الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقطع من رواية -تصلح للحزن-

مختار سعد شحاته

2013 / 12 / 20
الادب والفن


[........]

* امتدت "كرموز" بساحل جميل على طول ترعة المحمودية، بيت "بديع" كغيره من بيوت العمال الفقيرة والتى تضج بصور من حياة المطحونين فى هذه المنطقة،عشرات البيوت تكدست فى حميمية لا تقل عن حميمية أهلها،لا فرق بيِّن بينهم، فى الصباح تجمُع الأولاد عادة تأصلت فى نخاعهم، إذ تضطرب صفحة المحمودية جراء قفزهم البرىء المندفع نحوها فى حبور زائد، الكل يتبارى فى الاندفاع عريانًا نحو الماء، تتلاحم أجساد الصبية والفتيات، لتشكل فى النهاية جسدًا واحدًا، على صفحة المياه تسبح صلبانهم إلى جانب "صلاة النبى" فى خفة وشقاوة وروعة غير متنافرين، لا تعرف مسلمهم من نصرانيهم حين ينتشون فى السباحة و وجوههم نحو السماء، يسترخون تارة ويسرعون أخرى. وحدها تعودت الجلوس قرب ملابس أولاد خالها، ترقبهم فى صمت سعيد؛ و تلعب دور المرشد للجميع، دونما التفكير فى مجرد ملامسة الماء. تعلم أن أمها لن تسمح لها بذلك؛ فهى تقف بثبات عودها وفورانها الجميل على أعتاب الرابعة عشرة من عمرها، وتفاصيلها النسائية باتت أكثر من ملفتة، صارت حقا مشتهاة، وليست المدينة كالنجع فى أسيوط، فالإسكندرية تعج بثعابين البحر الذين يتلوون كموجه فيخطفون منها ما أرادوا فى لمح البصر، فزاد قلق أمها التى كانت تؤمل أن تترك القلق خلفها فى الجنوب وتدفنه مع زوجها فى مقبرة الدير هناك. فى النجع تذكرُمحمودَا يتباهى أمام الأطفال بأنه الوحيد الذى يحمل فى قلبه جرأة تمكنه من عبور "بحر النيل" من أمام جزيرة "أم جلاجل" – التى طالما سرقت أطفال النجع و غابت فى قاع النيل تطعمهم أولادها- يتبختر فى الماء كأنه ذكر للأوز يستعرض جمال ريشه أمام بقية الأوزات اللائى تسبحن من حوله و فى حِمَاه. كثيرا ما كانت تستغرب شكل إحليله المختون الذى يبرز منتصبـًا دومـًا كلما خرج؛ و تقارنه بونيس أكبر أولاد النجع حين شاهدته يستحم فوق سطوح بيت خالتها "ناهد". كان يأتيها فى أحلامها بانتصابته و طفولته الداعية للضحك، فلا تراه إلا رجلا كامل الرجولة، ووسط المحمودية راحت تبحث عن ذكر للأوز فلم تجده أبدًا؛ فشغلها لم لا تربي النساء هنا الأوز على ضفاف المحمودية؟!.



* كانت الأخبار فى "أبو خروف " غير مطمئنة، وعلى خلاف عاداته أسهب فى خطابه إليها حول ألمها و مرضها، وحمّلها أمنياته بأن تعود لتحقق لها آخر ما تود فى دنياها، فقط أن تراها قبل تنيحها، وذيّل كل توسلاته بعبارته التى عودها أن تكون شماعة لفظاظتها معها كلما كانت تشتكى له:
- " دى برضه أمك يا سيمون،معلهش نتحملها"
-"دى بتغير مني كأنى عدوتها "
- "مش ممكن..أنت اللى بتبالغي"
- "لأ أنا مش هأتحمل.. تخيل بتتهمني بأن بيني وبينك حاجة!"
- " مستحيل!!.. للدرجة دى؟!"
- "دى خلاص اتجننت"
كانت علاقتها بأمها قد وصلت إلى درجة من الصدام فاقت كل المتوقع، فصار حتما لها أن تغادر. جاءتها الفرصة حين تمكنت من الانتداب للعمل فى السد العالى كمهندسة للكهرباء. شعرت فى أحيان كثيرة أنها سببت لأمها الكثير من الحزن والغضب اللذين لا تعرف لهما مبررًا، وكثيرًا ما شكت له من فظاظتها معها:
- "أنا حاسه كأنى مش بنتها؟"
- "معلهش يا سيمون،أعصابها تعبانة شوية"
- "أنا ذنبى إيه فى كل ده،خايفة أكرهها!!"
- "لا يا سيمون..اوعى!!افتكرى دايمًا المسيح اتألم قد إيه و اتحمل؟!"
- "بس دا حرام؟و المسيح ما يرضاش بكده"
- " دى برضه أمك يا سيمون،معلهش نتحملها"
[.........]
من رواية "تصلُح للحزن".
by: bo Mima

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي
مصر/ الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو