الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب البعث والدولة السورية

نور الدين بدران

2005 / 6 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في خطابه في مجلس الشعب، الذي أعلن فيه السيد رئيس الجمهورية انسحاب الجيش السوري من لبنان،أعلن ما هو أهم من ذلك، وهو أن الاستحقاقات الداخلية لسوريا سيناقشها المؤتمر القطري العاشر للحزب الحاكم، وقال بما معناه أن المؤتمر سيكون قفزة نوعية، واشتعلت المخيلة الشعبية السورية بالأحلام المدفوعة بالاحتياجات والرغبات، وما أكثرها بدءاً من الخبز مروراً بالكرامة وليس انتهاء بالتقدم الاجتماعي والحرية.
ولكن الأيام الفاصلة بين خطاب الرئيس وانعقاد المؤتمر المقصود، كانت عصيبة وغريبة، حتى أنها شكلت حقبة بحد ذاتها، حتى لأولئك الواثقين من تشاؤمهم، وأغرب ما في تلك الحقبة أن مسؤولين عاديين أدلوا بما يناقض كلام الرئيس، ودعوا الناس إلى عدم انتظار الكثير من المؤتمر، وكانت هذه مفارقة تحمل وجهين متناقضين، جعلت المواطن السوري، سكراناً بلا شراب.
لا شك أن المؤتمر كان أمام عملية جراحية بالغة الخطورة، إنها فصل التوأمين الملتصقين: حزب البعث والدولة السورية،وهي من أخطر وأغرب العمليات،خاصة أن الحزب هو الذي سيقوم بهذه المعجزة، وهو الطرف الأضعف بل في نظر كثيرين أنه مشلول منذ عقود وحتى ميت، وإذا كان به شيء من حياة، فإنما يعود إلى ما يمتصه من الدولة التي لولا امتيازاتها، ما كان ذو المليونين عضو يتجاوز العشرات.
اختتم المؤتمر أعماله، ولم يتمخض عن قفزة نوعية، وبدا السيد الرئيس مثله مثل أي مواطن حالماً أكثر مما يحتمل الواقع، وليس متوقعاً أكثر من ذلك، لأن العملية الجراحية الصعبة، ليست أصولاً من مهام الحزب ولا من مهام الدولة الراهنة، لأنهما كلاهما موضوع العملية، ودورهما هو القبول بها، واستدعاء أفضل الجراحين لإجرائها، ولا حاجة لجراحين أجانب، ففي سوريا خبراء ومستعدون بل سيتفانون في مهمتهم، لأن القضية تخص حاضرهم ومستقبل أولادهم، وهكذا كانت البداية خاطئة, أي أن التشخيص وهو نصف العلاج، لم يكن صحيحاً.
للحزب مؤتمراته ومشكلاته، وهو يحلها بطريقته ،وللمواطن مشكلاته وهذه مهمة الدولة، وما لم نصل إلى فهم هذه المقدمة الأولى أي فصل الحزب عن الدولة عضوياً فصلاً تاماً فلن يحدث أي تقدم لا على صعيد الدولة ولا على صعيد المجتمع والمواطن.
إن قراءة البيان الختامي لأعمال المؤتمر، تقول أن العملية لم تتم أو لم تنجح على الأقل، ومع أن ثمة إشارات واهنة وخجولة، وفي أحسن حالاتها جزئية ومبتسرة، إلى التشخيص السليم، غير أن المشكلة المركزية لم يقترب أحد منها، وهكذا وضعت الحقبة الماضية كلها بآمالها ووعودها في ثلاجة باتت ممتلئة بالحطام، ومازال التوأمان ملتصقين، وظلت جميع القضايا المعلقة معلقة.
لم تثبت دولة عقائدية حتى اليوم (مهما كانت عقيدتها دينية أو قومية أو شيوعية) أنها قادرة على الارتقاء إلى تكوين الدولة العصرية والحديثة، أي الدولة العلمانية الديمقراطية، التي هي دولة الفرد والمجتمع، مهما كان هذا الفرد وذاك المجتمع متقدمين، وكان آخر امتحان لهذه المقولة سقوط الاتحاد السوفييتي ومعسكره، ولا يبدو أن التجربة الصينية، ستتمكن من اجتياز الامتحان بنجاح، رغم النمو الاقتصادي المذهل والتطور التقني والعلمي الخارق، والجميع يعرف معاناة الصينيين من دولتهم العقائدية الشمولية، ولا حاجة للحديث على ما تتعرض له حقوق الإنسان وسائر الحريات هناك.
إن الدول العقائدية هي بالضرورة دول بوليسية قمعية، محافظة وتنتفي معها الحرية.
بوجود دولة حديثة ومستقلة عن أجهزتها الأمنية والقضائية وعن أية عقيدة، تأخذ تلك الأجهزة مواقعها الصحيحة، وتمارس كل منها وظائفها، وتتم محاسبتها على هذا الأساس، كما تكون الدولة نفسها، في حالة توازن وتطور، ويكون القانون والدستور ناظمين للدولة نفسها وللمجتمع وللفرد.
هذا كله لن يكون إلا بتعاون جميع القوى السياسية وقوى المجتمع المدني، ومبادرات الخبراء الحقوقيين والمفكرين الوطنيين، على أرضية المصالحة الوطنية، وفي أفق التطور السلمي والديمقراطي، المتنافي مع قيادة أحادية، لأن لا حزب واحداً ولا قائد واحداً، يمكنه أن يقود البلاد، وما نحن فيه خير دليل وبرهان.
نحن بحاجة إلى قانون واحد ودستور واحد وعلم واحد، وفي كل واحد من هؤلاء يكون التعدد السوري حاضراً بروحه الحضارية الحديثة والغنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل