الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيارة الإسعاف و الهواري سائقا

مزوار محمد سعيد

2013 / 12 / 18
العلاقات الجنسية والاسرية



في فترة زمنية خاصة، و وفق ظروف معيّنة، أصبحت الفتاة الجزائرية تهان ضمنيا، لقد تناسى البعض أنها كائن حيّ، ذاك الذي يتنفس الهواء، ذاك الذي يحلل الأمور بالعقل، و ذاك الذي يملك غريزة تحركه، ممّا ولّد محكمة أخلاقية من دون أن يدري، أين وُضعت الفتاة الجزائرية في قفص اتهام أخلاقي، حُرمت من محام دفاع، بينما استند القاضي في جلساته إلى قوانين الأعراف الاجتماعية المثقوبة، ليُصدر حكما على بنات الجزائر بكلّ صرامة، ذلك الحكم الذي كان مشابها لما حُكم به على سقراط في زمن الإغريق. لقد تمّ اتهام بنات الجزائر يوما بممارسة الجنس، و كانت هذه التهمة سببا كافيا لإيقاعهن في أقبية العذاب الأبدي، فراح ضعاف الأنفس يسبون و يلعنون بنات الجزائر، و ما أقسى اللعنة إن كان مصدرها الأحباب، إن كان منبعها الأهل أو / و الأصحاب.
من كلّ ما تقدّم نجد السؤال التالي: هل ممارسة الجنس إثـم؟ هل الذي يمارس الجنس مجرم؟ هل العملية الجنسية غير ضرورية؟
الفتاة الجزائرية ليست ملاكا و لا نبيّة، ليست شيطانية و لا صَنـَمًا، هي كائن بشري، و قد تكون إنسانية، لها ما لها، و عليها ما عليها، و هي تحمل غريزة جنسية يجب عليها إخمادها كلما حان وقت اشتعالها، و هي غريزة لم تخترها أي فتاة، إذ أنّ الإنسان لا يختار نوعية غرائزه، لأنها فطرية و ليست مكتسبة بشهادات كل علماء النفس دون استثناء، و حتى الفلاسفة القدامى و المعاصرين، فلم يرد في تـاريخ البشر أن خرج أحد مفكريه، و أعلن بأنّ الغريزة غير أساسية في تركيبة الروح، و لا يوجد في أيام البشر منذ فجر الوجود، بأنّ هناك من صرّح ينفي صفة الغريزة عن العملية الجنسية، و جعل منها آلة اختيارية،هذه الخاصية يشترك فيها الإنسان و الحيوان، مما حذا بالبعض أن اعتبرها من ركائز الجانب الحيواني للفرد الإنساني، بينما ذهب بعض علماء الإناسة إلى دراسة تطوّر نظام العملية الجنسية عند البشر، من الإباحية في المجتمعات البدائية، إلى التنظيمات المعقدة في المجتمعات المتحضرة، بحيث أصبح لها قوانين تؤطرها، مما أدى إلى تشكل نظام الأسرة، حيث اكتسب اسم "الزواج"، بواسطة الاكتتاب المدني في إطار المؤسسات الحكومية، لتنتقل الممارسة الجنسية إلى مرحلة اختيار طرق إفراغها في الوجود، متجاوزة إشكالية إثبات وجودها، بحيث أنّ وجودها دخل نطاق الإلزامي، الحتمي أو الفرض المسنن، و الذي لا ريب من حدوثه، لكن عبر الآليات و بالمنطلقات المتنوعة.
1. نظرة السماء إلى العملية الجنسية:
"...النكاح أو الزواج: عقد يحلّ لكلّ من الزوجيْن الاستمتاع بصاحبه... " و بالتالي حكم النكاح يستقي مشروعيته على قاعدة القرآن الكريم، كما جاء في الآية رقم 03 من سورة النساء، و في الآية رقم 32 من سورة النـور، و له أيضا مشروعية من السيرة النبوية العطرة، حيث أن هناك حديثا نبويا شريفا رواه الإمام أحمد (3/158،245) يصبّ في نفس السياق.
".... يلزم لصحة النكاح أربعة أركان هي: الوليّ، الشاهدان، صيغة العقد، المهر... " كما أن نقطة الحلّ و الربط تظهر في حديث نبويّ شريف رواه البخاري (7/22،26) و رواه أبو داود في النكاح (31) و رواه الترمذي (1114) و رواه النسائي أيضا .
إذ أنّ هذه الأمور كلها تؤكد على أنّ العملية الجنسية مباحة في الدين الإسلامي بقواعدها الواضحة، و هو يضع حدودا تظهر في الأركان الخاصة بها، كما أنّه يرغّب و يحث على الأخذ بإشباعها في إطارها المباح، و هي أركان بسيطة، لا تزيد عن الأربعة من حيث العدد، و لكلّ ركن أحكامه، تبدوا للناظر المتأمل فيها في متناول جميع المسلمين و المسلمات، المعنيين و المعنيات، إذ أنّ الخطبة و الوليمة لإعلان النكاح من آداب النكاح و ليستا من شروطه الضرورية، لأنه بإمكان المرء أن يتزوج دون أن يمر بفترة الخطبة و لا أن يقيم عرسا يبذر خلال إقامته الملايين التي ترهق البعض، و تقف حاجزا بينهم و بين إشباع رغباتهم الجنسية كما جاء به الإسلام من التعاليم.
2. النظرة الفلسفية إلى العملية الجنسية:
" .... إنه يوجد في الإنسان نزعة إيروس ، و هو حبّ و قدرة خلاقة، و يوجد فيه أيضا نزعة تناتوس ، و هو حقد و قدرة تحطيم من ناحية، و قدرة مراقبة و تنظيم من ناحية أخرى.... "
هذا ما يؤكد بأن الجنس مغروس في الإنسان، و الذي يتمّ التعبير عنه في المحافل الفكرية بالإيروسية، و بالتالي مهما أراد الإنسان ذاته تجنبها بلجوئه إلى التناتوس، من أجل خلق توازن مؤقت، إلاّ أنّه لن يدوم طويلا، و سرعان ما يلبث أن تعود الإيروسية إلى تحريك الفرد الإنساني، ذاك الذي يحتاج إلى طرفه الثاني، من أجل البقاء من جهة، و تخذير إيروسيته من جهة ثانية، من أجل تذوّق لذته النوعية، و التي تقوده إلى هدوء لحظي، وفق دورة لا تتوقف، يتناوب خلالها الإيروس و تناتوس على أهواء الفرد البشري.
3. النظرة الأدبية إلى عملية إشباع الغريزة الجنسية:
".... لقد ولدتم معًا، و ستظلون معا للأبد. و ستكونون معا عندما تبدّد أيامكم أجنحة الموت البيضاء... كما أنّ أوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده و لكنها جميعا تخرج نغما واحدا... "
الفرد الإنساني يحتاج إلى أنثاه، و الأنثى بدورها تحتاج إلى الذكر، و هذه الحاجة لا يمكن انتزاعها من الجنس البشري، كما لا يمكن انتزاعها من الجنس الحيواني، و بالتالي يحتاج المرء إلى عقيلته من أجل ممارسة معها طقوسهما الخاصة، هي معروفة لدى كلّ الأفراد، و هي من ضرورياتهم، من أجل إعطاء الشاعرية المطلوبة للحياة البشرية، مثَلها كمثل أوتار الآلات الموسيقية، لأنه حتى الصيغة الجمالية، هي بحاجة إلى جزئها الليلي الجامح، من أجل اكتمال الصورة المعيشية الشاملة.

4. نظرتي إلى العملية الجنسية:
أنا أتحسر على ما كان من ضجة حول الفتاة الجزائرية، و خاصة ذاك العقاب اللا-مبرر من طرف "المجتمع" الجزائري إزاء بعض أفراد إناثه، اللائي قمن باستغلال حقهنّ الطبيعي، من أجل إرضاء شهواتهنّ الجنسية، لقد كانت النظرة السماوية واضحة و بسيطة في هذه المسألة، إذ أنّ الدين الإسلامي وضع نظاما يسيرا يقنن الزواج، كما أنّ مالكـ بن نبي كان واضحا أثناء تأصيله لهذه الظاهرة، باعتماده على المؤثرات النفسية، و الأبعاد البيولوجية لها، لأنني أرى أنّ رأي الفيلسوف الجزائري استلهم من الصواب أكثر بكثير مما استلهمه من الخطأ، أمّا ما يخص الأوصاف التي جاء بها جبران خليل جبران، فقد عبّرت عن مضامين الجمال في لحظات اللذة الجنسية، و أعطاها لمسة عاطفية، خاصة في إطار المثال الذي قدّمه، و بالتالي يمكنني أن أقول بأنّ الكاتب اللبناني كان صادقا في الأحاسيس التي طبعها على الصورة الجنسية للبشر.
من هذا كلّه يمكنني توضيح ما يلي:
في اعتقادي: إنّ العملية الجنسية ليست إثما، و هي تأخذ صورة المشروعية إن طبقت تعاليم السماء الأساسية دون إطناب و لا تعسير في هذا المجال، لكن إن ما اعترض تطبيق شروط الزواج كما نص عليه الإسلام السليم و المعتدل، فإنّ من حق الفتاة الجزائرية أن تشبع غريزتها الجنسية كما تشاء، و حينها يتحمّل "المجتمع" الجزائري مسؤولية تقاليده المقدسة التي أدّت إلى هذه النتيجة، حيث أنني أرى من الطبيعي جدّا مصادفة إحدى الفتيات، و هي تعتمد على أغصان الأشجار، أو الأعمدة الكهربائية، من أجل إفراغ شحناتها الجنسية؛ كما أنني لا ألوم أيّ أحد في ذلك. لأنّ الوسيلة المباحة للتزاوج أثقلت بالأعراف الفاقدة لمبرراتها المكنونة في الواقع. ".... إننا لا نئد البنات اليوم، لأنّ قانونا ورثناه عن الإسلام لا زال يمسكنا، و لأنّ قانونا جنائيا يوقفنا عند حدّنا، و لكن إذا لم ندفنهنّ على قيد الحياة في التراب، فإننا ندفنهنّ في الجهل... "
في وقت استعملت فيه الفتاة الغربية (الأوربية / الأميركية) أساليب غريبة لإشباع حقها الجنسي (القضيب المطاطي، زواج مثليي الجنس.... الخ....)، و ذلك تمّ تصنيفه في خانة "حق التعبير"، أجد فيه الفتاة الجزائرية تلاحَق في حقوقها البيولوجية الطبيعية، بل إنّ أغلب الباحثين يعتبرونه ضرورة، إنّ للفتاة الجزائرية كامل الحرية في أن تلبس ما تريد، و إن أرادت أن تخرج عارية إلى الشارع فلها الحق في ذلك، لسبب بسيط، و هو أنّ "المجتمع" الجزائري هو الذي أوصلها إلى هذه النقطة، و ما حوادث الاغتصاب، و الاعتداء على الأطفال، دون أن أنسى حوادث التحرش الجنسي، كلها نتائج لتقديس الأحادية الفكرية، و علوّ كعب أخيل الأسطوري في قضية الزواج على الطريقة الجزائريـة.

السيّد: مــــزوار محمد سعيد
twitter.com/msmezouar

المراجع:

أبو بكر جابر الجزائري، منهاج المسلم، مكتبة العلوم و الحكم بالمدينة المنورة، طبعة: 2010
مالكـ بن نبي، في مهب المعركة، دار الفكر دمشق-سورية،

جبران خليل جبران، النّبي، دار تلانتقيت للنشر-بجاية (الجزائر)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نساء فلسطين عندما تصبح الأرض هي القضية


.. مشاهد تدمير منطقة الزيتون وحي الصبرة بعد انسحاب القوات الإسر




.. رائدة في علم المحيطات حققت نقلة نوعية في علوم الأرض


.. موريتانيا.. دعوة لإقرار قوانين تحمي المرأة من العنف




.. القومى للمرأة يطالب شركات خدمات النقل بالتطبيقات بوضع معايير