الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو حسين ..!

واصف شنون

2013 / 12 / 21
سيرة ذاتية


بات مساء يوم الخميس من كل إسبوع وقتاً مشوقا ً لي هنا في سيدني ، لأني ألتقي بصديقي اللذيذ (أبو حسين ) ، وهو عراقي في أوائل خمسينياته يصبغ شعر رأسه وشاربيه اسودا ً مثل أي عراقي بسيط آخر يرغب ُ بديمومة الشباب هكذا ،متزوج ولديه خمسة أولاد أو (فروخ ) كما يحبُ أن ُيسميهم بلهجته (العمّارية )المحبّبة لي ، يعمل في محلٍَ عربي للمواد الغذائية في غربي سيدني ، وصل أستراليا مع عائلته بقوارب البحر غير الشرعية من إيران مرورا بماليزيا وأندونيسيا وكرسميس أيلاند و ولاية جنوب استراليا حتى سيدني ، تعرفت على أبي حسين قبل ثلاثة أعوام ، فكلما مررت أمام واجهة المحل الذي يعمل به أجيرا ً ،يصيح ُ عليّ من داخل المحلّ (إبن العلويّة ...إستاذ رحمة على والديك ، قفْ.. ،أريد أسولف وياك ) ، وهكذا تعمقت علاقتي به على مدى الأحداث والأيام بشكل متواصل إسبوعيا ً ، عرفتُ أنه من أهالي أحد أقضية مدينة العمارة جنوبي العراق (وهي أغنى مدينة بدائية في العالم من حيث الثروات النفطية والمائية والجغرافية والزراعية) ، حسب تصنيف "ناشينوال جغرافيك " عام 2012 ،ومن عائلة فقيرة ، وأمضى الكثير من حياته في السجون بتهمة حزب الدعوة وحمل السلاح في الهور (مستنقعات مائية هائلة الحجم في جنوب العراق ) ،وهو الأن يتقاضى راتب سجين سياسي من الدولة العراقية ، وكيف عاش في إيران وكيف كان النجفيون والكربلائيون يحتقرونه لأنه من العمارة (معيدي) إسوة بأهالي أهوار ( الناصرية ) ، إضافة الى أحاديث طويلة عريضة عن قيادات وأعضاء حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، وأقاربه المتنفذين الآن في الدولة العراقية ،في الحكومة والبرلمان والجيش والمؤسسات الأمنية ، بمعنى أني أعرف الكثير عنه من خلال أحاديثه التي لاتقبل التشكيك أمام حجم الفساد الهائل الذي يشهده العراق ، لأنه يتكلم بحرقة إنسانية عن وطنه المباع بأسم الدين، ورفاقه هم من يقوموا بذلك الفعل وليس أخرين عارضهم كل حياته، و بكل بساطة وتفهم عميق للحق والمظلومية التي يشعر بها والتي ناضل من أجل تحقيقها .
أبو حسين لايكف ّ ولا يملّ عن تزويدي بأخبار ووثائق وتصريحات وأسرار عن شبكة حزب الدعوة الإسلامية المحيطة بصديقه القديم ، فهو يعرفهم واحدا ً واحدا ً ،ويعرف كل ما لحق بهم من إشاعات باطلة أو صادقة على حدّ قوله ، لكنه اليوم أقسم أيماناً أن مديرا للتشريفات مقرباً من رئيس الوزراء العراقي قد حوّل لعائلته المقيمة في سيدني مبلغ مليوني دولار خلال الإسبوعين الماضيين عن طريق مصرف اوربي مشهور بفساده وله ثلاثة فروع في العراق بأسماء عراقية لها نسبة من تبييض الأموال وتهريبها ، بينما هناك كان (دعوجي ) محافظ لأقدم مدينة في التاريخ حصل في انتخابات المحافظة الأخيرة على أقل من 500 صوت، وبدلاً من محاسبته ، قام رئيس الوزراء صديقه بتعيينه في المنطقة الخضراء مستشارا براتب عالي ..الخ .
ويستمر كل خميس حديث أبو حسين ولا يتوقف عن ذلك حتى حين يقوم بخدمة زبائنه من كل الأجناس والأعراق ، يملأ الأكياس ببضائعهم ويحاسبهم في النهاية مع إبتسامه إصطناعية و تقاطيع وجهه مصوّبة نحوي ، حتى حين أشعر بالحرج من الزبائن ، يقول لاعليك ، ُمصرا ً في القول : أنا أعمل وأفكر وأتذكر وأتكلم ، يقول (أني كلش مركز ) ..!!.
قبل أن أغادره هذا المساء ، قال سوف يعيدون إنتخابهم من جديد ، ثم أجبرني أن اسمع حكايته الأخيرة ، وهي أن أحد رفاقه بالسجن كان يقول للسجناء حين يحزنون : سوف يعاقب الله الظالمين بجهنم ، فيضحك عليه الجميع ، ويقولون وماذا عن حياتنا التي ضاعت ..؟
الخلاصة في قوله ، أن على العراقيين أن لاينتظرون الله كي ينتقم من الفاسدين والإرهابيين ، لأنهم البيئة التي ينتعش فيها الإرهاب والفساد ..!!
أخيرا قلت لأبي حسين أعتقني ..يا أخي أثقلت علي ّ اليوم ، قال سؤال أخير بشرفك ، قلت إسأل يمعود ، قال : لماذا تشتري كل مساء خميس عصير رمان أذريبجاني ؟؟ قلت له أمزجه مع الفودكا ،وهذا شرابي المفضل ..
أجابني فودكا ، ماذا يعني فودكا نوع من البيتزا..؟؟
هرولت خارج المحل مودعاً بضحكاته الودودة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيةً وتهنئة
علي فهد ياسين ( 2013 / 12 / 21 - 11:12 )
هنيئاً لك بصديقك الجميل ( أبو حسين ) وهنيئاً له بك ياجامع الجواهر
دمت رائعاً أيها الصياد الأنساني الفريد . وسلاماً على كل ماتحتويه قائمتك من أسماء لاتعترف بالجغرافية مثلك

اخر الافلام

.. ما الذي يربط الحوثيين بحركة الشباب الصومالية؟ | الأخبار


.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟




.. -هدنة تكتيكية- للجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة ونتانياهو ي


.. جرّاح أسترالي يروي ما حصل له بعد عودته من غزة




.. حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. والترددات على تطورات الحرب في غزة