الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاء على الحاضنة الشعبية للثورة

خالد قنوت

2013 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


سأل صديق عمره بخجل و توجس: هل ترض ما يحدث بحلب؟ أجابه و بدون تردد: هؤلاء إرهابيون و قاعديون و يجب قتلهم. أدار له شاشة الحاسب و وضع فلم عن إسقاط الطائرات الأسدية للبراميل المتفجرة و شرح عن ما تحويه هذه البراميل من اسباب الموت الجماعي العشوائي دون تركيز و دون تمييز, تبعها صراخ أهالي الضحايا و نجدتهم لأطفال من تحت ركام بيوتهم و بكاء الرجال و نحيبهم بينما كانت ثلوج إلكسا تنهمر على البشر و الحجر المتهدم و على نار البراميل المنفجرة و المتطايرة ممزقةً ما يقف في طريقها من عيون و رؤوس و أطراف.
توقف العرض, فنظر في عيني صديق عمره من جديد و سأله بنبرة من الحرقة و العتب: هل هؤلاء ارهابيين و قاعديون؟, هؤلاء أهلنا في حلب و مثلهم في درعا و الرقة و دير الزور و حمص و دمشق و ريفها و إدلب, هؤلاء أهلي و أهلك السوريين, أليس كذلك؟.
لم ترف له جفن و إنما أجابه بعيون جاحظة بلا بريق, و بوجه بلا ملامح: هؤلاء الحاضنة الشعبية للإرهابيين و القاعديين و علينا قتلهم.
انتهى الحوار العقيم!!
السؤال المعضلة الذي مازلنا نسأله عن الوسيلة التي مارسها نظام استبدادي لا أخلاقي للوصول بالبشر إلى هذا الدرك من الوضاعة الانسانية و الاخلاقية بعيداً عن الوطنيات و الشعور الوطني الذي قتله فيهم منذ زمن بعيد, حيث حولهم لجماعات و ملل و مذاهب أكثر ما حولهم لسوريين, و الأنكى هذا الدرك يبنونه على منطق الخوف على سورية.
البعض منهم يسر لك بأنه لا يحب النظام و لا ظلمه و لكن المهم اليوم سورية و خوفه على سورية إذا سقط النظام أو رأس النظام تحديداً. بالأمس و قبل الثورة كانوا الأكثر انتقاداً و تأففاً من وساخة النظام و أجهزته الأمنية و وساخة الطرقات, اليوم ليس لهم حديث سوى عن وساخة المعارضة و المقاتلين الأجانب و الكتائب الاسلامية المسلحة و الجيش الحر...
كل الأخبار عن التدمير الشامل الذي يمارسه النظام بمنهجية و هميجة لسورية حاضراً و مستقبلاً و قتلاً و إذلالاً للسوريين ليست لديهم سوى تلفيقات و إكاذيب بعد أن كانت مجسمات قطرية و مؤامرات كونية, بينما أخبار الفضائيات السورية و بعض الفضائيات اللبنانية كتاب منزل و صحيح في حين انهم كانوا الأكثر بعداً و اشمئزازاً منها قبل الثورة.
كل الأراء النقدية لأي معارض لممارسات البعض ممن يدعون الثورة, تؤخذ منهم مجتزأة فقط فيما يخص ذلك و تترك ما يتحدث بها عن أصل الأزمة و سبب استمرارها و سبل حلها التي يبدأ بسقوط النظام و محاكمته على خياناته و إجرامه بحق هذا الوطن الجميل.
لن أعفي الذين تربعوا على شاشات الفضائيات و مجالس المعارضات و إئتلافاتها و هيئاتها من مسؤولية التحريض على العنف و على تديين الثورة ثم تطييفها و مخاطبة الآخر المتردد و الموالي بخطاب التخوين و المحاسبة و وعود بقطع الرؤوس في حال انتصار ثورتهم, لكن هناك عطب بنيوي في ذهنية و عقلية الكثيرين من السوريين الذين يبررون قتل سوريين آخرين لأنهم حاضنة شعبية لما يدعونه ارهابيين و قاعديين, المسؤول عنها أولاً و أخيراً نظام قاتل و لص و مغتصب لسورية و لسيادتها.
في علم النفس يمكن تسمية هذه المعضلة بمتلازمة استوكهولم حيث تتعاطف الضحية مع جلادها و ترفض حقائق واضحة و ملموسة عن خروج السوريين طلباً للحرية و الكرامة و العدالة و عن تأكيدهم على المصير السوري الواحد على ارض سورية كلها.
أغلب مدن أوربا كانت مدمرة بعد الحرب العالمية الثانية و لكنها نهضت من جديد و أعيد بناؤها و بناء الأضرحة و الصروح المعبرة عن بشاعة تلك الحقبة الزمنية كي لا تتناساها الأجيال القادمة و لكن من أصعب و أقسى أعمال إعادة البناء, هي إعادة بناء العقول المشوهة و المنحرفة و القلوب الباردة و لو كانت تنعم بدفء فيزيائي.
في سورية الجديدة, سورية الوطن و المواطنة, سورية الدولة الوطنية الحديثة من الضروري تلازم إعادة بنائها الانشائي و المدني بإعادة بناء الشخصية الوطنية السورية, الحرة من قيود العبودية و الايديولوجيات الشمولية و الاقصائية التي تسمح لسوري بأن يبرر تعرض سوري آخر لأدنى أنواع الأذى و الإذلال أو الحرمان من واحد بالمئة من حقوقه و لو كان يمثل واحد بالمئة من مجمل السوريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تداعيات دعم مصر لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل


.. طالبة بجامعة جنوب كاليفورنيا تحظى بترحيب في حفل لتوزيع جوائز




.. الاحتلال يهدم منازل قيد الإنشاء في النويعمة شمال أريحا بالضف


.. الجيش الإسرائيلي: قررنا العودة للعمل في جباليا وإجلاء السكان




.. حماس: موقف بايدن يؤكد الانحياز الأمريكي للسياسة الإجرامية ال