الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يكفي ان يكون الطرح صحيحا ؟

احمد عبدول

2013 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يقيض الله لفرد من الأفراد قدرا من الفطنة ونصيبا من الدراية عن طريق عامل الوراثة أو المحيط الاجتماعي العام الذي يترعرع وسطه ,عندما تهيئ الأقدار أجواءا اجتماعية ونفسية وثقافية مناسبة لهذا الفرد أو ذاك فانه لا شك سوف تتراكم لديه حزمة من التوجهات والآراء والمتبنيات التي توصل إليها بذاته ووقف على جليتها بنفسه عبر مراحل شاقة من التتبع والمذاكرة والمطالعة والاحتكاك مع مختلف المستويات العلمية والثقافية . ولا شك ان أهل العراق عموما قد فطروا على البحث والتنقيب ومناقشة الرأي الواحد على مختلف وجوهه وزواياه ,فما ان تتوافر للفرد العراقي أدنى الظروف والعوامل المساعدة على المطالعة والمدارسة حتى نجده قد خرج علينا بتوجهات وفرضيات تحمل بصماته وتمثل نزوعه الذي تفرد به واختص بطرحه .
شخصيا اعرف البعض من هؤلاء الذين أصبحوا بفضل إصرارهم على متابعة ما يقع بين أيديهم من علوم ومعارف والذين أصبحوا اليوم يمتلكون رؤية قد تجانب ما الفته مجتمعاتهم على شتى الصعد والمستويات الفكرية والثقافية وحتى الدينية ,أحد هؤلاء صديق لي منذ سنوات عدة وهو اليوم يمتلك نظرية متكاملة في نقد المنظومة اللغوية التي نعتمدها من سيبويه حتى يومنا هذا وهي نظرية لو كتب لها الانتشار لقلبت موازين عدة وغيرت معادلات كبرى في مجال اللغة وتفسير الكثير من النصوص الدينية والتاريخية حسب ما يذهب إليه صاحبي وهو أستاذ متخصص في علوم اللغة العربية .
ولا شك إننا قد نتفق أو نختلف مع ما توصل إليه هذا الباحث أو ذاك من اطاريح وقناعات لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحا وهو هل يكفي ان يكون هذا الطرح أو ذاك صحيحا حتى يباشر صاحبه بالتبشير به والدعوة إليه أم ان المسألة يجب ان تسبقها عدة اعتبارات يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار من قبل صاحب الطرح مسبقا .
يمكن القول ان هناك عدة اعتبارات يجب ان تسبق طرح أي قناعة أو نظرية يراها صاحبها جديرة بالدعوة والتبشير ولعل أول واهم تلك الاعتبارات هو ما يتعلق بزمان ومكان الطرح الذي يراد ان يجد طريقه بين أوساط المجتمع ,فالمفكر الناحج مثله كمثل التاجر الحاذق لا يكتفي ان تكون بضاعته جيدة الصنع حسنة المنشأ لكنه يضيف إلى ذلك أين ومتى يعرض بضاعته ويسوق منتوجه وإلا فإنها سوف تبور وتفسد ,كذلك الفلاح إذا لم يباشر بعملية نثر بذوره الجيدة في الزمان والمكان الملائمين فان بذوره سوف لن تخرج نباتا ولا تعطي محصولا ,صاحب الطرح العلمي أو الثقافي أو الديني هو كذلك إذا لم يحسن اختيار عامل المكان والزمان بشكل دقيق وملائم فان جهوده تذهب أدراج الرياح , هذا من جهة ومن جهة أخرى فان طرحه قد يكون وبالا عليه ان هو لم يضبط عاملي الزمان والمكان وقد يكون طرحه في عدة موارد مدعاة لترسيخ أسباب الفرقة وتعميق عوامل التمزق بين أوساط المجتمع .
وكذلك يجب ان لا ننسى طريقة (العرض ) عرض المادة المراد طرحها إلى طبيعة الشرائح والطبقات الشعبية والجماهيرية المراد مخاطبتها والتأثير في قناعاتها إذ ان لهذين العاملين أهمية قصوى في حسابات صاحب أي طرح يراد له البقاء والانتشار ,إذ اننا كثيرا ما نجد ان أصحاب مشاريع أخلاقية وإصلاحية كبرى كانت قد ذهبت جهودهم سدى لانهم لم يحسنوا اختيار من يخاطبوه من عقول وشرائح قد تكون ليس أهلا لاعتناق وحمل مضمون هذا الطرح عن سواه .
لقد شهدنا خلال العقود المنصرمة الكثير من الشخصيات الفكرية والأدبية والاجتماعية والدينية التي طرحت مادتها العلمية ومشاريعها الإصلاحية دون توفر بعض ما اشرنا إليه من عوامل ومتطلبات لبلوغ ما تصبو إليه من نتائج ، فكان ان تهاوى بنيانها وذهب ريحها .
وذات الأمر ينطبق على كثير من الأحزاب والكتل والتنظيمات الحزبية التي جاءت بأدبيات وثقافات غريبة عن محيطها الاجتماعي والفكري والثقافي العام فكان هذا أحد أهم وابرز أسباب إخفاقها في تسويق بضاعتها والترويج لمتبنياتها .أخيرا يجب ان نشير إلى عامل مهم ومؤثر للغاية يجب ان يدخل ضمن سلم أولويات من يريد النجاح لطروحاته وقناعاته وهو ما يتعلق بالظرف السياسي العام سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي والذي قد يكون عامل مشجع على إنجاح هذا الطرح أو يكون عامل فشل وإخفاق .
لذا على كل من يرى في نفسه مؤهلات لطرح أية فكرة أو مشروع ايا كانت طبيعته ان يأخذ بنظر الاعتبار ما اشرنا إليه من متطلبات وعوامل وذلك لضمان صفقته وكسب جولته أما خلاف ذلك فأنه سوف يختار موته بمحض اختياره وكامل إرادته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن