الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان لنا حلم.. وضاع

امال قرامي

2013 / 12 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تتالت التصريحات والتعليقات بشأن تعيين رئيس الحكومة الجديد «مهدى جمعة»، وأغلبها معبّر عن استياء من هذا الاختيار. فالرجل حسب المعارضة، قريب من حزب النهضة، وهو أيضا يتحمّل جزءا من مسئولية ما آل إليه الوضع من تدهور فى الفترة الأخيرة باعتبار أنّه يشغل حاليّا خطّة وزير الصناعة فى حكومة «العريض»، هذا فضلا عن علاقة المصاهرة التى تجمعه بوزير الفلاحة «على بن سالم» من حزب النهضة.

لم يستطع «مهدى جمعة»، أن يحظى برضا مختلف الأحزاب المشاركة فى الحوار الوطنى إذ قاطع حزب النداء، وحزب العمّال، وحزب الوطد الموّحد، والحزب الجمهوري، وحزب المسار الديمقراطي، والحزب الشعبى التقدمي، والتيار الشعبي، والجبهة الوطنية التونسية التصويت، ومعنى ذلك أنّ الوفاق المزعوم لم يتحقّق. ولم يشفع عامل السنّ لـ«مهدى جمعة» (من مواليد 1962) إذ لم تتعهّد كلّ الأحزاب بمساندته فى هذه المرحلة العصيبة التى تمرّ بها البلاد. وحدها الترويكا ومن لفّ لفها ستتكفّل بالوقوف إلى جانب رئيس الحكومة الجديد فى «محنته». فلا غرابة أن ينعت بعضهم الحكومة المرتقبة بـ«الترويكا 3»، أى فى نسختها الثالثة.

ولا يذهبن فى الاعتقاد أنّ حزب النهضة وتوابعه هم وحدهم المَلُومون إذ وُجهت أصابع الاتّهام إلى الرباعى المشرف عن الحوار، وعلى رأسه اتحاد الشغل الذى بدا فى نظر شرائح عديدة من المجتمع، عاجزا عن إعادة ترتيب موازين القوى لصالح المعارضة، وهو ما أفقده الشعبيّة التى كان يتمتّع بها. ولم تسلم أحزاب المعارضة هى الأخرى من الانتقادات إذ اعتبرت فاشلة ومفتقرة إلى رؤية واضحة، وإصرار على ممارسة الضغط فضلا عن عدم قدرتها على خلق جبهة موحّدة تتعالى على الاعتبارات الخاصّة بكلّ حزب. فالأسبوع الأخير أبان عن انشقاق داخل مختلف أحزاب المعارضة فما عاد بالإمكان حجب واقع التفكّك، وتضارب المصالح.

أمام هذه الحالة من الاستياء الشعبيّ لم يعد بالإمكان الاتّكاء على الأحزاب السياسيّة التى أثبتت عدم نضجها، واهتمامها بمصالحها الخاصّة على حساب المصلحة الوطنيّة، وتمركزها على ذواتها المرضيّة، وشوقها الدفين إلى تصفية الحسابات الأيديولوجية الضاربة فى عمق تاريخ السبعينيات. لم يبق إذن سوى التعويل على قوّة المجتمع المدنيّ الذى يُتوقّع أن ينهض بدور جديد يتجاوز الضغط إلى مواجهة سياسة الدولة التى لا تخدم مشروع بناء الدولة المدنية المنشودة بأساليب جديدة تتجاوز القاموس السياسى والمعجم القانونى لتنهل من معين الفعل الثقافى.

وليس يخفى أنّ حزب النهضة هو المستفيد من كلّ هذا الصدع الذى لحق بخصومه إذ إنه بقى فى السلطة، وإن قبل بتغيير قواعد اللعبة و«جدّد» ترسانة الشخصيات المعتمد عليها، بتطعيمها بشخصيّة لا تنتمى إلى جيل الشيوخ المغضوب عليه. فالشباب، على اختلاف مشاربهم رفعوا أصواتهم عاليا فى الأسابيع الأخيرة بعد طرح أسماء كالمستيري، والفيلالي، وغيرهما ممن ساهموا فى بناء الدولة الحديثة، ساخطين حينا ساخرين أحيانا أخرى، موظّفين الملحة، والفوتوشوب، وغيرهمـا من الوسائل للتعبير عن خيبة أملهم فى ثورة أنجزوها وعند البناء تنكّرت لهم الطبقة السياسيّة واستمرّت فى انتهاج سياسة التهميش، والعمى.

ومهما يكن الأمر فإنّ تجربة الحوار الوطنيّ لم تكن على قدر انتظارات التونسيين الراغبين فى معاينة نضج سياسي، وحسّ وطنيّ، وقدرة على إدارة الاختلافات، وقبول بالتفاوض، وتقديم حسن النوايا على سياسة التشكيك فى خلفيات هذا الحزب أو ذاك. لم يُفض الحوار المزعوم إلى توعية الطبقة السياسيّة بمسئوليتها، ولم يحفّزها على تغيير وسائل العمل السياسيّ، ولا الخطاب السياسيّ وبقى الحال على ما كان عليه، أى اتخاذ المرحلة الحالية مطيّة لخدمة أهداف الانتخابات المقبلة.

وبقطع النظر عن الأحزاب الداعمة لهذا المرشّح لقيادة ما تبقّى من المسار الانتقاليّ فإنّ للجهات الأجنبيّة دورها فى الضغط، وفى تحويل وجهة المفاوضات إذ لا يخفى أهميّة الجزائر «العرّاب الجديد»، والتنافس بين فرنسا وألمانيا وموقف الرقيب الذى اختارته الولايات المتحدة الأمريكية معتبرة من التجربة المصرية مؤخرا.

وبعيدا عن هذا الاحتراز والاتهامات وبنية الشكّ فى قدرة رئيس الحكومة على العبور بتونس إلى منطقة الأمان فإنّ المسئوليات الملقاة على عاتقه جسيمة. فهل سينجح فى مراجعة التعيينات التى تمت على أساس الولاء، وتحييد الوزارات، ومراقبة المال المتدفّق على البلاد، ومعالجة الملفّ الأمنيّ، ووضع خطّة لمواجهة الإرهاب، وتحييد المساجد...؟

تبقى الإشارة إلى التطوّر الحاصل على مستوى الخطاب السياسيّ إذ لم نعد نتحدّث عن «تحوّل ديمقراطيّ» بل عن «مسار انتقاليّ»، واستبدل «التوافق» بـ«توافق منقوص»، وحلّ «التمرير والإرضاء» محلّ «الحوار»...

هى الآمال تتبخّر لتفسح المجال لنظرة أكثر واقعيّة وتواضع وتشاؤم بعد أن جثم الماضى على الحاضر، ومن بعد أن كنّا نهتف: «لنا حلم وسنجسّده» صرنا نُردّد: «قد كان لنا حلم.. وضاع».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر