الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس ... اليسار إلى الأمام

جاك جوزيف أوسي

2013 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


إثر اغتيال المعارضين، المناضل اليساري الشهيد شكري بلعيد في 6 شباط 2013 والقومي البارز الشهيد محمد البراهمي في 25 تموز 2013، دخلت تونس أزمة سياسية نتيجة فشل حكومة "النهضة الإسلامية" في إدارة شؤون البلاد الأمر الذي دفع القوى السياسية المعارضة إلى التفكير جدياً في التخطيط لمساراتٍ أُخرى تستطيع من خلالها تنظيم الأمور وتوزيع السلطات في الدولة واضعةً المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار.
فالحوار الوطني الذي بُشِّرَ به إثر عملية اغتيال الشهيد البراهمي وصل إلى طريقٍ مسدود إذ أن فحكومة "النهضة الإسلامية" المؤقتة تتهم المعارضة بأحزابها العديدة بأنها فاشلة، والمعارضة تعتبر أن هذه الحكومة فاشلة، والمواطن التونسي يرى النُخبة السياسية برمتها فاشلة، ووسط هذا الاتهامات كُلها تنزلق تونس شيئاً فشيئاً نحو مجهولٍ مخيفٍ وتحف بها المخاطر من كُّلِ حدبٍ وصوب. ذلك أن الصراع بين حركة "النهضة الإسلامية"، التي تقود الائتلاف الحاكم والمعارضة بتياراتها المختلفة قد وصل إلى مرحلة لي الذراع بعد أن كانت سياسات الحكومة الفاشلة سبباً في قطع أرزاق المواطن التونسي. وتُؤشر التحركات الشعبية والإضرابات العامة المتنقلة من ولاية إلى أخرى إلى أن هناك تسخيناً للأجواء قد تُمهد لانفجارٍ شعبيٍ عاصفٍ لن تكون نتائجه في صالح الائتلاف الحاكم الذي يزعم أنه الأقوى في المعادلة السياسية التي تحكم تونس الآن. وإذا لم يتخل هذا الائتلاف عن غروره واعتداده بشرعية انتخابية انتهت صلاحيتها قانونياً، فقد يواجه مصيراً قاسياً قد تُدّخِل البلاد في دوامةٍ من العُنفِ قد تنتهي بإعادة تشكيل مشهد سياسي جديد يطيح بحلم النموذج الديمقراطي الذي ناضل من أجله التونسيين طوال السنوات التي تلت سقوط نظام زين الدين بن علي.
وقد كانت الدعوة للحوار التي تبناها الاتحاد العام للشغل، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، كاتحاد الصناعة والتجارة ونقابة المحامين ورابطة حقوق الإنسان، ووجدت قبولاً من كل الأطراف السياسية عُقب اغتيال البراهمي، أشبه "بحبل النجاة" لتونس، وكان بإمكانها أن تُجنب تونس كل هذه التداعيات القاسية التي يدفع ثمنها المواطن من أمنه وقوت يومه، بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعاشية. وكان موقف الاتحاد العام للشغل والقوى اليسارية يؤشر إلى إدراك لخطورة الوضع، وأن ترك البلاد في أتون الصراعات السياسية، سيقودها إلى طريق مجهول، وأن المسؤولية الوطنية تقتضي استمرار المحاولات لإنقاذ تونس من تداعيات كارثية تفوق بمراحل ما هو حادث الآن.
أما "حركة النهضة" فقد أخذت وقتاً طويلاً للموافقة على الأسس التي وُضعت للبدء بالحوار الوطني والتي تقتضي باستقالة الحكومة، ثم لجأت للمماطلة والتسويف والمناورة، بادعائها أن لديها شرعية انتخابية مكنتها من تشكيل الحكومة، ثم رهنت التغيير بإقرار الدستور، ولِتتحجج بالشرعية التي لديها، وتتهم المعارضة بالابتزاز، وتُلوّح "بالفراغ السياسي" في حال استقالة الحكومة فوراً، وبعد ضغوط الاحتجاجات في الشارع، بدأت مشاورات لاختيار رئيس حكومة جديد، ولكنها تريد التحكم في اختيار من يتولى هذا الموقع، وتتمسك بأسماء ينتمي معظمها لحكومات سابقة، وهو الأمر الذي تقابله المعارضة بالرفض، وترى في اختيارات "النهضة" محاولة لفرض أسماء بعينها غير ذات كفاءة أو توافق عام، أو شخصيات تجاوزتها الأحداث لتقدمها في العمر وابتعادها عن الحياة العامة لسنوات، أو ثارت حولها شبهة الفساد، أو إمكانية التأثير فيها لمصلحة طرف معيّن .

إن "حوار الطرشان"، واستنزاف الوقت من دون تحقيق تقدم حقيقي، أو إنجاز ملموس، ومصارحة الرأي العام بحقيقة ما يجري وكشف المسؤول عن تعطيل الحوار، وما يترتب عليه من إهدار فرصة تسوية الأزمة السياسية وإقامة مؤسسات مستقرة عبر الانتهاء من الدستور وإقراره، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، خاصة أنه كلما وصلت المفاوضات إلى طريقٍ مسدود يتبادل الطرفان المتصارعان على السلطة في الحكم والمعارضة الاتهامات، ويحمل كل منهما الآخر مسؤولية الفشل. ومن هذا المنطلق رأى المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية المعارضة، قائد اليسار التونسي السيد حمة الهمامي، أن حركة النهضة والترويكا الحاكمة غير مستعدتين للوفاق ولا للحوار، واقترحت الجبهة الشعبية الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، السيد حسين العباسي لرئاسة الحكومة، لكن اقتراح أكبر نقابة تونسية قوبل بالرفض.
وقبل ثلاثة أيام فقط على إحياء ذكرى انطلاق "ثورة 17 كانون الأول" في تونس، اتفقت أحزاب تونسية على تسمية السيد مهدي جمعة "مرشح الشركات النفطية الفرنسية والأميركية حسب صحيفة اللوموند الفرنسية" رئيساً لحكومة كفاءات انتقالية، ستدير شؤون البلاد إلى حين إجراء انتخابات رئاسية في العام المقبل، في ظل عدم الرضى لدى المعارضة التونسية التي وافقت على مضض، على أمل ضبط الشارع وخوفاً من فوضى الفشل.
وكان الاتفاق على اسم مهدي جمعة يمثل الخطوة الأولى في اتفاق قد يشهد تسليم حركة "النهضة الإسلامية" السلطة خلال الأسابيع القليلة المقبلة لإنهاء أزمة هددت مسار تحول تونس إلى النظام الديموقراطي، إلا أن المعركة الحقيقية تبدأ الآن. فمحطة اختيار رئيس الحكومة لا تعني نهاية الأزمة، بل إن معركة الصلاحيات والحقائب الوزارية ستفرض نفسها على جلسات الحوار من الآن وصاعداً.
وقد شهدت جلسة اختيار رئيس الوزراء انسحابات عدة، كان أولها لممثلي حزب "نداء تونس" المعارض، الذي اعتبر رئيسه الباجي قائد السبسي أن "الحوار حاد عن أهدافه"، وأن ما تم لا يعدو كونه "انحرافاً عـن مسار الحوار الوطني الذي بني منذ البداية على التوافق".
وتبعه انسحاب ممثلي "الحزب الجمهوري" المعارض، حيث عبّر المتحدث الرسمي باسم الحزب عصام الشابي، عن رفض حزبه تكليف وزير من وزراء الترويكا على رأس الحكومة الجديدة.
وأكد قياديون آخرون أن الأحزاب التي صوتت لجمعة، هي نفسها تقريباً التي صوتت لمنح الثقة لحكومة الترويكا، معتبرين أن الخيار ليس توافقياً، بل ستكون حكومة "الترويكا 3".
أما "الجبهة الشعبية"، التي تضم غالبية تيارات اليسار التونسي المعارض، فكانت أشد الرافضين لاختيار وزير الصناعة، بحسب ما أعلن المتحدث الرسمي باسم الجبهة السيد حمة الهمامي.
واعتبر الهمامي أن "تعيين وزير من حكومة علي العريض على رأس الحكومة المرتقبة بعد تأييد تسعة أحزاب من جملة 19 حزباً مشاركاً في جلسة الحوار الوطني، عملية مغشوشة ولا تبعث برسالة إيجابية"، مشيراً إلى أن اعتراض "جبهة الإنقاذ" على التصويت بعد انسحاب "نداء تونس"، يعود إلى رفع "النهضة" للفيتو على المرشحين المستقلين.
أن تعنت حركة النهضة قد يقود تونس إلى الفراغ السياسي، وهذا الفراغ سوف يتعمق أكثر مع إصرار كل فريق على حقه في أن يكون رأيه هو الراجح. فحركة النهضة لن تتخلى عن مكتسباتها في السلطة التي حصلت عليها في غفلة من الشعب التونسي، وهي ستقاوم كل الضغوط وربما تكون مستعدة للدخول في حرب أهلية، وخصوصاً أن هناك أفواج ضخمة من الإرهابيين المدربين على شتى أنواع القتال والتي باتت تصول وتجول في الجبال والسهول التونسية وهي على أهبة الاستعداد لتفجير الوضع وإشاعة الفوضى. وأيضاً، فإن التيارات الليبرالية والقومية والعلمانية عموما ً واليسار التونسي خصوصاً لن تسمح لهذه الحركة بفرض الأسّلمة الشاملة على الشعب التونسي، وما يعنيه ذلك من مسح أكثر من نصف قرن من تاريخ تونس السياسي المعاصر والعودة بالبلاد إلى ما قبل العصور الوسطى. وهكذا فإن الصراع السياسي المفتوح في تونس قد يجعل من هذا البلد العربي صومالاً ثانياً أو أفغانستان أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم روسي عنيف على خاركيف.. فهل تصمد الدفاعات الأوكرانية؟ |


.. نزوح ودمار كبير جراء القصف الإسرائيلي على حي الزيتون وسط مدي




.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة


.. الشرطة تعتقل طالبا مقعدا في المظاهرات الداعمة لفلسطين في جام




.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال