الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوردة والعصفور

محمد زهير الخطيب

2013 / 12 / 17
الادب والفن


في مملكة بعيدة قاسية الطبيعة، قليلة الورود والازهار عاش شادي مع والدته النشيطة في أطراف المدينة الصغيرة يرعون بضع غنمات يشربون حليبها ويغزلون صوفها ويزرعون حقلتهم الصغيرة بما تيسر من الخضروات...
كان قصر الملك غير بعيد عن بيتهم ولكنه كان محاطاً بالحرس... ولم يخطر ببال شادي أن يقترب منه خشية أن يناله أذى من اولئك الحراس الشداد ذوي الشوارب الكثة والسواعد المفتولة...
وفي يوم مر قرب بيته موكب مهيب فركض مسرعاً ليتفرج فوجد فيه صبيةً آيةً في الجمال، إنها الاميرةُ ساكنةُ القصر، كانت تلبس ثياباً ملونة مزركشة وتبدو في صورة جميلة لم يرَ شادي مثلها في فتاة من قبل، سُحر الغلام ووقف مشدوها بالمنظر المهيب ولم ينتبه إلى رجليه وهما تتحركان خلف الموكب إلى أن اختفى خلف بوابة القصر. ولم يلبث شادي أن لاحظ نظرات الحرس العابسة فانتبه إلى نفس وتحرك بعيداً وقد ملكت الفتاة عليه قلبه وشغلت فكره. وقضى ليلته يتقلب يعد النجوم ويرى صورة الاميرة تارة في القمر وتارة في الغيوم الرقيقة التي زينت السماء والتي عزفت مع القمر ألحاناً عذبة سمعها شادي بخيالاته وضبط إيقاعاتها بنبضات قلبه الرقيق الذي لا عهد به بما يفعلُ الهوى...
في اليوم التالي ذهب شادي منذ الصباح إلى قرب بوابة القصر يتصنع المرور العارض والتوقف البرئ بين فينة وفينة إلى أن لمح الاميرة تتجول في حديقة القصر، فشخصت عيناه إليها وازدادت ضربات قلبه ولم يكفّ حتى لمح نظرة عابسة من أحد الحرس فتحرك بعيداً قبل أن تتحول العبسة إلى صرخة. وبدون أن ينتبه شادي إلى نفسه أصبح يحجّ إلى قصر الاميرة كل يوم يخترع أعذاراً وأسباباً توفرُ له خلسات سعيدة إلى الاميرة الجميلة.
مع الايام لاحظت الاميرة الجميلة هذا الفتى وعجبت من أمره، وطلبت من الحرس أن يحضروه لها، فلما أن جاءه الحارس أوجس في نفسه خيفة شادي وهم بالفرار لولا أن جاءه الطلب واضحاً من الحارس أن اتبعني ياغلام!!! لم يدر شادي أشرٌ أريد به أم أراد الحارس به خيراً؟ غير أن لم يجدْ بداً من التنفيذ وإلا حل به الويل والثبور وعظائم الامور. ما اسمك يا فتى؟ سألته الاميرة، قال لها: شادي، قالت له: إسم جميل، وما خطبك إذ أراك في حمى القصر كل يوم؟ تلعثم لسانه وخانه خاطره في استحضار كذبةٍ سريعة، فقال بعفوية: أحب أن اتفرج على حديقة القصر فهي جميلة جيداً... كل ما فيها جميل... فأرات أن تعبث به فقالت وأنا فيها فهل تراني جميلة؟ فسرّه هذا التشجيع منها فقال: بل أنت أجمل ما فيها...
كانت حياة الاميرة فارغة بين جدران القصر ورأت البساطة والبراءة في شادي فطلبت منه أن يحضر إليها بين حين وآخر، تزجي معه بعض الوقت وتتسلى بنظراته الولهى التي لا تخفى...
ومع الوقت ظن شادي إزجاء الاميرة لبعض وقتها معه حباً، بل لعله غراماً!!! ولم ينتبه أنها كان تعبث به وتتسلى. فتجرأ يوماً وقال لها أنه يحبها ويريد قربها، فضحكت بصوت عالٍ من سذاجته وأرادت أن تعبث به، فقالت له أوافق على ذلك لو أتيتني بوردة حمراء!!! فاغتمّ شادي فقد كانوا في فصل الشتاء ولا أثر للورود في الحدائق في ذلك الوقت. قال لها آتيك بوردة حمراء في الربيع، قالت عابثة به بل الآن أو لا.
خرج شادي من القصر يجر رجليه لا يكاد يرى طريقه من الهم والغم، فسار حت تعب وجلس إلى شجرة جرداء يرتاح قليلا ويندب حظه العاثر، فجاءه أرنب يقفز قريباً منه حتى أصبح أمامه فحياه وسأله عن سبب وجومه وسحابة الحزن التي ترتسم على محياه، فأخبره الخبر وشكى إليه حظه العاثر، قال الارنب إني رأيت وردة بيضاء وحيدة في حديقة قريبة، ولكنك تطلب وردة حمراء فلا فائدة منها، وكم تمنيت أن أستطيع مساعدتك، وأنصحك بأن تنسى الاميرة فلن تستطيع تلبية طلبها، وبينما هم في نجواهم إقترب منهم عصفور جميل وحياهم، وسألهم عن سبب حزنهم، فحكى له شادي قصته وأن الارنب وجد وردة بيضاء وطلَبُ الاميرة وردةٌ حمراء. أحس العصفور بالالم لحال شادي وتمنى أن يستطيع مساعدته، ووعده أن يطير بعيداً في كل صوب ليبحث له عن وردة حمراء. وهم العصفور بالطيران، لكنه توقف قليلا وقال لشادي: قلت لي أن هناك وردة بيضاء؟ أجاب الارنب نعم رأيت وردة بيضاء وحيدة في حديقة قريبة، فقال العصفور إذن كل ما في الامر أن علينا أن نفكر بطريقة تجعل الوردة البيضاء حمراء، قال شادي ما إلى ذلك من سبيل، قال العصفور بل هناك طريقة يمكن أن نجعل الوردة البيضاء فيها حمراء، فتعجب شادي والارنب وقالا وكيف؟ قال نسكب على الوردة البيضاء بعض الدم الاحمر فتنقلب حمراء. فكر شادي قليلاً وقال ومن أين نأتي بالدم؟ قال العصفور أنا آتيك بالدم، دلني على الوردة، وسأجعل شوكة منها تنغرس في جسمي فيسيل دمي فيخضبها فتصبح حمراء.! قال شادي: لا لا إني لا أقبل بأن أدعك تتألم لتسعدني، وأعرض بوجهه حزناً، فرفرف العصفور أمامه وقال: بل يجب أن نفعل ذلك، بل يجب أن نفعل ذلك، وأمام إصرار العصفور مشى الثلاثة إلى الوردة البيضاء وطرح العصفور نفسه على شوكة فيها فانهمر دمه غزيراً فإذا الوردة البيضاء الناصعة تصبح حمراء قانية...
شكر شادي صديقه العصفور وحمل الوردة الحمراء وأطلق ساقيه للريح سعيداً بوردته الحمراء التي ستكون عربون الحب الذي سيجمعه بالاميرة الساحرة...
دخل شادي القصر وأقبل على الاميرة متهلل الوجه وقال: هاكِ الوردة الحمراء كما طلبتِ. نظرت الاميرة إلى الوردة نظرة ساخرة وضحكت ضحكة استخفاف بشادي وقالت، أيها المسكين، هل صدّقت أنني يمكن أن أحبك؟ هل صدقت أني بحاجة إلى وردة حمراء منكَ؟ إن قصري مليء في الداخل بكل أنواع الورود ومن كل الالوان وفي كل الاوقات، لقد كنت أمازحك، ولكن كيف تجرأت أن تحسب أنني يمكن أن أحب فتى مثلك؟ لم يحتج شادي لكلمات أكثر من هذه ليجر أذيال الخيبة ويخرج من القصر مكسور الخاطر حزين القلب لا يدري ما يقول ولا إلى أين يذهب، فسار هائماً على وجهه حتى وصل إلى بيته ووجد والدته تناديه وتقول له أين كنت؟ لماذا تأخرت؟ لقد أعددت لك الطعام منذ مدة وقارب أن يبرد!!!
أحست أمه بسحابة الحزن على محياه، فحكى لها قصته فضمته إلى صدرها وقالت له: الحب يا بني طائر جميل لا يطير إلا بجناحين... يوماً ما ستجد جناحك الثاني الذي يطير بك عالياً في السماء فلا تحزن...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا