحزاب فرصة للعودة إلى العمل السياسي وإعادة التموقع وأصبحوا يتحدثون عن «حق العودة».
كان لابد للقوى المعادية للثورة من إطار تشريعيّ للعمل فكان لهم ذلك في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال السياسي والإصلاح الديمقراطي، هيئة سارعت إليها كل التيارات السياسيّة لكنها لم تحقق أيا من أهداف الثورة ولا هيأت لانتقال ديمقراطيّ ولا أصلحت ما أفسده النظام السابق بل جادت علينا بقانون انتخابيّ أفرز مجلسا تأسيسيا تغنينا مداولاته المنقولة على الهواء في القنوات التلفزية عن أيّ تعليق.
في الأزمان الغابرة وفي مشارق الأرض ومغاربها كانت الثورات تتبع بنصب المشانق ومحاسبة كل من ظلم أوسلب أوتعامل مع النظم السابقة أم في هذا الزمن التعيس فإن كل أولئك أصبحوا يجاهرون برفع شعار «عائدون»! وإنهم لعمري كذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟