الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الأبراج في مصر.. تزدهر و تزدهر.. ثم تسقط

أميرة الطحاوي

2005 / 6 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يبدو لي رغم التراجع الكبير في غالب الصناعات المصرية حتى تلك التي كان فيها قدر من التميز أو القدرة التنافسية، أن صناعة واحدة أصبحت تصعد هذه الأيام بسرعة الصاروخ، عمادها ليس رجال في أفرولات ، الحقيقة ليس بها أي من أصحاب الياقات الزرقاء بل بيضاء ناصعة البياض، رجال و نساء ليسوا علماء أو مخترعين بل "نخبة" يجلسون على مقاعدهم يحركونها يمينا و يساراً في مكاتبهم المكيفة يتصنعون الجدة مع تقطيبة مفاجئة على الوجه، أو يثبتون قدراتهم بمفردة أجنبية تقفز في حديثهم فجأة،يستخدمون المصطلحات الرنانة ناسين أن اللغة أداة اتصال لا انفصال، يظنون أنه كلما زاد بلبلة المستمع لهم زاد إيمانه بعظمة و الأهم صدق ما يقولونه،بينما يحيطون أنفسهم فرحين بمزيد من منتج صناعتهم، إذ يزيدون توقعهم و تخندقهم في مزيد من الأبراج.
تخصص هؤلاء السيدات و السادة فيما يفصلهم عن نبض الشارع و ضمير الأمة، هم عماد هذه الصناعة و هم أحد المستفيدين من استمرارها و علو منتجها، كتاب و باحثون و فنانون يفرحهم كل ما يخرج عن اللا نظام الحاكم، خيره و شره، يهللون له و يدعونه لمزيد من التخبط حتى لو كلفنا ذلك الوصول للهاوية، يعجبهم المضي قدما في مواجهة الشارع المتزايد غضبه و المعلن عنه بطرق عدة، لكن عيونهم لا ترى شيئاً فهم في أبراجهم المُختارة بعناية بحيث لا يرون القاع.
ذلك القاع الذي أتى منه بعضهم لكنهم تنكروا له بإصرار، تنكروا حتى لكل ما آمن به بعضهم عندما كانوا لعقود خلت أعضاء فاعلين في حركات و تنظيمات سياسية تنتصر لهذا القاع و لهموم مواطنينا البساء،فقدوا شرعيتهم و تنصلوا من أحلامهم البكر، و هاهم و بكل صلافة يلحفون في عرض أنفسهم كمدافعين عن نظام يتعثر بعد أن اختلفت مصالحهم و انتماءاتهم بانتقالهم ليصبحوا على "حجر" النظام نفسه إن لم يكونوا بصورة ما جزء مفصلي منه أو حتى ترس في تكوينه و شبكته الإخطبوطية المعقدة.
ويمكنك أن تلاحظ بوضوح أن هناك عدد ليس بقليل من ساكني الأبراج يكاد يقتصر فيما يكتب أو يدلي به من تصريحات إلى الانتصار لكل خطأ تقترفه الحكومة المصرية، و بدون خجل يمكنك أن تستمع لأحدهم يعلن أن هناك سياسة رشيدة، و لك أن تتخيل مثلاً أي رشادة تلك في كل أخطاء و كوارث نظام اقتصادي يجيش العدد و العتاد لمشاريع توصف بالكبرى و القومية و الرائدة ثم فجأة تُغلق بالضبة و المفتاح بعد أن يهدر عليها أو بالأحرى -على حِسها- الملايين من مقدرات مصر و نصيب الأجيال القادمة؟.
قرأت لكاتب و أكاديمي مدحاً لحوار أديب-مبارك و رأيته و قد أخذته الحماسة فطالب "أن نعيد طباعة الحوار بكثافة و يقدم إهداء لمراكزنا الثقافية بالخارج، مع نسخ توزع على جميع كلياتنا ومدارسنا بالداخل حتى يتسنى للشباب إعادة قراءة الواقع من خلال مجموعة الثقافات التي نطق بها اللقاء بين الطرح المباشر، أو ما وراء المفردات" !!! من طعام طفلي و من كسوته في برد الشتاء يريد هذا أن يقتطع المال ليطبع حوار رئيسه! بينما انبرى أحد سكنة الأبراج في توضيح الخطوة الجبارة لتعديل المادة76 و كيف أنها خطوة تاريخية غير مسبوقة –و نسى أن يضيف غير ملحوقة بالمرة - و ستفتح الباب على مصراعيه للمستقبل، أي مستقبل لمادة أفرغت من مضمونها و زادت التقييد قيوداً؟ ستجد الفنان المهاجم للمظاهرات و المتظاهرين بينما يطلب من الهيئات المعنية السماح بتنظيم مظاهرة لأجل فيلمه المقبل، ستجد في جرائد محسوبة على النظام حتى لو رفعت شعار الاستقلال و الليبرالية مقالات تكتب نفسها بنفسها، يحدث هذا عندما يتحرج بعض سكنة الأبراج من أن يوقع باسمه كل يوم مقالين أو ثلاثة دفاعا عن " اللا نظام" الذي يقمع مصر الآن !
بالمقابل و خارج أسوار و زنازين هذه الأبراج ستجد أكاديميين و كتاب و فنانين انتصروا لثوابت و بديهيات و أمانة الخوض في الشأن العام، و منها أخذ نبض الشارع مدادا لما يكتبون و الاعتماد على الوقائع في الوصول للنتائج فيما يطرحون، فتجد منهم من يصدر تقريرا اقتصاديا رصينا يكشف بالأرقام المدى الذي وصل له الفساد و التخبط في نظامنا الاقتصادي، و من يكتب عن مشاكل الفلاحين ببلادنا معتبرا أنها المحك الرئيسي لصدقية إحساس و ارتباط الكاتب بالمشاكل الحقيقية بمجتمعه(وبالمناسبة ستلاحظ أن سكنة الأبراج و حتى غيرهم يتأففون و يستنكفون الحديث و لو بإشارة عن مشاكل الفلاحين بمصر ربما أكثر من تأففهم و تعاليهم أيضا على تناول قضايا العمال و المهمشين)، و هناك من يغامر بمنصبه فيكتب انتصارا للرغبة في التغيير و التطبيق الفعلي للديموقراطية و ليس مجرد ترديد مقولات على هامش وجودها المفترض، و ستجد الفنان الذي ينزل للشارع متضامنا مطالب الحريات المدنية و السياسية و المناصر للقضاة في هبتهم ضد ميراث الاستخفاف بقدسية مهنتهم و توظيفها لخدمة مصالح و استمرار السلطة التنفيذية و الحزب الحاكم، ستجد الروائي و المؤرخ و أستاذ الجامعة يرفضون أن ينساقوا وراء زملاء لهم ارتضوا تعلية الأبراج التي تفصلهم عن قضايا الوطن و عن شرف الانتماء الصادق له.
و عندما تهدأ المعركة و ينسحب دخانها بعيدا، و تبدأ في حساب الخسائر و الضحايا،ستلحظ أن هذه الأبراج قد دكت على رؤوس من فيها،لأنه و ببساطة كل الأبراج و القصور ستسقط مهما علا بنيانها، لكن يبقى أن هناك من سكنة الأبراج من يحسن ايجاد مكانا لنفسه متلوناً بلون أي تغيير تنتظره البلاد ،و هؤلاء هم أخطر سكنة الأبراج العليا على مستقبل بلادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إسرائيل حول تهديد بايدن بوقف إمدادات الأسلح


.. مقتل 4 أشخاص في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان • فرانس 24




.. ألعاب باريس 2024: استقبال رسمي وشعبي -مهيب- للشعلة الأولمبية


.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصاما مؤيدا لفلسطين بجامعة جورج واشنط




.. أنصار الله: استهدفنا 3 سفن في خليج عدن والمحيط الهندي وحققنا