الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل خيارات الشعوب دائما صائبة ؟!

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2013 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة حراكات شعبية واسعة النطاق، كان لها تأثيرا حاسما على تغيير مجرى الأحداث، وصناعة تاريخ جديد للمنطقة، لدرجة أنه يمكن القول بأن عصر الجماهير الشعبية قد عاد بقوة، ومعه أعيد الاعتبار لدورها ولإرادتها الحرة. لكن هذه الحراكات الشعبية لم تكن على شاكلة واحدة، ولا يمكن القول أنها جميعا كانت بنفس الاتجاه؛ حيث أتت نتائجها متباينة، ولم تكن إيجابية في جميع الأحوال، ومن ناحية ثانية، كان للإعلام وللمثقفين وللطلائع الثورية أدوارا هامة، لكن بمستويات وتأثيرات أيضا مختلفة .. فهل يصح القول بأن الجماهير دوما على حق ؟ هل هناك جماهير مضللة ؟ وجماهير واعية ؟

الجماهير عبارة عن مجموع أفراد، وبالتالي فإن وعي الجماهير هو محصلة وعي الأفراد، وبالعكس صحيح، حيث تؤثر هذه الجماهير في صياغة وعي الفرد وإعادة تشكيله وفقا لمفاهيمها وقيمها. ولكن الفرد هو إنسان يخضع لنزواته وضعفه بالضرورة، وإذا كان معظم الأفراد ذوو تعليم متدني وأفق محدود، فإن ذلك سينعكس مباشرة على الوعي الجمعي. وفي كثير من الأحيان يذوب الفرد ضمن المجموعة، ويفقد ذاتيته وتفرده، ويتصرف وفق نمط جمعي لا شعوري، حتى لو كان هذا الفرد يتمتع بذكاء وتعليم عالي؛ إلا أنه سيتنازل عن ذكائه وسيتصرف تماما كما تتصرف جموع الدهماء .

تصف الأنتلجنسيا الجماهير عادة بالدهماء أو بالغوغاء، أما النخب الحاكمة فلا تأخذ مطالب شعوبها على محمل الجد .. ولكن هذه الجماهير الشعبية التي وُصفت بالدهماء تصبح فجأة ذات إرادة حرة، عندما تخرج مرغمة لتحية الزعيم ! وتصبح واعية عندما تلتقي مواقفها مع آراء المنظرين !

المعارَضة تعتبر الشعب مضَللاً، عندما لا يكون في صفها، وتعتبره ذكيا عندما يصدّقها ! المعارَضة تستطيع أن تسفّه تحليل أي خبير أو عالِم لا يروقها، وأن تجعل من جملة مكتوبة على كرتونة بخط رديء وأخطاء إملائية وصياغة ركيكة أن تجعلها قمة الحكمة، لأنها وافقت أهوائهم، وبحجة أن حاملها متظاهر في الشارع !

الحكومة والمعارضة عادة ما يكونا على طرفي نقيض، والشعب غالبا مغيب، أو هو مجرد مرجعية افتراضية لطرفي الصراع، الحكومة اعتادت أن تصف المعارضة بأن لها أجندات أجنبية، المعارضة لا تعتبر نفسها وطنية إلا إذا كانت معارضة صاخبة، يعني عليها دوما أن تذم الحكومة مهما كان برنامجها ! ولا يمكن لها أن تتخيل أن يكون الشعب والحكومة في صف واحد !

الشعوب لها كل الحق في حرية التعبير، والتظاهر والاعتصام، ولا جدال في ذلك، لكن بعض المتظاهرين يبدؤون بتخريب الممتلكات العامة، لأنهم لا يشعرون أنها تخصهم، وهناك حالة عداء مستفحل وانعدام ثقة تجاه الحكومات تسكن في العقل الباطني للشعوب العربية.

الثوريون يرفضون مقولة أن هناك شعب غبي، أو جماهير مضللة، ويراهنون دوما على الوعي الشعبي، وفي العادة لا يخيب رهانهم. ولكن التاريخ يخبرنا أيضا عن سقطات تاريخية وقعت فيها الشعوب، وكان خيارها فيها خاطئا.

الشعوب الحية تتقدم على قيادتها، ولكنها تظل بحاجة إلى قيادة، الشعوب صادقة في توجهها، وحساسة في إدراك مصالحها، ولكنها بدون توجيه قد تفقد البوصلة. التاريخ يعطينا أمثلة عن شعوب انقرضت، وصارت ذكرى.

الشعوب مسكونة بهاجس الخوف من تغيير الموروث، لذلك هي بحاجة إلى طلائع تثور على القديم، لتتقدم، أحيانا تكون هذه الطلائع مبهورة بنماذج الغرب أو مستلبة فكريا، أو لها رؤى بعيدة المدى، لذلك ستكون بحاجة إلى محافظين يشدونها إلى جذورها، حتى لا تقتلعها الريح.

الشعوب في المِحَـن والهزّات تنزل إلى الشارع .. الشعوب تغضب، وتثور، وأحيانا تفقد أعصابها؛ لأنها كما ذكرنا مجموعة من الأفراد، ولكل فرد منهم وجهة نظر، وقد تملك آرائهم قوة ديكتاتورية الرأي العام. الإعلام في هذه المرحلة يصبح أداة خطيرة، وأحيانا يلعب دور المهرج والمحرض، بعض الإعلاميين يبرزون في هذه المراحل؛ لأنها توفر لهم الفرصة الأخيرة.

ليس الإعلاميون وحدهم من ينتظر مثل هذه الفرصة السانحة؛ هناك قادة مغمورون، حزبيون، محللون سياسيون، خبراء اقتصاد، رجال دين، طائفيون، تجار ... كلهم سيملئون الوادي صراخا. وقد وفرت لهم ثورة المعلومات والاتصالات أكثر مما كانوا يحلمون به: قنوات فضائية، فيسبوك، يوتيوب ...

بعض المشايخ لم يكتف بأعداد مريديه في حلقته الصغيرة؛ فاستخدم اليوتيوب، وحتى يزيد أعداد المتابعين والمعجبين، لم يكن أمامه سوى زيادة جرعات التعصب والطائفية !! بعض المحللين وقعوا في فخ عدد اللايكات على صفحاتهم في الفيسبوك، وحتى يزيدوها صاروا محرضين شعبويين !! بعض المفكرين أعجبتهم صورهم على الشاشة، فتحولوا إلى ممثلين ! بعض الكتّاب بات همهم إرضاء جمهورهم، فصاروا ينشرون الجهل والتجهيل.

هؤلاء من المفترض أنهم الطليعة والقيادة والبوصلة، لكنهم من فرط نرجسيتهم، صاروا مهرجين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية