الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا اختار المخرج والممثل المغربي شفيق السحيمي المنفى الاضطراري؟

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2013 / 12 / 17
الادب والفن


في ليلة باردة من ليالي ديسمبر الحالي، جلس الممثل والمخرج الكبير أمام كاميرا اليوتيوب، تاركا جانبا كل دروس المهنة والتجربة الطويلة وضوابط فن الإخراج، ومثل لاعب الروليت الروسية ضغط على زر الكلمات لتخرج من فمه رصاصة مدوية تردد صداها عبر أرجاء المواقع الاجتماعية، أعلن الفنان بحزن وألم واضحين انسحابه من لعبة مغشوشة ورفضه الاستمرار في شروط غير مقبولة. إثرها انهالت الرسائل والمكالمات الهاتفية الموزعة بين التساؤل والاستغراب والرفض الجماعي من شعب القارة الزرقاء وفي مقدمتهم مواطنو الفيس بوك المجيد.
***
قال الممثل والمخرج الكبير:
«إن بلدا يعلن تقنين مدونة رقمية تشرع الرقابة وتقمع حرية التعبير وتخنق أنفاس الإبداع، وتحرم الحق في الاختلاف، مدونة رقمية مكارثية في القرن الواحد والعشرين منمقة بحبر جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازي في ثلاثينيات القرن الغابر، بلد لا مجال للاستمرار للعيش تحت سمائه لو توفرت أمامنا إمكانية مغادرته. وفي الحكمة المقدسة جاءت المقولة الخالدة «قل كلمتك وامش». ورحم الله من أطلق أول مرة الصيحة الخالدة التي سارت مثلا «إن أرض الله واسعة». ولذلك أقرر الرحيل والمغادرة مع الشكر البالغ لكل من ساندني وآمن بتجربتي الإبداعية».
***
منذ أن وعى الأشياء والعالم من حواليه وجد شفيق السحيمي نفسه سائحا في أرض الله العامرة، ووصل به الترحال إلى حدود الأرض المحتلة فلسطين السليبة ضمن فدائيي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إثر «أيلول الأسود» سنة ١-;-٩-;-٧-;-٠-;-، قبل أن يعود للفضاءات الجامعية طالبا بباريس الثامنة التي ناقش فيها أطروحة الدكتوراة في المسرح سنة ١-;-٩-;-٨-;-٩-;-.
***
عاد الممثل حاملا قبعة الأستاذ لينقل ما تعلمه للأجيال الشابة المتطلعة، حيث عرفت قامته المديدة مدرجات كلية آداب الرباط وقاعات المعهد الوطني للتنشيط المسرحي، ورغم قصر المدة فإن طلبته لم ينسوا بسمته المشجعة وحضوره الطاغي بكل حميمية أثناء الدرس وبعده. لكن شيئا ما حدث في الطريق جعل شفيق السحيمي يتراجع ويعود إلى فرنسا «ملتفتا وراءه بغضب» كبطل الكاتب البريطاني جون أوزبورن في مسرحيته الشهيرة التي تحمل نفس العنوان.
***
مع إطلالة العهد الجديد سيعود السحيمي إلى مسقط الرأس الدار البيضاء، محملا بالآمال الواعدة التي أطلت في الأفق، والتي كان من عناوينها البارزة إعلان حالة الانفراج السياسي، والرغبة السامية والجماعية في طي صفحة الماضي الأليم، ووضع حد لما عرف بسنوات الرصاص سياسيا وثقافيا واجتماعيا، وتأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة …
أسس شفيق السحيمي فرقة مسرحية محترفة سماها «لاماليف»، تحية للمجلة التقدمية التي كانت تنشرها الصحفية المناضلة زكية داوود وصادرها الوزير المستبد إدريس البصري. وأعد مسرحية أولى بعنوان «عوم بحرك»، تم عرضها ببعض المدن كالرباط والدار البيضاء وتم منعها في مدينة القنيطرة. ولم ينج من العراقيل والمتاعب الإضافية من وزارة الثقافة.
ولما تبين لشفيق السحيمي أن بحر المسرح في المغرب لا يصلح لفن العوم أوالسباحة، اتجه صوب التلفزيون كقارب إنقاذ، وسيخرج للقناة الأولى مسلسل «العين والمطفية»، وللقناة الثانية دوزيم مسلسل «وجع التراب»، وما بينهما المسرحيات المتلفزة: «الوجه والقفا» و«الشرادي» و«المنزه» ومسلسل «صيف بلعمان» و«تريكة البطاش».
في كل محطة من هذه المحطات الفنية عاش السحيمي معاناة إضافية لمعاناة الإبداع، وواجه بيروقراطية المتسلطين على مؤسسة التلفزيون والآخرين من المتطفلين على شركات الإنتاج.
وبعدما عرف فترات بطالة مفروضة وتهميش قاس، عاد ليستجمع أنفاسه ويكتب سيناريو مسلسل جديد مقتبس عن الرواية العالمية «البؤساء» للكاتب الفرنسي الشهير فكتور هوغو بعنوان «شوك السدرة» من ستين حلقة. لكنه سيفاجأ بأبواب التلفزيون بقناتيه الرسميتين مسدودة في وجه. ولما أعلن العصيان وقرر القيام بمسيرة صوب العاصمة مشيا على الأقدام صادف قراره إقدام بائع متجول إشعال النار في جسمه بإحدى مدن الهامش في شرق المغرب العربي، وبالتحديد في مدينة سيدي بوزيد بالشقيقة تونس، لتعم المنطقة العربية الانتفاضات الشعبية التي لم يستثن منها المغرب، فوجئ الفنان المتمرد بمن يطرق باب بيته في ساعة متأخرة من الليل ليبلغه قرار قبول القناة الأولى إنتاج عمله، مطالبا منه إلغاء مسيرته الاحتجاجية.
هنا عرض سماسرة التلفزيون، المتقصين لأخبار الأعمال الدرامية المعدة للإنجاز، شركة حديثة التأسيس لإنتاج مسلسله. فوافق السحيمي تشجيعا للمغامرين الذين يستثمرون أموالهم في هذا الميدان.
منذ البدء لاحظ شفيق السحيمي انعدام الخبرة لدى مسؤولي الشركة المكلفة بتنفيذ الإنتاج وميلهم إلى التقشف في غير محله. وتتابعت العراقيل المادية التي لا تكاد تختفي حتى تظهر من جديد مثل ثعلب محمد زفزاف في روايته الشهيرة.
وتوقف تصوير العمل أول مرة لمدة تزيد عن شهرين، وتوقف من جديد مرة ثانية ثم ثالثة، ليصل عدد مرات التوقيف غير المبرر سبع مرات استنزفت سنتين وأربعة أشهر، بدل سبعة أشهر المقررة. هنا طفح الكيل وبلغ السيل الزبى كما يقول التعبيرالعربي الفصيح، ليجد الفنان شفيق السحيمي نفسه مرغما على وضع شارة النهاية لهذا المسلسل التراجيدي الموازي لمسلسل «شوك السدرة»، رافعا كفه اليمنى بأصابعه الخمسة قائلا: «كفى .. باسطا .. سطوب .. سالينا وسدينا … ».
قرار اتخذه السحيمي بعد ما آلت كل محاولاته إلى الفشل لإيجاد حل لاستكمال العمل. تهرب المسؤول عن شركة الإنتاج من مواجهة الحقائق، ورد الساهرون على تبديد المال العام بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون على المخرج والممثل المتضرر بكونهم غير مسؤولين عن علاقته بمتاعبه مع شركة الإنتاج بالقول: «أنت من اخترت هذه الجهة لإنتاج مسلسلك ….». وكان رد شفيق السحيمي الصريح: «لكني لم أختر تبديد المال العام أوالتواطؤ مع المستهترين بالقانون وبالرأي العام وبالقيم …».
قبل هذا سخروا الأوراق الصفراء الماجنة والمواقع الإلكترونية البذيئة لشن حملات مغرضة ضد صاحب «تريكة البطاش» بلغت حدود الشتيمة والقذف، وأشاعوا عنه أنه سيغادر المغرب ليعود إلى فرنسا، وردا على الشائعات اختار الفنان جريدة بيضاوية تحمل اسم «الوطن» ليتحداهم مستعيرا بيتا من قصيدة الشاعر الفلسطيني «هنا باقون …» وساخرا بالتعبير العامي: «بت .. انبت …».
لكن ما الذي حصل حتى يتخلى عن عزمه بالبقاء والصمود ليعلن استسلامه للضغوط النفسية والمادية؟
لقد جاء مشروع المدونة الرقمية ليكون النقطة التي أفاضت الكأس، ليتخذ شفيق السحيمي قراره بمغادرة البلاد مع تشبثه بالتواجد على أرض وفضاء الإبداع التي لا حدود لجغرافيتها المطلقة.
إذن هو ليس استسلاما ولا فرارا، يقول السحيمي: « لست لصا للمال العام ولا تاجر ممنوعات، إن قراري فضح للمتسلطين على الإبداع وعلى الشعب من حماة الفساد والمفسدين..».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان