الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية -التخلّف- في فكر مهدي عامل

محمد محسن عامر

2013 / 12 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"ربما كانت المحاولات الفاشلة أغنى للفكر إذا وعاها الفكر في ارتباطه بالعمل الثوري "_مهدي عامل_

رفضا للسائد و اليقينيات و الوعي المتسطّح تحرك فكر مهدي عامل جدلياّ متجاوزا الثرثرات التبريرية لوفاء غبيّ لماركس , ليتّبع في بحثه طريقا لم يرتسمه لنفسه مسبقا بل فرضه منطق البحث ذاته عليه , حركة التحرر الوطني أزماتها و انهياراتها الكبرى في مواجهة المشروع الإستعماري الذي يحاول في مسار حركته التناقضية أن يؤبّد واقع سيادته , في هذا الخضم تتحرك أدواة التضليل الأيديولوجي الرأسمالية لإخفاء طبيعة القوى التي تسود العالم , لأن في إظهارها خطر على مجمل النظام الكولونيالي السائد , ضلّت ظاهرة التخلف معطى مشوها في فهم طبيعة علاقات الإنتاج القائمة و ضلت تسود تصنيفات في غالبها أوهام أيديولوجية تصنف المستعمرات على أساس أنها "دول نامية " من اجل تشويش الوعي و منعه من أن يتبلور سياسيا بوضوح .
هل أن التخلّف مجرّد "تأخّر" في التطور الإقتصادي في البلدان المستعمرة ؟ ام أنه اختلاف بين قطاعات إقتصادية في بنية اجتماعية واحدة ؟ أي دور للإستعمار في خلق نمط إنتاج هو الراعي و الحاضن للتخلفّ , أي كيف تتشكل علاقات الإنتاج بين بنيتين اجتماعيتين تناقضيتين في إطار مركّب يحدد هذا التخلّف؟
انطلق مهدي عامل في تحليله من شرعية التشكيك في تماثل منطق تطور التاريخ بين فئتين مختلفتين من البدان , إذ أنّ الحرب العالمية الثانية أقامت البرهان القاطع على جذرية الإختلاف في تطور البنى الإجتماعية بين البدان الإستعمارية و المستعمرات , من هنا كان للتساؤل شرعيته , كيف تتحدد العلاقة بين ينى اجتماعية مختلفة ؟ أي علاقة الإنتاج بين إنتاجين مختلفين متمايزين تضمهما وحدة تناقضية هي جوهر تحليله لنمط الإنتاج الكولونيالي .
يرفض مهدي عامل الطروحات الإقتصادية التي ترى أن التخلّف هو في جوهره إنقسام في البنية الإجتماعية بين قطاع إقتصادي "حديث" رأسمالي و قطاع "بدائي" لا رأسمالي أو ما قبل رأسمالي .هذا القول ضرورة يؤسس إلى انحراف نظري خطير , أي القول بعلاقة انفصال في البنية الواحدة و تماثل مع بنية خارجية , مذا يعني ذلك .
هذه الرؤية حسب مهدي عامل ضرب لأحد اهم قوانين الديالكتيك أي "قانون وحدة المتناقضات" فهذا التصور ثنائي لا وحدوي أي يضع تشكيلتين اقتصاديتين مختلفتين في بنية اجتماعية واحدة لا تربطها أي وحدة تاريخية .و بذلك يكون التخلّف ظاهرة جزئية في قسم من إنتاج بدلك متخلّف لا نظاما يحدد كامل البنية الإجتماعية , أي فصل الإقتصاديّ عن البنية الإجتماعية الكاملة . ثانيا في إطار التراكم الكولوني يسعى الإستعمار إلى ربط البلدان "المتخلفة" اقتصاديا في إطار المبادلات التجارية و التجارة العالمية , هكذا نزعت الهوية القومية من الشركات الرأسمالية الكبرى و كسرت الحدود امام نظام إقتصادي عالمي ,هذا التحول أوجد "تفككا داخليا" خلق تشوها في البنى الغجتماعية في البلدان المستعمرة , التصور الاخير القائل بعزلة أحد القطاعات الإقتصادية في البدان المستعمرة على الإقصاد العالمي و وجود قطاع متوجه نحو المتروبول مركز تاريخه , و بالتالي تبعية البدان المتخلفة هي تبعية القطاعات المتطورة فيه لا تبعية البنية الاجتماعية ككل .بمعنى أن الاول المتخلف في علاقة استقلال تام عن الإستعمار و الثاني المتطور في علاقة تماثاثل معه ,و هذا حسب مهدي عامل أكثر من أنه إخلال نظري سافر هو "تصور غريب على التاريخ".
في هذه المواجهة النظرية الشرسة يتقابل مهدي عامل مع تصور نظري اخر يفصل أيضا بين الإقتصاد و البنية الإجتماعية الكاملة , إذ يطرح المسألة في "شكر مبتذل" يختصر التخلف في جزء دون أخر مناطقيا من البلد المستعمر , بين شمال الجزائر و جنوبها مثلا, أو من قسم معين من بلد رأسمالي متطور كجنوب إيطاليا مثلا , هذه العمومية السيئة تدفع ضرورة إلى حجم المنتوجات , أي من منطق الكم لا من زاوية الكيف في بنية العلاقات الإنتاجية كعلاقات طبقية , و هذا أيضا يتنافى مع الطرح الماركسي الذي يرى الإقتصاد لا في التطور الكمي في المنتوجات في علاقات إنتاج معينة بل في علاقات الإنتاج ذاتها , هذا الفصل و التجريد للإقتصاد عبر "تكميمه" يدفع إلى إقامة التماثل أيضا بين قسمين من بنى اجتماعية ترتبط تناقضيا لا تماثليا .
لا يمكن فهم ظاهرة التخلف في فكر مهدي عامل إلاّ انتطلاقا من تصوّره النظري العام" نظام الإنتاج الكولونيالي" إذ من هناك فقط تتحدّد العلاقات التناقضية في علاقة تشامل و تفارق أي في ربطها (نظرية التخلف) مع مسألة الإستعمار. إذ أن التخلف "كبنية شاملة" نتاج لبنية شاملة أخرى مرتبط بها داخليا في حركة تشامل واحدة أي إرتباط داخلي في حركة تاريخية واحدة , فالتخلف و الإستعمار مرتبطان داخليا يحدد أحدهما الأخر أي أن الإمبريالية كشكل تاريخي شرط أساسي لوجود التخلّف و بقائه و العكس ضرورة صحيح . معنى هذا أن تطور البنى الإجتماعية للماقبل رأسمالية لم يكن نتاجا داخليا محضا في إطار علاقات إنتاج طبيعية بل كان تأثير رزوح الإستعمار على البلدان المستعمرة في حركة تفككية عنفية ربطت كل البنى الإجتماعية بها لا كما حدد ماركس خروج الرأسمالية "من احشاء الإقطاع" , في الوطن العربي مثلا قام الإستعمار "برسملة الإقطاع" لا هدمه . هذه الحركة التفككية أوجدت القديم في أحشاء الجديد في إطار ارتباط إقتصاديّ تبعي مع المراكز الرأسمالية .
في مخطوطة ماركس "أسس نقد الإقتصاد السياسي" طرح ماركس الدور الأساسي للإنتاج في تحديد بقية الظواهر الإجتماعية و الإقتصادية , إذ يفترض ماركس عبر إحدى فرضياته "أن يفرض الشعب الفاتح على الشعب المغلوب نظام إنتاجه" , من هذا المنطلق يوجّه مهدي عامل سؤاله لماركس "ماهو أثر الفتح الكولونيالي في نظام إنتاج البلاد المستعمرة؟" متجاوزا تصور ماركس في البيان الشيوعي الذي يفترض "عموميا " أن الرأسمالية في صعودها ستشكّل العالم على "صورتها" , إذ يعتبر عامل أن الرأسمالية تحدّ من أفق التطور الرأسمالي للبلدان المستعمرة و بالتالي يمر إلى الفرضية الأخرى لماركس حول مسألة "الفتح" التي تقول بحركة تفاعل و تمازج بين نظامين تنتج كما يقول ماركس "شكلا جديدا تركيبيا ".
معنى التمازج و التركيب إذا هي تحول جذري للعناصر المكونة للبنيتين , أي " إنتاج لوحدة جديدة متماسكة"
ملخّص القول إذا أن التخلّف كظاهرة إجتماعية متميزة في بينيتها هي نتاج تمازج نظامين من الإنتاج الماقبل رأسمالية و الرأسمالي في إطار حركة تاريخية حددها الإستعمار في إطار علاقات كولونيالية , هكذا توجّه مهدي عامل في تحليله "ماركسيا" مبدعا مبتدعا في عناء يصارع من اجل أن يحرر الوعي و أن يجعل الفكر يتحرك في إطار دياليكتيكيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة