الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حواتمة في حوار مع فضائية -الاتجاه- العراقية

نايف حواتمة

2013 / 12 / 22
مقابلات و حوارات


برنامج "شهادات للتاريخ"
حاوره: د. حميد عبدالله
عمان - بغداد
أعزاءنا المشاهدين يسعدنا أن نرحب بالأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الأستاذ نايف حواتمة
س1- أستاذ حواتمة كنت أبرز الذين أَسسوا فرعاً لحركة القوميين العرب في العراق، هذه الحركة بدأت تنتشر وتتوسع بعد ثورة 14 تموز في العراق، كيف كانت الأجواء في ذاك الوقت وما الذي دفعك للذهاب إلى العراق وكان معتقدك الأساسي الدفاع عن القضية الفلسطينية؟
نحن جيل تربينا على الحس القومي صغاراً، قبل أن ندخل إلى المدرسة كنا ننشد (بلاد العرب أوطاني/ من الشام لبغدان/ ومن نجد إلى يمنٍ/ إلى مصر فتطوان)، التربية الوطنية والقومية عايشناها في أُسرنا وفي مدارسنا وكل حياتنا الاجتماعية، الثقافية والسياسية، لذلك دخلتُ الحياة النضالية من مواقع نضالية وطنية قومية وتقدمية بحثاً عن المصالح العربية والعدالة الإجتماعية، وليس من مواقع سياسية، في هذا السياق التاريخي ناضلت في العديد من الأقطار العربية المشرقية أنت ذكرت قسماً منها، وأَنا أضيف لها في عموم منطقة بلاد الشام (فلسطين، سوريا، لبنان، الأردن)، العراق، اليمن، وبلدان الخليج وكان لي أدواراً مميزة في منطقة الخليج، كذلك الحال في عدد من بلدان شمال إفريقيا كمصر وليبيا وبلدان أخرى، ولذا أقول في هذا المسار النضالي الوطني والقومي، قضايا التحرر والتقدم.
وصلت إلى بغداد بعد أن انتهت الحرب الأَهلية التي نشبت في لبنان، بالإدارة اللبنانية ممثلة بكميل شمعون الذي أراد أن يُدخل لبنان في مشروع إيزنهاور عام 58؛ وكنت قد غادرت عمان مشياً على الأقدام باتجاه الحدود الأردنية السورية، وقبل هذا ناضلت على الأراضي الأردنية وعلى الأراضي الفلسطينية، في ذلك الوقت الملك حسين قام بالانقلاب على الحكومة الوطنية الائتلافية، اقترح عليك والمشاهدين قراءة كتاب "حواتمة يتحدث"، كتاب محمد جمال باروت "حركة القوميين العرب.. النشأة، المسار، والمصائر"، هاني الهندي" حركة القوميين العرب.. أربعة أجزاء" وبهذه الكتب تجدون الوقائع والاسماء والأدوار لي ولغيري.
س2- في عام 58 ذهبت إلى بغداد وقد تسلمت مهام في بغداد الموصل والعراق الأَوسط: النجف، كربلاء، الحّلة...، وصولاً إلى البصرة جنوب العراق كيف تعاملت مع العراقيين في ذلك الوقت؟
عندما ذهبت إلى العراق بعد ثورة 14 تموز وتحديداً في آب وكانت الحرب الأهلية في لبنان قد وضعت أَوزارها، وغادرت شمال لبنان إلى دمشق ومن دمشق إلى بغداد؛ في ذلك السياق الزمني كان هناك نواة تحت عنوان "الشباب القومي العربي" من ابرز عناصرها باسل كبيسي، سلام احمد، زهير عطية، غازي قصاب في بغداد، وفي العراق الأوسط، عبد الله النصراوي، أمير الحلو وأخرين، وعند ذلك الوقت تحملت مسؤولية الحركة القومية.
كما تعلمون في العراق عموما وبغداد خصوصا كان كل من يعمل بالعمل القومي كان يطلق عليه قومي عربي وبالتالي هذه المنظمة التي وجدتها أمامي موروثة عن ما قبل 14 تموز 58 كان اسمها "الشباب القومي العربي"؛ وبذات الوقت فرع الشباب لحزب الاستقلال بزعامة صدِّيق شنشل كان اسمها أيضا منظمة "الشباب القومي العربي" ولذلك اختلطت الأمور، لذلك بادرت وتحملت المسؤولية، وهذا موجود في كتب منشورة كثيرة أطلقت تعبير حركة القوميين العرب لتمييز الحركة القومية عن بعضها بعضاً، وتوضيح تضاريسها، حزب البعث ينتمي للاتجاه القومي العربي، حزب الاستقلال ينتمي للاتجاه القومي العربي، والرابطة القومية، احزاب وشخصيات التيارات الناصرية...
س3- شعاركم انتم "حرية وحدة اشتراكيه" فرق فقط بالترتيب مع البعثيين لماذا لم تتحدوا في زمن كان عبد الكريم قاسم وكنتم تتهمونه بالشعوبية، وفي وقت كان المدّ الشيوعي يسيطر وله سطوة كبيرة على الشارع العراقي انتم فصائل قومية ليس هناك اختلاف بينكم من حيث الأهداف لماذا لم تتخندقوا في خندق واحد؟
هذه عملية تمثل امتداداً لكل ما كان قائماً، في كل بلدان المشرق العربي عدد من الأحزاب ذات الاتجاه القومي كما ذكرت حزب قومي عربي، "حزب بعث، استقلال، رابطة، ناصريين أحزاب وطنية تقدمية".. بطبيعة الحال جميعا كانت أحزاب ذات اتجاه قومي وأحزاب ناصرية أيضاً، وبالتالي هذه التضاريس المتعددة الجمع فيما بينها لم يكن ممكناً على قاعدة حزب مشترك واحد موحد، لأنها أحزاب تعددية، نحن بنينا جبهة وطنية مشتركة بعد 14 تموز بين الاتجاه القومي وبين اتجاه كان يعتبر ذو طبيعة أخرى.. وطني ديمقراطي (كامل الجادرجي وأخوانه)، شيوعي.. لكن هذه الجبهة لم تعش بعد 14 تموز نتيجة للصراع الذي نشب بين الاتجاه القومي الذي يريد أن يتجه العراق، بعد ولادة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، أي إلى الدولة الاتحادية، أي أَن تصبح هذه الدولة مثلثة الأقطار، وليس فقط مصر وسوريا بل تشمل العراق عندئذ بنينا معا جبهة قومية مشتركة، حركة القوميين العرب، حزب البعث، حزب الاستقلال، التيارات الناصرية، وكذلك الحال الرابطة القومية، جبهة قومية مشتركة ضد الدكتاتورية التي كان يجنح لها عبد الكريم قاسم ووضع العراقيل والحواجز بين ثورة 14 تموز وبين الجمهورية العربية المتحدة، وشعاره الشهير "الجمهورية العراقية الخالدة".
س4- أنت قلت دكتاتورية عبد الكريم قاسم لو قارنا بينها وبين دكتاتورية الحكام القوميين الذين جاؤوا بعده ، هل عبد الكريم قاسم أكثر دكتاتورية من جمال عبد الناصر أَو عبد السلام عارف أَو من صدام كمقارنة للتاريخ؟
نعم وبكل وضوح عبد الكريم قاسم ذو طبيعة وطنية عامة عريضة لم يكن ذا تكوين فكري وسياسي، وضحل في تكوينه السياسي وأَراد أَن ينفرد بالحكم، وبدون مشروع وبرنامج اقتصادي اجتماعي وسياسي محدّد وملموس، وبشعار قُطري انعزالي متصادم مع المشروع النهضوي القومي الوحدوي، التحرري والتقدمي الذي يقوده عبد الناصر حينذاك.
س5- هل انفرد فعلا، أستاذ نايف أنت قلت سابقاً إِن جمال عبد الناصر كان دكتاتوراً وبعد عبد الكريم قاسم جاء عبد السلام عارف وصدام لو قارناه مع هؤلاء أَيهم أكثر استبداداً في التاريخ؟
بكل وضوح الأكثر استبداداً بمعنى الانفراد بالسلطة والاستحواذ عليها لم يكن عبد الكريم قاسم فهو من موقعه العام ضد الإِقطاع ومن أَجل الإِصلاح الزراعي، لم يكن ذا طبيعة مكونة حتى يجنح نحو الاستبداد الكامل الشامل لذلك استعان باللعب بالصراع الذي كان ناشئاً بالعراق بين الحركة القومية والحركة الشيوعية، وهذا اللعب انتقل فيه عبد الكريم قاسم من اللقاء التحالفي التكتيكي مع الحركة الشيوعية العراقية إلى الانقلاب التكتيكي على هذا، وأيضاً الاقتراب التكتيكي من الحركة القومية.
هذا اللعب بين الجانبين من أَجل أن يؤصل أَكثر فأكثر حكمه الانفرادي والفردي وفعلياً انتهى إلى حال الدكتاتورية، بينما في زمن ائتلاف البعث الأَول مع عبد السلام عارف والبعث الثاني معه، الذي جنح إلى ذات الاتجاه من حيث محاولات الإِنفراد الكامل بالسلطة هو، وأيضاً نشأ بينه وبين البعث الأول صراع لأن البعث الأول يعتبر أَنه أحق بالسلطة والسلطان وأَن عبد السلام عارف جاء متأخرا بالعملية التي أطاحت بعبد الكريم قاسم. وكذلك حال البعث الثالث برئاسة صدام.
آليات السلطة والسلطان تراكمت وصولاً إلى أنظمة شمولية دكتاتورية، ولم تكن قد وصلت إلى ذلك زمن عهد قاسم القصير خمس سنوات والصراع يدور في الشارع العراقي على التوجهات الرئيسية في مسار ومصير ثورة 14 تموز 1958 إلى أين؟ وفي سياق ذلك الزمن كان قاسم أقل قمعاً، لم يصل حكمه إلى نظام شمولي دكتاتوري.
في تلك الفترة كنت في المعتقلات العراقية في المرحلة الأخيرة من حكم قاسم، وبعد اسابيع قليلة في حكم البعث الأول- عبد السلام عارف. وفيما بعد البعث الثاني أيضاً اختلف مع حلفائه، وداخل البعث الثاني حصل نزاع بين احمد حسن البكر وصدام حسين الذي كان نائبه ونظام صدام حسين كان الأَكثر استبداداً بين هذه العناصر التي توالت بعد 14 تموز .
س6- أنا اسأل هنا انتم حركة القوميين العرب قد قررتم الإِطاحة بعبد الكريم قاسم قبل البعثيين كانت هناك محاولة ولو على الورق؛ ويقال أن هناك من سرب هذه المعلومات عن حسن نيّة، أَيهما أَكثر مهارة في هذا العمل انتم أَم البعثيين ؟
علينا أن ندرك جيداً تلك الظروف.. نعم كان لدينا مخططاً من أَجل عملية الإطاحة بعبد الكريم قاسم، وكان البعث في ذلك الوقت لديه مخططه للإطاحة بعبد الكريم قاسم، والعملية الخاصة بنا هي عملية على يد قيادة حركة القوميين العرب في العراق ومجموعات من الضباط بعضهم أعضاء عندنا؛ مثل العميد عبد الكريم فرحان والعميد صبحي عبد الحميد وآخرين وبعضهم ليسوا أعضاء بحركتنا القومية.. في هذا السياق يبدو أن أخباراً قد تسربت ليس فقط من داخل بغداد وإنما من الخارج أيضاً.. لأني لاحظت ذلك مبكراً؛ على سبيل المثال مذكرات أكرم الحوراني بعد أَن توحد مع البعث وكان اسمه "الحزب العربي الاشتراكي" والبعث كان اسمه "البعث" بدون الاشتراكي يقول في مذكراته إِن ميشيل عفلق تسرب له الخبر وهو وصلاح الدين البيطار إِن حركة القوميين العرب لديهم عملية انقلابية ضد عبد الكريم قاسم فأرسل رسالة إلى بغداد قيادة حزب البعث يستعجلهم القيام بهذه العملية قبل أن تقوم على يد تحالف القوميين العرب والضباط القوميين، عفلق كان في دمشق ولذلك قلت أن الأخبار التي تسربت كانت متعددة؛ هناك أخبار تسربت من بغداد من عناصر التشكيل القومي الآخر.. أي عناصر مشاركة معنا .
س7- قيل أن احد قادتكم سرب الخبر ؟
هذا غير دقيق لأن المجموعة العسكرية عندنا جناح مستقل عن العمل الحزبي التنظيمي الجماهيري السياسي.. المجموعة العسكرية بعضها أعضاء عندنا بالحركة القومية وبعضها ليسوا أعضاء.. أي غير منظمين، في ذلك الوقت كانت الإشارة لعناصر من خارج المجموعات المنظمة كذلك الحال في الإطار التاريخي، في بغداد كل العمل السياسي بما فيه التحضيرات للانقلابات يجري تداولها بشكل شبه علني؛ ولذا ليس مستغربا أن يقع هذا فكيف وقعت بيد ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني الذين كانوا يعيشون في دمشق عن طريق عناصر أخرى، منها عناصر من حزب "البعث العراق" لذلك هم استعجلوا، قاموا بها ب8 شباط/ فبراير 63 بينما عمليتنا كانت 23 بنفس الشهر.
س8- أستاذ حواتمة عملية مثل هذه يفترض أن تكون بغاية السرية والتكتم كيف تسربت للآخرين الذين سربوها لعفلق والبيطار وأخرين؟
مرةً أخرى التسريب كان من عناصر في بغداد، كما ذكرت في بغداد كان بالمقاهي تجمعات يجلس بها قوميين عرب، استقلاليين وبعثيين وناصريين ومن تيارات ومنكل الاتجاه القومي ويتداولون بالأوضاع القائمة بالبلد، ومن ضمن التداول يجري تداول ما جرى بطريقة أو بأخرى لان العمل شبه علني في كل الميادين، وأَكثر من هذا كان شبه علني حتى في 8 شباط يوم نزلت الدبابات إلى شارع الرشيد باتجاه وزارة الدفاع في وضح النهار كما قلت لك أيضاً، أنا كنت في المعتقل نقلت من سجن بغداد المركزي بجوار وزارة الدفاع إلى سجن الأمن العام..، وعندها استدعيت مدير السجن عبد الجليل قلت له أنا أدرك بان ما يجري الآن لي علاقة به ولذلك عليك أن تطلق سراحي تحت المسؤولية؛ وعليه فك اسري الإنفرادي، وأخرجني إلى القاووش العام ووجدت أمامي فيه عشرات من الشيوعيين والبعثيين، بينهم علي صالح السعدي الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي حينذاك، وفي تلك اللحظة نشب حوار مباشر بيني وبينه كان يعلم أَني موجود في سجن الأمن العام بزنزانة منفردة بينما هو موجود بقاووش مع مجموعة من البعثيين والشيوعيين ونشب نقاش أمام الجميع، هو أيضا معتقل، لم يكن يعلم بلحظة العملية الانقلابية البعثية في تلك اللحظة، أنا كنت اعلم أَن عملنا في 23 شباط بينما هو لم يعلم أن العمل استقدم بدل أن يتأخر، وبشكل مبكر ل 8 شباط فكان يقول هذا العمل لكم أي للقوميين، بينما أنا كنت أقول له: "هذا العمل اعتقد انه لكم" لأنني كنت متيقن إن العملية الخاصة بنا هي ب 23 شباط، وعليه أيضا الحيت على ضرورة أن نخرج من المعتقل وعندها حررت نفسي بنفسي مع بعثيين، وفوراً أطلق سراحي والآخرين تحت انه يخشى من المسؤولية لأنني عندما كنت بالزنزانة قلت له لي علاقة بهذا العمل وبالتالي يجب أَن اخرج فوراً تحت طائلة المسؤولية عليك، وخرجت ومباشرةً علمت عندما وصلت إلى المكان الذي اقصد وبالتحديد منزل باسل كبيسي الذي سقط شهيداً فيما بعد بشوارع باريس، وقلت وأقول علمت إن هذه العملية هي للبعث جاؤوا بعبد السلام عارف من بيته لم يكن على علم مسبق بهذه العملية، ولم يتمكنوا من تجاهل رفاقنا في القيادة العسكرية فجاء العميد عبد الكريم الفرحان وزيراً، والعميد صبحي عبد الحميد وزيراً وانتقلنا وباسل الكبيسي مباشرة إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون لان القيادة العسكرية التي تدير العملية الانقلابية كان مقرها بالتلفزيون، وقبل أن يعدم عبد الكريم قاسم في اليوم الثاني، أنا لم أشاهد الإعدام بالعين إنما بالسمع بمعنى كنا هناك وهو حصل باليوم الثاني وسلم نفسه بذلك الوقت وكان معانداً إلا بلباسه العسكري والذي اجبره على ذلك كان شخص قريب جداً منا أَعرفه جيداً اترك اسمه الآن أنا لدي تقليد لا اذكر أسماء إلا إذا كنت قد بحثت معها كل هذه القضايا والتفاصيل، والاهم جاء عبد الكريم قاسم ومحاكمته بمبنى الإذاعة والتلفزيون وكان معه المهداوي والمحاكمة لم تدم إلا بضع دقائق سؤال من عبد السلام عارف وكان احمد حسن البكر موجود من الذي وضع بيان 14 تموز أَنت أَم أَنا لان عبد الكريم قاسم ادعى انه من وضع بيان الضباط الأحرار 58 .
س9- وأنت من خلال تجربتك السياسية هل تعتبر المحاكمة عادلة، يعني شخص يعدم على بيان.. هل كتبه ؟
هذه محاكمة ليست عادلة؛ وكل المحاكمات التي تجري بهذه الصيغة على يد أي كان ليست عادلة ومنها المحاكمات التي أجراها عبد الكريم قاسم لعبد السلام عارف لأَن المحاكمات كانت اقرب إلى الكوميديا منها إلى الدراما، شيء مضحك جداً؛ اعرفه وسمعته في ذلك الوقت، مثلا يسأل أشخاص بمحاكمات المهداوي أنت مررت بالكرخ؟ إذاً أنت مجرم يعني قومي.. ولذلك كانت المحاكمات تكتسب طبيعة هزلية، ومنها محاكمة عبد الكريم قاسم، وقبلها محاكمات عديدة منها عبد السلام عارف، ناظم الطبقجلي، رفعت الحاج سريّ وأخرين، كلها محاكمات خارج الحق والقانون وبالتالي في تلك الفترة المضطربة بعد ثورة 14 تموز58؛ كثير من الجرائم تمت باسم العدالة واسم المحاكمات وهي لا تحمل من صفة المحكمة العادلة القائمة على القانون شيئاً وكل هذا في حُمّى الصراع الدموي الذي نشب بين الحركة القومية والشيوعيين في ذلك الوقت، بعد أن عاشوا رفاق نضال ضد حكم نوري السعيد وحلف بغداد قبل ثورة 14 تموز 58 .
س10- لديك فكرة كيف قتل سلام عادل؟
لدي فكرة؛ في ذلك الوقت الشيوعيين أصدروا بياناً شهيراً معلوماً يدعوا إلى حمل السلاح ومقاومة الانقلاب البعثي الذي اخذ لاحقا اسم "بعثي عارفي" وبدأوا بعمليات عسكرية متعددة، فالحكم الجديد أي البعث الأَول وعبد السلام عارف أَصدروا بياناً علنياً دعوا فيه إلى تصفية الشيوعيين أينما كانوا.

س11- أيهما سبق بيان الشيوعيين أم البعثيين؟.
الذين حملوا السلاح ضد "الانقلابية العارفية" بادروا دفاعاً عن حكم عبد الكريم قاسم ونصرةً لحكمه، فالبعثيين أَو هذا الحكم المشترك اصدر بياناً دعا فيه إلى إبادة الشيوعيين أينما كانوا "دون محاكمات واعتقالات، نشب صراع دامي، وما ترتب على ذلك، وعلمت فيما بعد أي بالأيام الأولى جرت تصفية سلام عادل من خلال التعذيب، وهو من الذين صمدوا ولم يقدموا أي معلومات أبداً وأصرَّ على مواقفه ورفض الإِقرار بأي اسم من زملائه وكان هذا الموقف يحسب له ولا يحسب عليه .
س12- هل كان بالتعذيب علي صالح السعدي؟
ليس سلام عادل، علي صالح السعدي نعم شارك بالتعذيب فقد كان نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية.
س13- الشيوعيين يقولون أن علي صالح السعدي أَشرف شخصياً على التعذيب وهو من أَمر بتصفيته ؟
بتعذيب آخرين كما أصبح معلوماً لاحقاً، وأصيب فيما بعد بحالة من الاكتئاب وحالة إحباط، وخاصةً بعد أن جاء للحكم لأنه كما تعلم جاء كنائب لرئيس الوزراء ووزير الداخلية، وبدا سلسلة إجراءاته القمعية التي تجاوزت الشيوعيين وانتقلت إلى القوميين من الحركة والاستقلال والناصريين، أنا من الذين خرجوا في 8 شباط وبقيت خارج السجن فقط 27 يوم، أصدرنا صحيفة "الوحدة" السرية، إلى جريدة يومية علنية بامتياز باسل الكبيسي، وأَنا رئيس التحرير ولكن اسمي غير موجود على الجريدة ومسؤول عن الصفحة الأولى أي كل الصفحة السياسية وعن الافتتاحية فيها ومعظم الافتتاحيات صودرت بالرقابة على يد علي صالح السعدي، وبعد 27 يوم صدر قراراً بالبحث عني واعتقالي وإغلاق جريدة "الوحدة"، وحصل هذا وعلمت فيما بعد أي بعد أن أطيح بعلي صالح السعدي وجيء بغيره، والتقيت به بمناسبة معينة تشمل العديد من الشخصيات من إتجاهات متعددة وقال بلغة واضحة انه مصاب بحالة من الإِحباط مما وقع من إعدامات وأعمال دموية لأنه باللحظات الأَخيرة قبل الإطاحة به كان قد انتقل إلى عالم آخر، عالم فكري وسياسي تقرر في جناح في حزب البعث الاشتراكي، انتقل إلى أَفكار اشتراكية ملموسة لان حزب البعث لم يقدم ذلك، ماذا العمل عندما يصل حزب البعث إلى السلطة، فيما بعد أصيب بحالة مكتئبة كاملة، عندذاك قال أمام الجميع: أن مشاركته بالتعذيب أَدت به إلى كوابيس لا تنتهي لذلك أدمن فيما بعد على الكحول وكانت سبباً من أسباب رحيله المبكر..
س14- قلت انك اعتقلت بسبب جريدة الوحدة أين اعتقلت ؟
كنت مع زملاء، مع باسل كبيسي وسلام احمد في شارع المتنبي ليلاً، بعد أن انتهينا من عملنا بالجريدة وفي ذلك الوقت وأنا بالطريق توقفت سيارة عادية، وعرفت الوجوه ولم اعرف الأسماء لأنه في سجن بغداد المركزي كان هناك أعداداً كبيرة من ذوي الاتجاهات القومية المتعددة، لذلك كثير من القوميين والبعثيين، بعض البعثيين كانوا على علم بإلقاء القبض عليّ وهم الذين رفعوا السلاح فوراً ووقع ما وقع نقلت إلى موقع جديد لا اعرف الجغرافيا الخاصة به.
س15- هل تعرضت للتعذيب ؟
لا، ولكن تعرضت للعزل الكامل؛ وعندما وصلت الأخبار إلى زملائي وأصدقائي الذين ذكرت، ووصلت الأخبار أَيضاً إلى القاهرة إلى عبد الناصر تدخل شخصياً في هذا؛ كما علمت لاحقا..
س16- كيف تدخل عبد الناصر؟
اتصل بعبد السلام عارف وحثت اتصالات عبد الناصر الحكم الجديد، وأقصد بذلك عبد السلام عارف واحمد حسن البكر.
س17- ما هي التهمة التي اعتقلت بسببها؟
لا يوجد أي تهمة ولم يوجه إلى أي اتهام إطلاقاً ولم يحقق معي، الأوامر اعتقال وإبعاد.
س18- يعني هو احتجاز وليس سجن؟ وكم بقيت؟
هو معتقل، لم يدم ذلك أيام طويلة، فيما بعد تم إبعادي إلى القاهرة، علمت من دمشق أن ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، اتصلوا بالبعثيين العراقيين أن الوضع بسوريا لا يحتمل اعتقال هذا الرجل، ولذلك يجب الإفراج عنه حتى لا نجد أنفسنا بمشاكل، لأن البعث السوري في ذلك الوقت كان يحضّر نفسه أيضاً لعملية انقلابية عسكرية بالتعاون مع شركاء منهم قوميين ناصريين، لؤي الأتاسي على سبيل المثال كان الوجه الأول بالعملية الانقلابية التي تمت بـ 8 آذار 63، وبالتالي هذه الاتصالات أدت إلى إطلاق سراحي بشكل مباشر؛ لأنه لا يوجد تهمة سوى انه رجل عروبي قومي؛ رجل تقدمي، رجل ديمقراطي، والجريدة أخذت منحى وطني وقومي وديمقراطي، وطالبت بقضايا كثيرة وحذرت بواحدة من الافتتاحيات من الدكتاتورية أن تعود من جديد إلى البلاد، كما دعت في إحدى الافتتاحيات من ضرورة الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجمهورية العربية المتحدة للبحث بصيغة اتحادية لاتحاد ثلاثي مصر، سوريا، العراق.
س19- على ذكر ميشيل عفلق هل التقيت به؟
نعم بدمشق وليس ببغداد.
س20- كيف رأيت شخصية عفلق؟ وهل هو منظر فعلاً، وبالمقارنة بينه وبين عبد الناصر الذي كان رمز القوميين في تلك الفترة.. ما الفروقات؟
علينا أن نأخذ الأمور بسياقها الزمني، كان لعموم الاتجاه القومي ثقافته الديمقراطية والتقدمية، ومحتوى الاتجاه القومي لاتجاهات يسارية، تستجيب لمصالح الشعب بأغلبيته الساحقة بأي بلد عربي. وكانت متواضعة جداً، عليك مثلاً أن تعود إلى الكتابات التي صدرت بحكم البعث الأول مثلاً هاني الفكيكي يقول في كتابه "أفكار الهزيمة "التجربة المرّة في حزب البعث"، كنا نرسل الرسائل تلو الرسائل إلى الأساتذة، يقصد بذلك ويسمهم ميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار، وأكرم الحوراني، نريد أجوبة على القضايا التالية ماذا نعمل بعد أن وصلنا إلى الحكم؟ ماذا نعمل بالاقتصاد؟ ماذا نعمل بالاجتماع؟ ولم يأتِ أي جواب على ذلك؟ نفسر ذلك بان هذا الاتجاه القومي لم يكن يحمل مضموناً تجاه القومي، وبالوقت الذي يوجد به تجربة مقابلة هي تجربة عبد الناصر الذي وصل إلى الحكم وأعطى مضموناً للاتجاه القومي، مضموناً اجتماعياً، اقتصادياً، سياسياً، بسلسلة هائلة من التحولات بعد أن جاء عبد الناصر عام 52، بعد أشهر قليلة أصدر قانون الإصلاح الزراعي على سبيل المثال.. تأميم قناة السويس، تمصير الإقتصاد المصري، إلغاء اتفاقية الجلاء مع بريطانيا، اعطاء السودان حق الاستقلال عن الوصاية البريطانية – المصرية...الخ.
س21- على مستوى الفكر عبد الناصر لا يملك إلا كتاب "فلسفة الثورة"، ومن يطلع عليه لا يجد فيه أمور فكرية، على الأقل كتب ميشيل عفلق فيها أفكار؟
هل قرأت كتب للأستاذ مشيل عفلق فيها أفكار؟
عبد الناصر تعلم من التجريبية، وصل إلى الحكم ولم يكن يملك إلا عدداً من المبادئ العامة؛ تصفية الإقطاع، تصفية سيطرة رأس المال على الحكم، تمصير الاقتصاد المصري، بناء جيش وطني، أفكار عامة، وبهذه الأفكار خطا خطوته الأولى وفتح على عالم واسع، وفي التجريب انتقل من موقع إلى موقع وكان من الذين يجيدون القراءة جيداً ولساعات طويلة في اليوم الواحد، مما نمّا عنده ثقافة متقدمة بتسارع، يكشف عن هذه الثقافة على سبيل المثال.. وثائق المباحثات من أَجل الوحدة الثلاثية، التي نشأت بعد نشوء حكم البعث الأول وعبد السلام عارف، ومنها مناقشات وماذا قال فلان...الخ من البعث الأول ومن البعث السوري..
س22- الثقافة ليست بمحاضر اجتماعات، الثقافة بكتب، الثقافة بتنظيرات عبد الناصر؛ لديه كتاب واحد هو "فلسفة الثورة"، في حين عفلق لديه عشرات الكتب بصرف النظر عن رأيي، نحن نتحدث بشكل عام، لو أردت أن أسألك، لو أردنا أن نتلمس فلسفة الفكر العربي، أين تجدها، لدى عبد الناصر أم لدى ميشيل عفلق؟
الامتياز الذي حققه عبد الناصر في هذا المجال؛ أَنه جمع بين المعرفة المحدودة وتطورها بالطريق التجريبي وبين الممارسة العملية بما عليه أن يعمله كما بهذه الحالة، بينما البعث لم يكن يملك هذا لا بالعراق ولا بسوريا عندما جاء إلى الحكم، وبدأ بالطريق التجريبي ولم يعط اهتماماً بهذه المضامين، عبد الناصر نأخذه ليس فقط بوثيقة "فلسفة الثورة" ولكن نأخذه أيضاً بوثيقة 1962 التي سميت بالميثاق الوطني، ثم نأخذه بوثيقة 68 التي سميت بوثيقة 30آذار، تقدم جداً بهذا الطريق التجريبي ووصل إلى مرحلة من النضج، لكنها متأخرة، ورحل سريعاً عام 70، حزب البعث من الأحزاب القومية التي لم تقدم مضموناً من تجربتها للحكم؛ ميشيل عفلق لديه عدد من الكتيبات المحدودة، وبالتالي مثقف بمعنى امتلاك ثقافة قومية بضرورة جمع الأمة العربية مستفيداً من قراءاته القومية، أو حول الحركة القومية في أوروبا، لأنه درس وعاش فترة معينة في باريس، كذلك الحال صلاح الدين بيطار، ورغم ذلك مَنْ ادخل الفكر الاشتراكي لحزب البعث ليس ميشيل عفلق ولا البيطار، بل أكرم الحوراني تحديداً عندما توحدوا في حزب واحد، وبرغم التوحد لم تنتهِ الخلافات فيما بينهم حول المضمون للحكم القومي، يجب أن يكون حكماً جدّياً اشتراكياً وبخطوات في مفترقها تصفية الإقطاع، ففي حكم البعث السوري الأول بالتحالف مع الناصريين، لؤي الاتاسي والآخرين لم يقم بعملية الإصلاح الزراعي، الإصلاح الزراعي قام به قبلهم بسنوات عبر الناصر بعد الوحدة مع سوريا، أما حتى عام 58 حزب البعث كان قوة نافذة داخل البرلمان وقوة نافذة أوسع داخل الجماهير في سوريا، ومع ذلك لم يستطع أن يمرر قانون تصفية الإقطاع والإصلاح الزراعي لا هو ولا حلفاءه.
س23- ما هو السبب الذي أدى إلى انشقاق حركة القوميين العرب في العراق؟
حركة القوميين العرب بالوقائع العملية التي يجب أن نأخذها لم تنشق بل تطورات من موقع إلى موقع في مجرى هذا النضال. وأشرت في سياق هذا الحوار إلى مراجعة الكتب التي تناولت المسار والتاريخ بالوقائع والتحولات والأسماء والمصائر في هذا البلد العربي وذاك.
س24- انشقت وخرج منها بعض القادة، حامد الجبوري وآخرين؟
اكرر لم تنشق بهذا الميدان وعندما تمت المحاولة الأولى لعدد من الأشخاص 4 أو 5 ليضعوا اليد على حركة القوميين العرب كنت ببغداد، وفشلت بنفس الساعات، كان على رأس هذه المحاولة حامد الجبوري ولكن فيما بعد وتحديداً بعد عام 63 حامد الجبوري استذكر جذوره البعثية وعلى ذلك خرج من حركة القوميين العرب إلى حزب البعث واصبح وزيراً في حكومات البعث، وبعد سنوات طويلة عندما أقصي عن كونه سفيراً لبغداد في تونس وانتقل إلى لندن جرت معه حوارات بجريدة الحياة، أنكر انه كان بحركة القوميين العرب وأكد انه بعثي وجذوره بعثية أي عاد إلى الجذور، الذي حصل بمجموع حركة القوميين العرب شيء آخر، الذي حصل هو سلسلة من عمليات التطور الفكرية والإيديولوجية والسياسية والثقافية لتعطي للحركة القومية مضموناً جديداً، مضموناً تقدمياً اجتماعياً وفكرياً، مضموناً ديمقراطياً بالتعددية الحزبية وبالتعددية الإيديولوجية بالحركة القومية والحركة الوطنية العربية، ومضموناً اجتماعياً في صالح الشعب، خاصةً أن تجربة عبد الناصر بالتحديد خطت خطوات واسعة بهذا الاتجاه، أيضاً في ذلك الوقت كان هناك حركة نهوض كبير للحركة اليسارية العربية بدءاً من عام 56–61، تعاظم بعد 67-68..، كل هذا أثر على القيادات الشابة التي تنتمي إلى حركة القوميين العرب، لم نكن بالصف الأول بالبداية، كنا بالصف الثاني أو الثالث أو الرابع، نايف حواتمة، محسن إبراهيم، محمد كشلي كانوا بالصف الثاني، عبد الإله النصراوي وأمير الحلو وآخرين في العراق كانوا بالثالث، عبد الفتاح اسماعيل، سالم ربيع علي، سلطان عمر وآخرين في اليمن جنوباً وشمالاً..، هؤلاء الشبان هم من قادوا عملية التطوير والتغيير باتجاه إكساب الحركة القومية مضموناً ديمقراطياً وتقدمياً. ومن جديد اقترح على المشاهد والقارئ مراجعة الكتب لتي اشرت لها بشأن هذه التحولات الكبرى التاريخية.
س25- أنا أتحدث عن القاعدة الجماهيرية، لو قارنا القاعدة الجماهيرية لحزب البعث بالقاعدة الجماهيرية للقوميين العرب في العراق، أنتم لم تصل قاعدتكم إلى بضعة آلاف.. أما البعثيون عشرات الآلاف، صحيح أم لا؟ هنا المقارنة بالميدان؟
هذه المقارنة مقبولة كما تفضلتم لأن حزب البعث الذي بدأ بعمله من عام 43، في مساره أعطى شعارات تقدمية، حمل شعار وحدة حرية اشتراكية وأعطى مضموناً تقدمياً عاماً أنه إذا جاء للحكم سيحكم بمضمون تقدمي ومضمون اشتراكي ومضمون ديمقراطي تعددي، لأنه عاش بالتجربة التعددية التي كانت بسوريا والعراق، وحتى بالأردن وفلسطين كان له نفوذ أكبر، بينما "الشباب القومي العربي" الذين أخذوا عنوان حركة القوميين العرب فقط بعد 58، هم بدأوا عام 50 بعد النكبة الوطنية والقومية الكبرى في فلسطين، بدأوا من عام 50 إلى 58، راجع هنا: كتبا "حواتمة يتحدث.." وكتاب "حركة القوميين العرب: النشأة والتطور والمسار والمصائر" لمحمد جمال باروت وراجع أيضاً "حركة القوميين العرب" صدر 4 أجزاء وقام بتحريرها والإشراف عليها هاني الهندي، شخصية بارزة من العناصر الأولى للشباب القومي العربي وعبد الإله النصراوي، لهذه الأجزاء الأربعة؛ وذكر الأرقام أيضاً وجمال باروت ذكر الأرقام. في ذلك الوقت 8 سنوات كاملة، بقيت مجموعات الشباب القومي العربي مجموعات قليلة نخبوية محدودة تقدر بالعشرات، وفقط بالساحة الأردنية الفلسطينية أصبحت بعدة مئات، هذا حتى عام 58، بعد 58 والتطورات التي وقعت على يد القوى الشابة الفتيّة وأيضاً على التجاور بين حركة القوميين العرب التي أخذت هذا العنوان في كل الفروع الأخرى بعد أن صدر في بغداد، وتجاوره مع الحركة الناصرية واكتسبت نفوذاً واسعاً بفعل التجاور مع الناصرية؛ وبالتالي هذه التحولات أدت إلى الاستقلالات لكل فرع من الفروع حتى يعالج قضايا البلد الذي هو به..
أما بالسياق الزمني بين 58 و63، وما قلته أنت صحيح، البعث كان بعشرات الآلاف في سوريا والعراق وإِلى حدٍ ما في الساحة الفلسطينية- الأردنية بينما الشباب القومي العربي بالعشرات وبالأقصى بالمئات، بينما بدأ يكتسب نفوذاً جماهيرياً بعد عام 58،59..
س26 ـ هاهي علاقتكم بعبد الناصر؟ هل كان مرجعكم السياسي، هل كان المرجع الفكري؟ هل كان البوصلة؟
في ذلك الوقت لم تكن هناك علاقة مباشرة بين الاتجاه التقدمي والديمقراطي الثوري الذي تمثله القوى الشابة بحركة القوميين العرب، من بغداد إلى دمشق إلى الساحة الفلسطينية- الأردنية إلى لبنان، والساحات الأخرى، لم يكن لدينا في ذلك الوقت علاقات مباشرة، العلاقة معه كانت بين الجيل السابق على هذه التحولات الثورية، الفكرية والاجتماعية وواحد من العناصر الفتّية, أقصد كانت بين هاني الهندي، جورج حبش، ومن العناصر الفتية بصفوفنا محسن إبراهيم، وبالتالي العلاقة متأثرة بسلسلة المبادرات التي اتخذها عبد الناصر في الإطار الوطني والقومي والإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أما المرجعية لم يكن يوجد هناك مرجعية محددة ولذلك نشب الصراع داخل حركة القوميين العرب، بين الاتجاه التقدمي واليساري الديمقراطي وبين الاتجاه القومي الوطني، أي التقليدي الكلاسيكي، كما في الأدبيات الفكرية السياسية بالعالم العربي، وبالتالي هذا الصراع الذي نشب بين جناحين فرض نفسه مما أدى إلى سلسلة الاستقلالات:
• استقل الفرع في جنوب اليمن تحت مسمى الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن.
• استقل الفرع في شمال اليمن تحت مسمى الحزب الديمقراطي الثوري.
• استقل الفرع في العراق تحت عنوان الحركة الاشتراكية العربية..
• استقلت فروع الخليج تحت عناوين متعددة، الجبهة الشعبية لتحرير الخليج وعمان؛ ثم أصبحت لتحرير عمان، بالكويت "حزب الشعب" و"التجمع الديمقراطي"، بلبنان حركة الاشتراكيين اللبنانيين وفيما بعد اتحدت مع قوة اشتراكية أخرى، أصبح اسمها "منظمة العمل الشيوعي"، في فلسطين شكلنا بعد هزيمة 67 وبالتحديد عام 68 إئتلاف الجبهة الشعبية من ائتلاف رباعي، الجناحين الموجودين بحركة القوميين العرب الفلسطيني الأردني، الجناح الديمقراطي الثوري اليساري والجناح القومي الكلاسيكي وجبهة التحرير الفلسطينية بزعامة أحمد جبريل الذي كان أول من غادر إئتلاف الجبهة الشعبية، والمجموعة الرابعة فلسطين العربية برئاسة العقيد أحمد زعرور الذي كان ثاني المغادرين للائتلاف، وفيما بعد دخلت منظمة فتح، وفي ذلك الوقت قدمت للمؤتمر العام للجناحين برنامج سميّ "برنامج آب" عام 68، لأنه قدم للمؤتمر الذي انعقد بآب 68 وفيه تمت المصادقة بأغلبية ساحقة، عندما جئنا بانتخابات، انتخابات لجنة مركزية وانتخابات مكتب سياسي، كانت الأغلبية بيد الجناح القومي اليساري الديمقراطي الجناح القومي اليساري، عندئذٍ؛ كنا بقاعدة عسكرية، طوقت هذه القاعدة؛ ورُفِضَت هذه النتائج على يد الجناح القومي الكلاسيكي؛ وكانت النتيجة أما صراع دامٍ أو تسوية سياسية مؤقتة؛ تمت تسوية سياسية مؤقتة بمعنى أقرَّ "برنامج آب"، ولم يبقَ المكتب السياسي إياه، وشُكِّل من الاتجاه الآخر تحت ضغط السلاح من الاتجاه القومي الكلاسيكي وفقط كنت من الجناح الديمقراطي الثوري، الجناح اليساري على أساس أن ينعقد مؤتمر بالإنتخاب من القاعدة للقمة خلال 3 أشهر؛ خلالها لم يقع بل وقعت سلسلة من التصفيات بالعنف وبالقوة والاعتقالات وبعضها أخذ أشكالاً دامية..
نتواصل في حلقة أخرى من شهادات للتاريخ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران