الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءات في كتاب -إبنة الغيم- لمؤلفه رمزي الغزوي

أمين شمس الدين

2013 / 12 / 17
الادب والفن


قراءات في "ابنة الغيم"
(نصوص في المكان والإنسان العجلوني)
للكاتب والصحفي رمزي الغزوي
بقلم
د. أمين شمس الدين الشيشاني*
الموقع: قاعة نشاطات المدرسة المعمدانية/ عجلون بالتعاون مع صالون وادي الطواحين/ ندوة ثقافية بعنوان "ابنة الغيم".
التاريخ: 17/10/2013.
يا أمَّنا عجلون.. أرسِمينا شجراً من وهج وبيلسان.. وأكْتِبينا حُلْماً لِنُوى الزيتون، وجِذوةً للعنب، لنكبر أغنية للغيمات، ومطراً للطرقات البكر!
عَرّفنا الكاتب رمزي الغزوي، وهو صاحب 12 مولفا إبداعيا في أجناس أدبية متعددة، عرّفنا بقامات كبيرة، قامات عجلون السبع: من القنديل، ، والجبل، والغابة الخضراء، والقلعة العظيمة، وأمِّنا الأولى الزيتونة، وشجرة الكينا، والمسجد التاريخي القديم. أضيف إليها قامة ثامنة، وهي طواحين عجلون مع أبراجها وآبارها ودواليبها، رمز الخبز والماء والزيت في عجلون في (حنين القمح).. وغيرها الكثير. بدكوا الصراحة، عجلون كلها قامات، هي قامة هذا الوطن. (ارفعوا رؤوسكم فأنتم في عجلون).. هكذا يقول كاتبنا، وأنا أشهد على ذلك.
ثم حكاية أبي سليم في (حبلُ الشُّبابة) مع غنمه السوداء وشُبّابته التي عملت كما تعمل اليوم أجهزة التحكم عن بعد، يوجه أغنامه بها كيفما شاء بألحانها وترانيمها الشذية حتى على الشجر والغنم. وهو يقول (الكاتب): هذه الغنم بها عَفرَتة وشيطنة، فدأبُها النطنطة والقفز فوق السناسل، تتعب راعيها وتشقيه.. فما كان عليه إلا أن يعتلي صخرة شاهقة ويُطرز ألحانه؛ فتأتيه الغنم.. فكل طلب في نفسه يُترجمه أمراً بالشُّبابة.
ثم حكايته عن (خُمرة العروس) يعيش في حضنها ورق العنب والزيتون والنعناع، بركات أرض عجلون على مدى التاريخ. والخُمرة- قطعة عجينة تصنعها أم العروس لتلصقها العروس على جدار منزل عريسها في يوم العرس. ورق العنب: كي تتمدد العروس على عرش وجدان عريسها كدالية البيت؛ وورقة الزيتون: لتكون العروسة مباركة كزيتونة طيبة، اصلها ثابت وفرعها في السماء؛ وعرق النعناع: ليبقى المنزل عبقا، فواحا بالطيب طوال الوقت. وكيف انتُزعت الخُمرة اليوم بزفات عرس صاخبة في قاعات الاحتفالات، بعد أن كانت تنعم بفرحة الاستقرار في أشرف علاقة بشرية على الإطلاق.
وفي (ورد الغريب) يكشف لنا ابنكم البار، ابن الغيم عن حالات نادرا ما نلاحظها أو نفرقها عن بعضها البعض في مناطق كثيرة أخرى من وطننا الحبيب، بهذا الشكل والوصف الجمالي كما في عجلون؛ من صيف بقمره السّهران المشرّب بقصص العاشقين؛ والخريف الذي يُضفّر الأشياء بجَدِيلة غجرية، ومبشرا بنشوء حياة جديدة بعد أن تساقطت أوراق الشجر القديمة، تحيا بنا ونحيا بها؛ يعقبه كما يقول بكلماته- الشتاء، المجدول بضفائر الغيم وبمطره الذي ينقر على الشبابيك المضبّبة بالشوق لحبيب غائب من مساء بعيد.. وأهل عجلون متلهفون لصعقات البرق وتساقط الثلوج؛ وينتقل بنا إلى الربيع الذي يطل بضحكة مخضّبة بجرأة الدحنون الفوارة، وخجل الإقحوان الطفولي، معيدا الحياة إلى مسارها الطبيعي بكل بهجة وسعادة.
ويعود بنا رمزي في (تِروي زرعنا النايم) إلى سنين للوراء إلى زمن الجاروشة بحجرين صُوانيين عندما كانت جداتنا المباركات يدرن الرحى الفارغة وهنّ يتضرعن ويبتهلن إلى الخالق بأن يرسل الغيث المغيث. وكذلك الصبايا المفعمات بالبهجة وهن يحملن الفزاعات ويرددن: يا أم الغيث يا ربي، تسقي زرعنا الغربي، يا أم الغيث يا دايم، تروي زرعنا النايم. ويقارن كيف أضحت اليوم الحياة تحكمها التكنولوجيا والعولمة التي انتَزَعت منا كبرياءَنا، ولم تعد الغالبية منا مهتمة لا بالزرع ولا بالأرض، ولا هم لها سوى السوبرماركتات والمولات ومنتجات لم تصنعها أيدينا.
ويعود رمزي ويذكرنا بجنون اشتياقه وحبه للبلوط والسفرجل والتين وتوت وادي الطواحين، والبطم والحور والكينا العتيقة على راس نبعة عجلون والتي تلقي التحايا على كل زوار عجلون، والنرجس والدحنون والطيّون والخُرفيش، والغُصلان في ذكرى الأجداد، وكذلك دوالي العنب والبساتين، والبطين، والعكّوب وصوت النساء وهن يتغنين به: (يا ظريف الطول النية ع العكُّوب، كلهن صبايا ويشعلن القلوب).
إضافة إلى سنابل القمح في (قمح ومنجل)- هذا الخير الذهبي المتلاطم كأمواج البحر. يكدون من أجل زراعته وحصاده، فيستعينون بالغناء بالرندحة والمواويل، والعتابات إلى محبوباتهم. وتارة يترنمون فخرا بمناجلهم: (منجلي ومن جلاه؟!/ راح للصايغ جلاه/ وما جلاه إلابعلبه/ يا ليت الحُبة عزاه). تلك هي ذكريات بقيت وراءنا، فلا قمح نزرعه اليوم، ولا منجل أو جلاية. والقمح قمح أمريكي مستورد، والكوساية محفورة وجاهزة، والبطاطا مقطعة، وأدوات الراحة معبية المطبخ، ولا عتابات عالمحبوبات.
وشجرة الفقيرة في الجنوب الغربي لعجلون، التي أكل الأولاد تحت ظلها الخُرفيش والجَلتون. ولم يكونوا ليكسروا لها غصنا أو نبشوا عنها ترابا، على النقيض مما نشاهده اليوم من تكسير للأشجار، واتخاذ أغصانها حطباً يتدفأ عليه البعضُ من برد الشتاء.
وشجرة اللوز الذي يُشَبّه نوارَها بالثلج الهابط من قطن السماء، ياله من تشبيه رائع.
والأسكدنيا، ويشبهها بأجمل كوكب من كواكب مجموعتنا الشمسية، كوكب الزُّهرة، بل يعتبرها نجما حط على الأرض، سيدة المذاقات والبهجة.
وكذلك الأمر مع شجرة المِشْمِش في (شهر مِشْمِشي)، الذي ينضج دفعة واحدة، وينتهي بظرف أسبوع لا بد من استثماره كما هو الحال عند وزرائنا ونوابنا الذين يدركون أن عليهم استثمار الفرص المتاحة لعدم محدودية فترة حياتهم الوزارية أو النيابية.
والجربوح في (تفاح المجانين). لن تصدقوا بأن تفاحة المجانين تعطي ثمارا ذهبية اللون وتمنح كل شيء حولنا بعطر يدوم لأسبوع أو أكثر. ويذكرنا ابن الغيمة بأنه وأصحابه كانوا يقعون في جنون وعشق الجربوح بعطره الذي لم يزل يُعجب به، ويضاهي العطر الفرنسي بأشهر ماركاته.. هذا هو عطر بلادي لا يضاهيه أي عطر في العالم.
وفي مكان آخر في "ابنة الغيم" يشوقنا ابنُ الغيم إلى كأس من الشاي المنعنع في (نريده مُنَعْنَعا). والمقطع الذي أعجبني فيه، هو "أن الأمهات بعكس الجدات، كُنّ يحرصن ألا نشربه خوفا من بلل فراشنا، فهو مدرٌّ للبول، ولهذا صرنا نَحْذَره. فإن تبلل فراشك، يعني أن تبدأ صباحَك بصفعات رنانة، تنزلُ على عريك الرطب". فطبتم وطبنا شايا كما أراد كاتبنا، ولكن ليس قبل النوم.
وفي (عناقيد القيقب) يتحسر كاتبنا الإنسان الرائع على هذه الشجرة النادرة الآيلة إلى الانقراض، في ظل الرعي الجائر والتقطيع دون رادع أو مانع، كما هو الحال عند معظم أشجار ونباتات بلدنا والنادرة منها. وهذه الشجرة نجدها إن أمعنا بانتباه في غابات دبين، عجلون، زي، اشتفينا، أو كفرنجة. وهذه تكاد تكون معلومة مهمة للمهتمين، ولهذه الشجرة ثمار تشبه العناقيد تسمى (عناقيد الثعلب)، التي لو استطاع الثعلب الوصول إليها وذاق طعمها مرة لتمنى أن يكون طائرا يبني لنفسه عشا دائما فوقها.
ليس هذا فقط. لقد تطرق زميلنا الكاتب المبدع إلى شجرة الرمان في (يا بن الجُلنار) مشبها المرأة الحسناء بـ (مطرق رمان) في جمالها وهيفها ونضارتها، واصفا بدقة: "والمطرق هو غصن الرمان المتزن المستقيم الَّلبلاب الرَّجراج". مشيرا إلى أن أمهاتنا استخدمت هذه المطارق بطرق وتنفيش الصوف المفْرَغ من الوسائد والفرْشات، لِيُعِدْنَه إلى سابق عهده ليّنا طرياًّ، مهيئاً لكثير من أحلامنا السرية اليانعة.
تمعنوا في العبارة التالية في (جرار الماء): "جرّة الماء كانت مقياسا حساسا، وبارومترا دقيقا، لقياس دخول البنت في عمر يؤهلها للزواج"، ثم تابعوا التمعن بهذا الوصف الجميل: "الصّبايا كن يهرَعْن من تعب البيوت وضيقها، إلى عيون الماء حاملاتٍ الجرار الفخارية، يمشين زرافات زرافات، وقد تجْرأُ إحداهُنّ وتترنّم بنَغَم شفيف يزيد من نمنمة وتراقص قلب العاشق المتقلي، منتظرا طلتها فوق جمر الماء!". هكذا يا أخوتي كان الحب القديم. ويعود الغزوي يذكرنا كيف كانت الصبايا رشيقات بطبيعتهن، كالغزالات الناعسات.. لا رجيم ولا أحزمة تنحيف، ولا مراكز اللياقة البدنية المنتشرة اليوم هنا هناك، في بيوت حجرية مغلقة مكندشة، لا هواء ولا عين ماء ولا شجر.. بمعنى لا حياة.
نبقى مع الغزلان.. من منكم شاهد "غزلان الندى"؟ وهل تدرون أنه لم تعد لدينا الزراعة المسمّاة بالزراعة البعلية؟! كما كانت قبل عقود من الزمن؟! وخصوصا القرعيات كما نسميها نحن المتخصصين بالزراعة، وهنا يقولون عنها المكاثي أو القثّا، مثل الخيار والفقوس والكوسا واليقطين، والتي لم تعد تزرع إلا عن طريق الري أو الري التكميلي، كما نسميه في العلوم الزراعية. غير أن كاتبنا يقول بفخر واعتزاز أن أهل رحابا، القرية الواقعة بين عجلون وإربد ما زالوا يزرعون الباميا، واليقطين ودوار الشمس، والبندورة، مستفيدين من غزلان الندى، التي تمنح المزروعات روحا رطبة، ومدادا لنمو عجيب في عز الصيف، هذه الغزلان التي تجول مع أواخر الليل غابات برقش، وتُقبّل رأس منيف (أعلى قمم عجلون)، ثم تحط بكل هدوء وسلام على سفوح إرحابا؛ فتثور البندورة ثوَرانا مجنونا، وتكبر وتطيب. هل عرفتم هذه الغزلان؟- إنها الغيوم الصيفية النديّة المنخفضة، والتي تتكاثر مع خيط الفجر الأول، فتمنح المزروعات الحياة، وتثمر أمنا الأرض، فسلام عليك يا أمنا الحنون. وأبدعت يا رمزي.
ومن جهة أخرى، نرى عند الكاتب خيالا جميلا وشاعرية متميزة، فهو يقترح في (خيط اللبن) تسميات تتماشى مع هوية وعراقة الأماكن والمؤسسات والشوارع. فبدل بلدية كفرنجة الحديثة يقترح تسميتها بـ بلدية (خيط الزيت) لكثرة غابات الزيتون في مداها. كما وتمنى لو يسمى الشارع المدجج بالكروم على الجانبين، الرابط بين بلدة عبين في عجلون وما بين سوف في محافظة جرش، بشارع التفاح. وأن يسمى الشارع الرئيس الواصل بين عجلون ومثلث اشتفينا بشارع (أبو الجود)، تيمنا بنبع عجلون الشهير. كما وتعجبه لفتة الملك عبد الله الأول، حين أعاد تسمية (وادي الريان) على ما كان معروفا بوادي اليابس. وعلى ضوء ذلك سيعجبه إطلاق تسمية (خيط اللبن) على مناطق عجلون الشمالية الغربية، وهو اسم يدل على كرم أعالي تلك المنطقة، وصفاء ونقاء أرضها الطيبة، التي تدر لبنا طيبا كثيرا. ويتوق كاتبنا ونتوق معه أن يعود خيط اللبن دافقا بعودة الناس إلى العمل بأرضها وفلاحتها وزراعتها، وإلى تربية مختلف أنواع الماشية، وخصوصا في هذه الأيام العصيبة التي صرنا نأكل فيها مما لا نزرع، ونلبس مما لا نحيك، ونركب مما لا ننتج ووو الخ.
كما ويزخر الكتاب بمسميات الأشياء القديمة، والترنيمات، والأهازيج، والزغاريد، والهلاهيل، والأمثال الشعبية، ومقتطفات من الأغاني القديمة التي يندر استخدامها اليوم. ويذكرنا بأصناف بعض الأشجار المثمرة كالتين والعنب والرمان، التي نجحت حياتها في أرض عجلون.
هذا جزء من فيض من الدرر الثمينة لكاتبنا البارع رمزي الغزوي، لا مجال للغوص بعمق كامل لما جاء في الكتاب، وفيه 76 من النصوص الشيقة والمعبرة في المكان والإنسان العجلوني تحديدا، والتي يعود بنا عبرها إلى ذكريات الماضي الجميلة، ويوقفنا عند بعض الصور المزعجة للحاضر ومنها على سبيل المثال (اغتيال قرية)، وإلى ما نتوق إليه في المستقبل مسرودة بشكل جذاب. وما أن قرأت الموضوع الأول، وقرأت الثاني والثالث.. لم أستطع أن أترك الكتاب حتى قرأته كله. ولكي تكتمل لدى القارئ معاني الحياة الحقيقية مع مسراتها وبهجاتها وصعوباتها، فإنني أشجع على اقتناء هذا الكتاب القيم، وقراءة مواضيعه التي تحاكي الواقع، والمكتوبة بأسلوب جذاب للغاية، وهي بذات الوقت قصيرة وجميلة ومكتملة.
وتحية واحترام وتقدير إلى قامة أردننا الغالي- عجلون. وشكرا لابن الغيم على "ابنةُ الغيم".
* قدمها الدكتور أمين شمس الدين الشيشاني/ عضو رابطة الكتاب الأردنيين، الدراسات
عمان، 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??