الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوى والشباب والأمل المنشود

روبير البشعلاني

2013 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يستوقفني تأفف الشباب والنخب العربية وانتفاضهم . فهم يتأففون من كل شيء. ظاهرة ليست سيئة بذاتها. فقد يكون النقد مقدمة لفهم الظواهر وتمهيداً لتغييرها. لكنهم مع ذلك يتعرضون للنقد والتهميش لقاء نظرتهم ومواقفهم من الأمور
لست في معرض التأفف من تأفف الشباب والنخب ولست واعظاً إجتماعيا أدلهم على سبل الإنخراط في المجتمع والتكيّف معه لكي يحصل الانسجام المرغوب. أحاول فقط ان أفهم الظاهرة على نحو ملموس. كان يمكنني أن أستعير بعض الكليشيهات المعروفة في الغرب عن صراع الأجيال وتناقض النظرة ما بين الشباب والمجتمع. لكني لاحظت أن مشكلتنا فيها من الخصوصية ما يستدعي التوقف عندها قليلا.
من المؤكد أن هناك جانبا ثابتا في هذه الظاهرة يتصل بتقادم طرق العيش وتخلفها عن حاجات الشباب ومنهجياتهم الحديثة والمتطورة. هذا التصادم شبه الطبيعي الذي يحدث في حياة الشعوب هو تصادم آلي تلقائي يحدث في أي مجتمع من المجتمعات. الأمر الذي يجعل من الشباب أينما كان طاقة رفضية إعتراضية وثورية. عندنا قد يكون الوضع مختلف
فالشباب يمتلك ربما “صورة” عن المجتمع لا تتلاقى البتة مع واقعه الملموس. فهو ينشأ في مدارس مناهجها وعلومها وتربيتها قائمة وتابعة لمجتمع آخر غير مجتمعه. يتعلم العقلانية والتنظيم العقلاني للمجتمع الغربي ويتدرب يوميا على مفاهيم الفعّالية والنتيجة والتقدم والكفاءة والأولويات. وهو يتعلم المنافسة على المركز الاول في الصف مقدمة للمنافسة على الأولية في العمل مستقبلاً. يتلقى التلميذ في بلادنا تعليما وتربية وإعدادا كأنه معد سلفا هنا ليعيش هناك. فإذا هاجر أو هجّر كان به وإذا لم يهاجر عاش مهاجراً في بلاده بحيث لا يفهمها ولا تفهمه
لكن الإشكال أن الجميع لا يمكنه أن يعيش “هناك” فيحصل عند من بقي نوع من الانفصام بين الصورة والمعاش تجعل من كل ما يتناقض مع الصورة “فضيحة” كاملة الأوصاف. وعندما يكون الوضع حاضرا للتغييرالجذري للمجتمع يجد هذا التأفف الشبابي مجالاً عقلانياً ينخرط به تلقائيا. أما عندما لا تكون ظروف التغيير مهيأة فإن التأفف يأخذ شكلا مَرَضيّاً وكاريكاتورياّ يدخل في باب “النق” الشرقي المستشري والمعروف
يعيش الشاب إذن في الصورة، صورة المجتمع الملقّن، ويدخل في تاقض تناحري مع مجتمع لا يعرف عنه الكثير مما يدخله في غربتين متوازيتين. غربة عن بلاد الصورة وغربة عن المكان الحقيقي. الشباب عندنا يريد مجتمع الصورة . يثور فيأتي المجتمع الفعلي، مجتمع الجماعات القرابية، ليأخذ عنه الثورة وينأى بها عن أهدافه إلى مُلْك الجماعات وتناحرها. ديمقراطية الفرد تتحول سريعا الى “ديقراطية” الجماعات فتجهض
ليس الشباب إذن مسؤولا في الأساس عن مشكلته. لكنه يصير مسؤولاً عنها غصبا عنه لأنه يعيشها ويتلقاها. ولأنه في هذه الوضعية ربما كان عليه أن ينتقل من ثقافة الصورة الى ثقافة الواقع، إما لكي يتكيف مع المجتمع كا هو وإما لكي يفهم شروطه تمهيداً لتغييره
من البدهي اليوم أن المجتمع القرابي عندنا بدأ يدخل في أزمة الحجم التي تجعله عاجزا عن استيعاب الملايين من الشباب المتعلم النازل الى سوق عمل معدم ومقفل وغير موجود. مناهج العيش والصنعة والتشغيل القرابية والتوزيعية لم تعد تستطيع ان تلبي كل الحاجات. هذا النظام صار فعليا عتيقا. تجاوزه صار ضرورة موضوعية. لكن فهمه ضرورة الضرورة. فبدونها لن يكون التغيير عقلانيا ولا سريعا ولا ممكنا
فعندما يفهم الشباب واقعهم الفعلي يكونون قد فهموا مكامن ضعفه ومأزقه. وبدلا من الضرب على الجانب الفضائحي المقوّي له بالحقيقة ( حلقات التوزيع) يقومون بالضرب على مكامن الضعف الفعلي فيه ( التشغيل) حيث لا يمكنه أن يجيب أو يستجيب فتنفك الناس صاحبة المصلحة عنه
نقد الشباب والنخب الحائرة لم يكن من أجل التشفي إذن ولا من أجل السخرية بل من أجل الاستفزاز الفكري الذي يهدف الى نقلهم من وهم الصورة التي حُمّلوا إياها إلى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال