الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية اقتصادية اجتماعية

فهمي الكتوت

2013 / 12 / 21
الادارة و الاقتصاد


التزاما بما طرحته بمقالي السابق في مواصلة الحوار، حول كيفية النهوض بالاقتصادات العربية في المرحلة الانتقالية، وصولا لأفكار خلاقة تراعي الخصائص المحلية، في بناء اقتصاد وطني بدينامية عالية، وعدالة اجتماعية، مستفيدين من التبدلات العالمية الملموسة، والتي تتميز بتقهقر نهج الاحادية القطبية، وعمق واتساع الازمة المالية والاقتصادية للمراكز الرأسمالية. وفشل الاجراءت التي اتبعتها خلال السنوات الخمس الماضية بسبب التعامل مع نتائج الازمة وليس مع جوهرها -اسلوب الانتاج الرأسمالي- وتحميل الطبقة العاملة والطبقة الوسطى والمهشين في المراكز الراسمالية والبلدان النامية عبء الازمة. وعربيا سقوط النهج السياسي والاقتصادي للانظمة العربية المستبدة، وانهيارالسياسات الليبرالية التي فرضت على البلدان العربية، والارتهان لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، خلال العقدين الاخيرين لتمكين المراكز الرأسمالية من تخفيف آثار ازماتها، بتوسيع السوق الرأسمالي، والاستيلاء على خيرات الدول النامية والحفاظ على التقسيم الدولي للعمل (دول منتجة ومستوردة للخامات ودول مستهلكة) فسقوط هذه المعادلة، وقيام الدول الصاعدة بمنافسة المراكز الرأسمالية في اسواقها، مهد الطريق امام البلدان النامية لتحرير اقتصاداتها من التبعية للاحتكارات الرأسمالية.

في ضوء المستجدات اصبح الباب مفتوحا امام صياغة برنامج تنموي اقتصادي-اجتماعي جديد يحقق الاهداف المنشودة، فقد انتهى عصر ما يسمى “بالنظام العالمي الجديد” القائم على احادي القطبية، وفرض نهج التبعية على شعوب الارض، وتسويق مفرداته السياسية والاقتصادية، باعتبارها حقيقة مطلقة، مثل “تحرير الاسواق” ، “رفع الدعم” ، “التخاصية”، “معدل النمو الاقتصادي” ، “متوسط دخل الفرد” الاخيرين مفردات مضللة، الاول يستخدم كمعيار لقياس تطور اقتصاد الدولة في النظام الرأسمالي، والثاني يستخدم كمعيار لتقدم الدولة، بتحديد متوسط دخل الفرد.

وللدلالة على ذلك شهدت البلدان العربية معدلات نمو اقتصادي مرتفعة خلال العقود الماضية لا تقل عن 6-7% واقتربت من معدلات نمو البلدان الصاعدة، لكنها لم تحدث تنمية اقتصادية، ولم نشهد دولة عربية اقتربت من الدول الصاعدة، بسبب الدور الرئيسي للكمبرادور في الاقتصادات العربية، اضافة الى الاقتصادات الريعية، وغني عن القول انه في ظل ارتفاع النمو الاقتصادي ارتفعت معدلات الفقر، واتسعت الفجوة بين الاغنياء والفقراء، وبرزت طبقة جديدة فاسدة ومستبدة، كما اتسعت فجوة الغذاء، واصبح رغيف الخبز العربي مستورد باستثناء سوريا قبل دخولها الازمة. فالنمو الاقتصادي الذي تم لم يحدث تنمية اقتصادية او اجتماعية، بل راكم ثروات هائلة للكمبردور، ولطقبة صغيرة، مع ازدياد عدد الفاسدين من البرجوازية الطفيلية.

وتتباهى الانظمة ومعها البنك الدولي بارتفاع متوسط دخل الفرد، على سبيل المثال متوسط دخل الفرد في الاردن وفق معلومات الجهات الرسمية حوالي 6000 دولار سنويا، وبموجب هذا المعيار لا يعتبر الاردن من الدول الفقيرة! علما ان حوالي 40% من الاردنيين يعيشون تحت خط الفقر، والمعادلة المضللة حول متوسط دخل الفرد، كالقول ان راتب المدير والمراسل 5300 دولار شهريا. هل هذا يعني راتب المراسل 2650 دولار؟ !

وللنهوض في الوطن العربي ينبغي الانطلاق من مبدأ اساسي: اعتبار الديمقراطية الحقيقية -الشعب مصدر السلطات- قضية مركزية لا رجعة عنها، لكن الديمقراطية ليست صناديق الاقتراع فحسب، وان كانت احدى اليات الديمقراطية، فالمضمون الاجتماعي هو الذي يميزها عن الديمقراطية الغربية، بتكريس مبدأ التنمية الشاملة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتأكيد ذلك دستوريا، بنصوص واضحة وليس بالعموميات، على سبيل المثال يمكن الاشادة بالفقرة الواردة بالدستور المصري المقترح بتحديد نسبة انفاق لا يقل عن 7% من الناتج المحلي للتعليم والبحث العلمي، وهي نسبة مقبولة من حيث المبدأ لكن ممكن رفعها من اجل توفير التعليم العالي للجميع . وهي اكثر من انفاق الاردن في هذا المجال بنسبة 75%، كما يمكن تحديد نسبة مقبولة للرعاية الصحية، وتوجيه الاقتصاد نحو الاستثمارات المنتجة لتوفير فرص عمل للجميع، وتعظيم القيمة المضافة وعدم الاعتماد على تصدير الخامات والمواد الاولية في الاقتصاد الوطني. وهذا يتطلب تدخل الدولة في الاقتصاد “الدولة الديمقراطية الاجتماعية” الدولة التي تحترم حقوق مواطنيها، وتحترم الحريات العامة، وتلتزم بالشفافية، وتوفر سلطة القانون في مواجهة الفاسدين والخارجين على القانون، دولة الرعاية الاجتماعية.

يتطلب الأمر أيضا إقامة انشطة اقتصادية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، مع الابقاء على دور محوري للدولة، وبناء القاعدة المادية الاقتصادية المبنية على الانتاج في الزراعة والصناعة، وانتاج وسائل الإنتاج والنقل، وامتلاك تكنولوجيا المعلومات واستثمارها في مختلف الفروع الإنتاجية واستغلال الثروات الضخمة، وإدخال التكنولوجيا لقطاع الزراعة، وإنتاج كافة السلع الاستهلاكية وتوفير الاحتياجات الضرورية للمجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات العامة للمواطنين كافة، والغاء اقتصاد السوق المنفلت، بضبط الاسعار وتعميم المؤسسات الاستهلاكية التعاونية والحكومية المنافسة للقطاع الخاص لتوفير سلع باسعار مناسبة، واستخدام السياسة الضريبية التصاعدية في تشجيع القطاعات الانتاجية، واعادة توزيع الدخل بما يحقق العدالة الاجتماعية. وهذا لا يعني بحال من الاحوال الانغلاق على العالم، مع اعطاء الاولوية للانفتاح على السوق العربي وتحقيق تكامل اقتصادي.

وقبل الختام لا بد من مقاربة سريعة مع التجارب العربية السابقة وخاصة التجربة الناصرية، فعلى الرغم من الهجوم الذي تعرضت له، الا انها انطلقت ضمن رؤية وطنية تحررية، وينبغي تناولها ضمن سياقها التاريخي، واذا كانت ارتكبت خطأ بإفراغها من المضمون الديمقراطي، فإن ما يطرح الان من ديمقراطية سياسية مفرغة من المضامين الاجتماعية لا يقل خطأ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر


.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل




.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و


.. قناطير مقنطرة من الذهب والفضة على ضريح السيدة زينب




.. العربية ويكند | 58% من الأميركيين يعارضون سياسة بايدن الاقتص