الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى ميلاده ... غيفارا رمز لايموت

ماجدة تامر

2005 / 6 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يصادف الرابع عشر من حزيران ذكرى ميلاد المناضل" أرنستو غيفارا " .
ذلك الثوري الأرجنتيني الذي حول الحلم إلى واقع فتحول بذلك إلى رمز للبطولة والتضحية، حيث جمع بين الفكر الأيديولوجي النظري والفعل الثوري- المثالي العملي.
إن رفضه الانصياع لأية مؤسسة إمبريالية واحتقاره للسياسات الانتهازية وإخلاصه التام للمبادئ الثورية التي تبني الإنسان قبل كل شيء جعله محط أنظار الجميع حيث اجتذب قطاعات واسعة من الشباب الرافض للظلم والاستعباد في مختلف أنحاء العالم وذلك في الستينات وبداية السبعينات من القرن المنصرم.
لم تغره السلطة ولم يفسده المنصب وهو الذي ترك كرسي الوزارة في كوبا مودعاً رفيق دربه "فيديل كاسترو" لينطلق نحو استكمال مهمته الإنسانية في أنحاء مختلفة من أمريكا اللاتينية.
لقد كان انعكاساً لتجربة لا يمكن للمرء - حتى وإن اختلف معها جزئياً - إلا وأن ينحني أمامها إجلالاً.
ولد "غيفارا" في الرابع عشر من حزيران عام 1928 في مدينة "روزاريو" في الأرجنتين، وفي الثانية من عمره أصيب بمرض الربو - ليعاني منه فيما بعد طيلة فترة حياته- فانتقلت أسرته إلى ضاحية "ألتا غارسيا" في مدينة قرطبة التي تتمتع بمناخ جاف نسبياً.
كان ينتمي إلى أسرة من طبقة رفيعة وثرية، فقد حظي بتعليم متميز واستثنائي، وبدل أن يتحول إلى رجل ثروة تحول إلى رجل ثورة.
تلقى معظم تعليمه الابتدائي على يد والدته "سليا دي لاسيرنا" وشجعته مكتبة والده النوعية على الإطلاع، فقرأ بنهم كبير أعمال ماركس وهيغل وأنغلز وفرويد وغيرهم، وغدا ذا ثقافة واسعة حتى قبل أن يلتحق بالمدرسة الثانوية عام 1941.
لقد تعاطفت أسرته مع لاجئي الحرب الأهلية الإسبانية وتأثرت بالسلسلة الطويلة من الأزمات السياسية الخانقة في الأرجنتين، التي بلغت ذروتها آنذاك باعتلاء الديكتاتورية الفاشية السلطة.
هذه الأحداث وغيرها جعلت الشاب غيفارا يضمر احتقاراً شديداً للتمثيلية البرلمانية المفبركة آنذاك ولم يخفِ كراهيته إزاء السياسيين الرأسماليين وفوق كل شيء الإمبريالية الأمريكية والدولار الأمريكي.
ورغم أن والديه - وتحديداً والدته - كانا ناشطين معارضين للديكتاتورية الفاشية في الأرجنتين، إلا أنه لم يشارك في أي مظاهرة طلابية كما لم يظهر اهتماماً ملحوظاً بالسياسة في جامعة "بيونس آيريس" حيث درس الطب من عام 1947 وحتى 1953، لكن في العام 1949 قام غيفارا بأولى رحلاته الطويلة مستكشفاً شمالي الأرجنتين على متن دراجة، إلا أن الواقع المر صدمه واكتشف الوجه الحقيقي والبشع لأمريكا اللاتينية.
حيث الفقر المدقع والفساد والانتهاكات اللاإنسانية وأدرك الشاب المثقف الذي بدأت بذور الثورة تتضح معالمها في شخصيته بأن الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة هي السبب الرئيسي وراء حرمان شعوب العالم الثالث من حياة كريمة، فازدادت نقمته على كل ماله علاقة بأمريكا أو ناجم عنها.
في عام 1951 وبعد أن أنهى امتحاناته قبل النهائية في كلية الطب قام غيفارا برحلة أطول وبرفقته أحد أصدقائه، جاب خلالها مختلف دول أمريكا اللاتينية وعمل في وظائف متفرقة لكسب العيش، فزار جنوبي الأرجنتين وتشيلي ثم كولومبيا وفنزويلا وميامي، ثم عاد إلى بيونس آيريس واثقاً بشيء واحد ألا وهو أنه لا يريد أن ينتهي به الحال إلى موظف حكومي من الطبقة الوسطى حتى لا يبتعد عن الناس أو يفقد شعوره بالشعوب المضطهدة.
يعتبر عام 1953 بالنسبة لغيفارا نقطة تحول كبيرة في حياته النضالية مستهلاً به حقبة جديدة من التفكير والممارسة السياسيين.
حيث اتخذ قرار "الثورة" وهو القرار الذي سيحول الشاب غيفارا إلى الرفيق النموذجي بالنسبة لملايين الشباب في العالم الطامحين إلى اجتراح التغيير بطرق راديكالية.
فبعد أن نال شهادة الطب انطلق إلى "بوليفيا" ومن هناك إلى غواتيمالا ثم توجه في العام 1954 إلى المكسيك حيث عين طبيباً في المشفى العام بمدينة "مكسيكو ستي" وسرعان ما لحقت به صديقته "هيلدا غاديا" وأحد أصدقاء كاسترو.
وتشاء الأقدار أن يلتقي الثوري غيفارا برجل المبادئ النضالية "فيديل كاسترو" الذي كان آنذاك قد فشل في الإطاحة بنظام حكم الديكتاتور "باتيستا" في كوبا، عندها انضم غيفارا إلى مقاتلي كاسترو وأتباعه في المزرعة التي كان الثوار الكوبيون يتلقون فيها تدريباً عسكرياً صارماً في حرب العصابات تحت إشراف "ألبير تو بايو" أحد قادة الجيش الجمهوري الإسباني، وأصبح غيفارا الذي بات يلقب بـ" تشي" وهي كلمة إيطالية تعني الرفيق تلميذه البار.
عام 1957 عين "تشي غيفارا" قائداً حيث تولى تدريب وتثقيف قوة مؤلفة من 230 رجلاً، وشارك معهم في العديد من الهجمات والغزوات إلى أن نجحوا أخيراً في الاستيلاء على مدينة "سانتا كلارا" حيث هرب الرئيس "باتيستا" وفي حوزته 30 مليون دولار، ونجحت الثورة أخيراً وأصبح غيفارا الرجل الثاني في حكومة كوبا بعد كاسترو.
واعتمد عليه كاسترو في العديد في العديد من المناصب الرسمية.
إلا أن غيفارا عندما قام بجولة في آسيا وأوروبا وجد في الحرب الفيتنامية مثالاً حيا على أن مهمته لم تنته بعد وأن الثورة يجب أن تستمر ولكن كيف ومن أين يبدأ؟
وجاء الجواب من الحزب الشيوعي البوليفي الذي أرسل إليه يطلب مساعدته، ووجد غيفارا في هذا الطلب فرصته لتصدير الثورة إلى الدول المجاورة.
فتوجه إلى بوليفيا متخفياً وبجواز سفر مزور حيث وجد هناك في انتظاره ثوريين من كوبا وبوليفيا والبيرو والأرجنتين، ولقد اختار التوجه إلى بوليفيا أولاً دون غيرها لأسباب لا تحتمل التأجيل، أهمها تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فيها وتفشي الفساد لدرجة جعلت معظم البوليفيين يفضلون الحل الثوري الذي يطيح بالأنظمة الجائرة إلى جانب حقيقة أن بوليفيا تشترك في حدودها مع خمس دول أخرى مما يجعل إمكانية انتشار الثورة في هذه الدول أمراً وارداً وسهلاً في حال نجاح الثورة البوليفية.
ورغم الضربات الموجعة التي ألحقها غيفارا وقواته بالجيش البوليفي الموالي للنظام العسكري الحاكم، إلا أنه سرعان ما بدأ مسلسل الفشل يحاصر الثوار، ولقد تزامن ذلك مع انحسار الدعم المطلوب، وعدم تمكن كاسترو من إرسال الأسلحة من كوبا، وبعد أسابيع من انقطاع المعونات عن غيفارا وفقدان الاتصال بـ "هافانا" بدأ ميزان القوى يميل لصلاح الجيش البوليفي.
وفي معركة يائسة وكانت الأخيرة بين ثلة من الثوار المنهكين والمستنزفين مع أعداد كبيرة من عناصر القوات الأمريكية الخاصة والجيش البوليفي، أبيدت معظم كتيبة غيفارا وألقي القبض عليه وعلى من تبقى من رجاله وذلك في الثامن من تشرين الأول من عام 1967.
لقد كتب " تشي غيفارا" إلى صديقه ذات مرة يقول: "إن أحلامي لا تعرف حدوداً وسوف يتواصل النضال إلى أن تقول الرصاصات عكس ذلك".
وجاء قرار إعدامه من قائد القوات البوليفية وأحد عملاء الاستخبارات الأمريكية CIA وهو "ماريو تيران" الذي كان يلاحق غيفارا لتصفيته جسدياً.
وعندما علم غيفارا بموعد إعدامه استقبل الموت استقبال الأبطال والشهداء وقال للرجل الذي شاهده يقترب منه شاهراً مسدسه جملته الشهيرة: "إذا أردت أن تقتل رجلاً ، صوب نحو هدفك مباشرة".
فأفرغ "تيران" عدة رصاصات في جسد غيفارا ثم جاءت الرصاصة الأخيرة التي اخترقت أعلى الصدر لتضع حداً لحياته وكان ذلك في بداية عام 1968.
ومات غيفار ولم يتجاوز الـ39 عاماً إلا أنه بقي حياً في ذاكرة الشعوب، إنه لم يذهب دون ثمن بل ترسخت أفكاره وأخلاقه إلى الأبد في أعماق الثائرين حيث جسد بشخصيته جميع الصفات الإنسانية النبيلة وجسد في بطولاته كل ما يحلم به أحرار العالم من عزة وكرامة وشرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم