الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا قصر .. لا موكب .. لا رتوش لقاء مع رئيس الأوروغواي الذي لا نظير له

محمد خليل عبد اللطيف

2013 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ان كان يحق لنا ان ندّعي أن هناك من يمارس القيادة بوصفه مثلا أعلى في زمن التقشف هذا، فلن نجد أفضل من خوسيه موخيكا رئيس الأوروغواي الذي أدار ظهره للقصر الرئاسي مفضلا عليه بيته الريفي، متبرعا بالجزء الاكبر من راتبه لمشاريع اجتماعية، متنقلا برحلاته الجوية بالدرجة السياحية ويقود سيارته الفولكس فاغن القديمة.
لكن المقاتل السابق يستاء بشدة ممن ينعته ب " أفقر رؤساء العالم". ورغم تمنيه على الآخرين تبني اسلوب حياة اكثر اعتدالا و عفة فان الرئيس البالغ من العمر 78عاما قضى عمرا طويلا في السياسة ليدرك خطورة الادعاء بأنه قدوة لأي إنسان .
أخبرني موخيكا خلال حواري معه في بيته الصغير الدافئ والمكون من غرفة نوم واحدة في وسط حقول الأقحوان خارج مونتيفيديو " لو أخبرت الناس بأن يتبعوا أسلوبي في العيش فلربما سيقتلوني" .
الرئيس كان عضوا في المجموعة المسلحة توباماروس ( الحركة الوطنية للتحرير ) الشهيرة في سبعينيات القرن الماضي بسرقة البنوك وعمليات الخطف وتوزيع الطعام والمال الناتج عن تلك العمليات للفقراء. وقد أصيب موخيكا ست مرات بطلقات رجال الشرطة وقضى 14عاما في سجن عسكري معظمها كانت أوضاعها مشابهة للمعتقلات.
ومنذ أن أصبح رئيساً للاوروغواي في 2010 نال استحسان العالم لعيشه بإمكانياته الشخصية، وانتقاده للاستهلاك المسرف، ودفعه بسياسات تشرع باباحة الزواج المثلي والإجهاض والحشيش المخدر مما يؤكد وضع الأوروغواي بوصفه البلد الأكثر تحررا اجتماعيا في أمريكا اللاتينية.
يقول الرئيس ان من يعتبره فقيرا لا يستطيع فهم معنى الثروة. " لست أفقر رئيس. الفقير هو من يحتاج إلى الكثير ليعيش، طريقة عيشي هي نتاج لجروحي. أنا ابن تاريخي. مرت سنوات عليَّ كنت سأسعد لو توفر لي فراش للنوم".
زوجة الرئيس لوشيا توبولانسكي هي من تشاركه منزله وهي عضو قيادي في الكونغرس ولها دور كرئيس أيضاً .
عندما اقتربت من منزل السيد الأول والسيدة الأولى في الأوروغواي فإن التفصيل الأمني الوحيد للطريق المؤدي للمنزل هو اثنان من الحراس ومانيولا الكلب ذو الثلاث ارجل والتابع لموخيكا.
يبدو موخيكا بهيئة غير مشذبة الهندام لافتة للإعجاب. يرتدي ملابس تصلح للمنزل ولجولة قصيرة قرب المنزل وحذاء استهلك لكثرة الاستعمال، يبدو كمزارع كث الشعر وهو يتقدم نحوي بتمهل من عتبة منزله، كأنه شخصية بلبو باغنز في جزء الهوبت من قصة سيد الخواتم وهو يخرج من حفرته ليوبخ جارا متسللا.
خلال حديثنا كان يعكس مزيجا من الدفء والشراسة، مثالية حول مكامن البشرية وتعب من العالم الحديث (على الأقل خارج بلده). هو فخور ببلده (احد البلدان الأقل فسادا والأكثر أماناً في المنطقة) ويصفه بأنه "جزيرة وملجأ في عالم مليء بالمجانين".
الاوروغواي بلد فخور بتقاليده الاجتماعية. الحكومة تحدد أسعار السلع الاساسية كالحليب وتمنح كل طفل تعليما مجانيا وحاسوبا مجانيا. مفاصل صناعة الاتصالات والطاقة تم تأميمها. خلال حكم الرئيس السابق لموخيكا قادت الأوروغواي العالم في حركتها لتقييد استهلاك التبغ. في الأيام الماضية مررت قانونا يعد اكثر قوانين العالم ريادة لتشريع الماريوانا والذي سيمنح البلد دورا كبيرا في الانتاج والتوزيع والاستعمال القانوني لذلك المخدر.
هذه الأعمال كانت موضع إشادة (بالاضافة لتشريع قوانين الإجهاض والزواج المثلي) وقوت سمعة الأوروغواي كبلد حر، ولكن موخيكا يمانع في قبول هذه الصفة كما يرفض وصفه بأفقر رئيس.
يقول موخيكا " بلدي ليس متفردا بانفتاحه ولكن هذه القوانين منطقية. فيما يخص الماريوانا فان قانونها لا يعني اننا اكثر حرية. نحن نريد جلب المستهلكين لنا بعيدا عن التجار السريين. لكننا أيضاً سنحدد من حقهم بالتدخين إن تجاوزوا الكمية المعقولة للاستهلاك. انها كما الكحول. إذا شربت قنينة من الويسكي يوميا عندها تجب معالجتك كشخص مريض".
يثق الرئيس بان خيار الأوروغواي لتطور المجتمع محدود بسبب قوة راس المال العالمي ويقول "أنا ممتعض من الطريقة التي تسير بها الأمور. نحن نعيش في عصر لا نستطيع العيش فيه دون القبول بمنطق السوق. السياسات الحديثة كلها هي سياسات عملية قصيرة الأجل. بتخلينا عن الفلسفة والدين لم يبق لدينا سوى العمل التلقائي بما يمليه علينا السوق".
الرئيس يعيش بإمكانياته البسيطة ويشجع على استعمال الطاقة المتجددة وإعادة تدوير النفايات ضمن سياساته الحكومية وفي قمة Rio+20 للأمم المتحدة العام الماضي ثار الرئيس على "الهاجس الأعمى " للحصول على نمو عن طريق زيادة الاستهلاك. فحين ينمو اقتصاد الاوروغواي بنسبة تزيد قليلا عن 3٪-;- فان موخيكا يبدو وكأنه يوافق على مضض بان من الواجب عليه ان يقدم توسعا ماديا فيقول " أنا الرئيس. أنا أقاتل من اجل فرص عمل اكبر واستثمار اكبر لان الناس تطالب اكثر فاكثر ولذا فأنا احاول ان اتوسع استهلاكيا ولكن اقلص الاستهلاك غير الضروري. أنا أعارض الهدر سواء للطاقة او الموارد اوالوقت. نحتاج إلى بناء وصنع أشياء تدوم طويلا. هذه مثالية قد لا تكون واقعية لأننا نعيش في عصر تكديس وتجميع".
عندما سألته عن كيفية الحل لهذا التناقض اعترف الرئيس بانه لا يملك الجواب، ولكن الماركسي القديم قال بان البحث عن حل يجب ان يكون سياسيا" نحن الان نستطيع اعادة تدوير كل شيء تقريبا. فلو عشنا على قدر احتياجنا وبتعقل فان السبعة بلايين إنسان في هذا العالم يمكنهم الحصول على كل ما يحتاجونه. السياسات العالمية يجب ان تنحو هذا المنحى. ولكننا نفكر كبشر وبلدان لا كنوع من الكائنات".
يتحدث موخيكا وزوجته بحب عن لقائهما بتشي غيفارا ويعتقد الرئيس بانه ربما آخر رئيس متبقٍ ممن التقى بماو تسي تونغ ولكنه يحمل شعوراً متناقضا حول التمرد والثورة في البرازيل وتركيا ومصر وفي مناطق اخرى من العالم ويقول " العالم يحتاج وسيحتاج دوما لثورة. هذا لا يعني إطلاق النار والعنف. الثورة هي عندما تغير طريقة تفكيرك. الكونفوشيوسية والمسيحية كانت ثورات أيضاً".
لكنه متشائم ويسخر من التظاهرات المنظمة بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي والتي تنفض سريعا دون ان تحمل سعة تمكنها من بناء يدوم طويلا ويقول " ربما ينتهي المتظاهرون للعمل من اجل مؤسسات متعددة الجنسية ويموتون بأمراض العصر الحديث. أتمنى ان أكون مخطئا في هذه النظرة".

سيرة حياة

1969 عضو فاعل في المجموعة الثورية توباماروس والتي حملت صفة "عصابات روبن هود" بسرقتها لشاحنات الشركات والبنوك وتوزيعها الطعام والنقود على الفقراء.
1970 تم إلقاء القبض عليه للمرة الاولى من اربع مرات وهرب من سجن بونتا كاتيراس في عملية هروب جريئة. تم إطلاق النار عليه وإصابته مرات عديدة في اشتباكات مع قوات الامن .
1972 تم سجنه ثانية وبقي في السجن لأكثر من عشر سنوات بضمنها سنتين حبس انفرادي في قاع بئر حيث كان يتحدث مع الضفادع والحشرات ليحافظ على سلامة عقله.
1985 تم اعادة الديمقراطية الدستورية في الأوروغواي وتم إطلاق سراحه بقانون عفو.
1994 تم انتخابه كنائب وعندما وصل الى مقر البرلمان كان يركب دراجة نارية (فيسبا). سأله حارس الموقف باندهاش " هل ستبقى طويلا؟" أجاب موخيكا "أرجو ذلك بالتأكيد".
2009 ربح انتخابات الرئاسة. كلمته الوحيدة للإعلام كانت " رغم كل التملق فان العالم لم ولن يتغير". تبنى منهج حكم اقرب الى حكومات وسط اليسار مثل لولا في البرازيل وباشيليت في تشيلي عوضا عن اتباع سياسة قادة اليسار المتشدد كهوغو تشافيز.
2012 تمت الإشادة بكلمته في مؤتمر قمة Rio+20 عندما نادى بمحاربة الاستهلاك المفرط المدمر للبيئة "السبب هو نمط الحضارة التي خلقناها. والشيء الذي علينا ان نعيد اختباره هو طريقة الحياة التي نعيشها".
2012 اعلن بان القصر الرئاسي سيكون ضمن المباني التي تستخدمها الدولة لإيواء المتشردين واستمر في العيش في بيته الريفي الصغير خارج مونتيفيديو.
2013 دفعت حكومة موخيكا بتشريع يعد الاكثر تحررا في العالم والقاضي بإباحة الحشيش المخدر من خلال الكونغرس.

جوناثان واتس عن الغارديان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع حقا
عراقيون ( 2013 / 12 / 23 - 18:05 )
شكرا لك اخى محمد خليل عبداللطيف على مقالتك الجميلة التى فيها الكثير من المعانى الانسانية الرائعة ولكن هل سنجد فى بلداننا المدمرة بفضل سياسة رؤسائنا كهذا الزعيم الفقير الذى لا يسرق ويعيش عيشة الفقراء.. لا اتصور
تقديرى واحتراماتى

اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف