الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سايكولوجيا الحرف -10-

سامي فريدي

2013 / 12 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر


سامي فريدي
سايكولوجيا الحرف -10-
وما أدراك ما العولمة.. أمة مشرذمة!
العولمة تسمية ضبابية تضلل أكثر مما تكشف.. ومحاولة ربطها بجذور تاريخية يستهدف تسويغها والتغطية على آثارها التدميرية والمسيئة للمجتمع البشري. عدم ارتكانها لتعريف واضح محدد، واعتمادها وسائل متغيرة من مدة لأخرى، يكشف فراغها الفكري من جهة، ويؤكد مغزاها الامبريالي لخدمة الهيمنة الأميركية. التسمية الصحيحة هي "الأمركة"، ومعناها نشر النموذج الأميركي في الحياة والفكر والسلوك، أي ترسيخ المركزية الأميركية في العالم والتاريخ.
مفهوم المركزية هو استعارة من مفهوم "المركزية الأوربية" التي ظهرت عقب عصر الأنوار، لتأكيد دور أوربا في نقل البشرية من عصر الظلمات إلى نور النهضة والحداثة والمدنية. فالأمركة، هي سرقة الدور الأوربي الاشراقي وتسجيلها في رصيد الأميركان.. الأمة والدولة الحديثة، القائمة على الهجرة والعبودية والقرصنة. ومنذ القرن التاسع عشر بدأت أسماء أميركية لأشخاص أو جمعيات أو جامعات وأنشطة تتجاوز الحدود الأميركية وتحتل واجهات الاعلام.
صفة الأميركي لدى ظهورها كانت تحيل على التمرد وتجاوز السياقات التقليدية في الثياب أو السلوك أو أنماط التفكير. ومنذ نهاية الحرب الأهلية ودستور جورج واشنطن، أخذت الروح القومية الأميركية والشعور بوحدة الأمة مدعومة بفكرة الاصطفاء التاريخي (التوراتية) تشحذ اندفاع الأميركان للتميز عن الأوربيين والتفوق عليهم. وكان للأرث الأوربي السكتلندي والهولندي، أن يلتقي مع آثر المغالاة القومية لانتاج نوع جديد أكثر تطورا ودهاء من نمط الاستعمار التقليدي.
يعتمد الاسلوب الأميركي في الاستعمار على نظام جمع المعلومات عن البلدان الأخرى من خلال السياحة والتجارة وبعثات الاستكشاف والدراسات والتبشير الديني. لكن هذا الاسلوب السلمي في ظاهره، ليس غير جلدة الخروف التي تتنفس تحتها ذئبية "الكاوبوي" الأميركي الأسرع للقتل والغدر والهيمنة "العرقية". وباستثناء ما حصل في العراق، فأن استخدام القوات العسكرية "المارينز" هو لتدعيم مناطق النفوذ الأميركية في العالم وليس للاحتلال المباشر والسيطرة القرينة بالاستعمار التقليدي.
خلال قرن من النشاط الاستعماري الأميركي، حقق الأميركان ما لم تنجح فيه انجلترا وفرنسا عبر قرون. وذلك بفضل الدهاء والأساليب غير المباشرة، والتظاهر بالعفوية والبساطة والاندماج مع أهالي البلاد، -- وفي رواية (سباق المسافات الطويلة) لعبد الرحمن منيف، صورة مقارنة بين أساليب الاميركان والانجليز في العمل الاستعماري الذي ينتهي بهزيمة الانجليز-.
ولم تقتصر الخطة الأمريكية على السياحة والتجارة والثقافة، وانما استطردت سياسيا الى شعارات الدمقراطية والحريات الفردية وحقوق الانسان في المجال السياسي، وإلى مبادئ الخصخصة واعتماد نظام السوق المفتوحة في المجال الاقتصادي. وهي البرامج والمتطلبات الأكثر ترددا في الاعلام اليوم، سيما عندما يتم تحضير (فريسة) للابتلاع من قبل الحوت/ الأخ الأكبر.
أما المفارقة الأخرى والمهمة بين الاستعمار التقليدي والأميركي فهو المضمون. دأب الاستعمار التقليدي إلى محاولة تهيئة شعوب البلدان التي تحت نفوذهم للانتقال إلى مصاف المدنية وتدعيم بناء المؤسسات الاجتماعية التعليمية والصحية والادارات الحكومة المعنية بتنظيم أمور الناس وأوجه نشاطهم المتعارف بالدولة المدنية. أما الاسلوب الأميركي فهو خلاف ذلك، ويعمد إلى تحفيز عناصر الخلاف والتناقض والفرقة بين سكان البلدان الخاضعة له. وفي المقدمة من تلك العناصر هي الخلافات الأثنية والدينية والعرقية التي ترفع معدل الاحتراب والشقاق، وتدمير قواعد الوحدة الاجتماعية والسياسية للبلاد.
هذا المضمون التدميري يصطلح عليه الأميركان بالفوضى الخلاقة [creative chaos] في ترجمة منحرفة لشعار آدم سمث [دعه يمر، دعه يعمل]، ليكون [دعهم يتقاتلون، دعهم يتنافسون!]. وبالتالي، فأن الصراع بكل أشكاله ومستوياته بين أهالي البلاد المحتلة وحده يفضي إلى إعادة انتاج الصورة الجديدة للبلد ونظامه.
في حرب الثمانينيات بين العراق وايران دعمت الولايات المتحدة البلدين بالسلاح والمعلومات. وفي الحرب الأهلية الأفغانية كانت تدعم جميع الفرقاء بالواسطة وبشكل يمنع انتصار فئة على سواها. وفي مرحلة ما بعد سبتمبر 2001 عملت على دعم الجماعات الارهابية ماليا وعسكريا ولوجستيا في كلّ مكان يشكل هدفا مباشرا لها، وفي نفس الوقت وفرت الدعم للحكومات والدول التي ينشط فيها الارهاب. وفي مصر انكشفت الصفقات والامدادات الأمريكية لحكم محمد مرسي (2012) لمواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، بينما تنفق الملايين على جماعات المجتمع المدني المصرية وتحرضها على مناهضة النظام واعلان العصيان والاحتجاجات الشعبية.
أفضل طريقة لتدمير بلدما هو تدمير وحدته الاجتماعية التي هي أساس قوته السياسية. وأفضل طريقة لتدمير المجتمع، هي تدمير الفرد وتحويله إلى قوة متمردة على كل ما يحيط بها، متوسلة في ذلك بأية عناصر ونقاط تشحذ تمرده وانسلاخه عن المجتمع والنظام، وانقلابه ضدّها.
أما العراق، فكان أكبر حقل تجارب أميركي في ربع القرن الأخير. ولا يتصور أحد وقوف الأميركان وراء كلّ الصراعات الدينية والاجتماعية والتصفيات الطائفية والعرقية وجداول الاتهام وفقدان الثقة المتزايدة بخدمة مباشرة من مراكز المعلومات الأميركية.
نوريغا، أورتبغا، السادات، صدام، الجلبي، المالكي.. رموز صنعتها المخابرات الأميركية وسوّقها الاعلام العالمي، لخدمة مصالحها الآنية، وتخلصت منها بعد نفاذ صلاحيتها.. وما تزال الهيمنة الأميركية.. أعني "العولمة" في بداياتها.
23 ديسمبر 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له