الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايهما ال(هنا) .. ام ال (هناك) ارحم

فرهاد عزيز

2013 / 12 / 24
الادب والفن


ايهما ال(هنا) .. ام ال (هناك) ارحم

سمعت مرة اخرى اصوات جلبة قريبة مني وزرقت مرة اخرى بابرة احسست بوخزتها ، وسمعت صوتا يتوسل الي ببكاء ودعاء لرب العباد صادر من القلب ان احيا ، احسسته صادرا من القلب لأني كنت قد تذكرت صاحبة الصوت ، هو نفس الصوت الذي كنت اتمنى ان اسمعه طوال سنوات، وهو نفس الملاك الذي اختفى حين فتحت عيني وانا في الاسر، وكم تمنيت ليال كثيرة عندما كانت الوحشة تغزوني ويعصرني الالم خوفا من ان انتهي في غرفتي البائسة بأن الهاتف سيرن حتما وسيأتيني صوتها ناعما يقرأ لي الشعر في خراب في الريش ، او يغني لي مقطعا من اغنية يبث في حسرات العشق ، ويغمر غرفتي بالعطور والروائح الرائعة ، هي نفسها صاحبة الصوت التي كثيرا ما احتضنت وسادة بجانبي وانا في سريري الموحش اضع ساقي اليمني بزاوية قائمة على الوسادة متلذذا باحتضانها لحين مايغلبني النعاس ، واتخيلها قد جاءتني تغمرني بالقبلات وترمي نفسها علي وتسألني هل تريدني فوقك ام تحتك؟ وهل تريدني احتضنك ام تحتضنني ؟ احس بلفحة نفسها الحار اشمه كعطور زهرة النرجس التي ستمنحني سرمدية لا يكون في متناول اي رام في هذا الكون ، نعم انها صاحبة الصوت التي كثيرا ما بحثت عنها وتخيلت بأني سافرت معها مدن وعواصم ، وجلست معها في مقاهي متناثرة على شواطئ هذا الكون ودخلت معها اسواق الهند واليونان ،بلاجات اسبانيا وتركيا ، مسارح مصر وتونس وتنعمت معها برمال ساخنة لشواطئ مغربية ، هي نفسها التي كنت ابحث عنها في مسابح الفنادق السياحية هي نفسها التي كنت ادرس معها وانا اسرق النظر اليها بزاوية من عيني اليمني حيث كنت اجيد سرقة نظرة الى وجهها الجميل، وكم تخيلت بأني معها في زورق لوحدنا وسط امواج النيل او دجلة و بأني اخذتها من يدها لمشاهدة مسرحية الزعيم لعادل امام في القاهرة ونحن نضحك ملئ القلب ، وبأني دعوتها لمشاهدة فيلم السفارة في العمارة في احدى صالات القاهرة ليلا، ولم اعرف لماذا تخيلتها معي على السرير في شقتتا في بغداد ويسترنا فيه الله من صاروخ طيارة امريكية تسقط قريبا من البيت وننجو هذه المرة ايضا من حتمية الموت ، وكأن الله اراد لنا ان نعيش حياة اخرى بعد كل هذه النكسات الواحدة تلو الاخرى ، او نشرب العصير في احدى مقاهي المنصور في بغداد ، وها انذا واخيرا استسلم للنوم واستكين للصبر واحس بأني بين ايد رحيمة مراعية ستمد في عمري اياما اخرى طامعا ، مرحا ، متمنيا ومتفائلا ، ووجدتني قد انهيت الصراع الداخلي بين ذاتي السفلى وذاتي العليا في محاولة للتوفيق بين هاتين القوتين المتنازعتين كي ارجع لسويتي كما كنت يوم كان الوعي يدير الامور لدي
مازلت خارج المكان والزمان ممددا على سريري غير قادر على الاتيان بأية حركة لكنني احس ببعض الراحة وبأن خلايا الدماغ عادت اليها السيل الدافئ وبدأت اتحسس بان الشرايين والاوردة تتسابق كتوزيع الماء في بستان جدي المترامي الاطراف لأجد نفسي اركض مع بدايات الماء وهو يسير سريعا وانا اقفز من ترعة الى اخرى محاولا مسابقة الخطوط الاولى للماء وهي فرحة تنبئ بالخير ، هاهو السيل يتوجه الان الى مجموعة التفاح الاحمر ، ليدور الى مجموعة التفاح الاصفر ، ليتجمع حول اشجار الرمان ، ويسير ملتويا لأشجار الرارنج ، ليضرب سعف النخل بعضه ببعض مع صفير هادئ للريح في لحن جميل لاحدى سمفونيات بيتهوفن الرائعة او سمفونية بحيرة البجع اذ النغمات تصعد باتجاه السماء عند شروق الشمس هذا الصباح المشرق لتسلل اشعة شمسه وكأنها خيوط حريرية نازلة من السماء تلمع هنا وهناك لتعطي اخضرار اوراق الشجر انعكاسات متلألئة ، ويطول معها قامة جدي وهو يضع المسحاة فوق كتفه الايمن مزهوا برؤية بستانة المزدهر
احسست ببعض الدفئ في قدمي وحاولت التنصت طالت معها اذني تدور هنا وهناك تترقب صاحبة الصوت ، وعصرت ذاكرتي كي اتذكرها وعاودت تكرار لعبة البحث في طيات الماضي التي كنت قد بدأتها في مراجعتي لقسم الضمان الصحي ، وتعززت ثقتي بنفسي اكثر من ذي قبل وصرت جادا اكثر في بحثي ، واستجمعت قواي ومازالت عيناي لا تطاوعاني وجفناي مطبقان ، حاولت تحريك لساني ، وكان صعبا علي ، لكنني وجدت نفسي اتأمل طريق الماضي من احدى زوايا القلب بعد ان انسلت شحنة كهربائية من شغاف القلب وفجأة وجدت نفسي ابذل الجهد لتجاوز صماما يبدو عليه التعب باتجاه البطين وتوقفت هناك وتنفست الصعداء وكان الاوكسجين نقيا طريا قد زاد من شجاعتي واعطاني جرعة اخرى وقوة غير عادية حيث كنت اسمع قلبي يقول لوب بوب لوب بوب ، ووقفت معتليا بداية الشريان كأنه درب التبانة وانا في طريقي الى خلايا الدماغ بحثا عن صاحبة الصوت ، وانسل بعض الخدر الى جسمي حين احسست بابرة توخزني بعضلة الفخذ الايمن ، يومها كان الدم ينزف مني ، وملابسي العسكرية قد تضمخت بالدم ، وانا ملقى على حافة الموقع عند الكيس الرملي بعد ان قصفتنا الطائرات المعادية ولم اسمع يومها الا اصوات طلقاتنا واصوات المدافع المدوية وازيز الاطلاقات والدخان الاسود المتصاعد في السماء الرمادي ليضيف له سوادا حالكا واعصابنا مشدودة باتجاه الطائرات وانا ادور معها بمدفعي الرشاش في تحد مميت اقرب للعبث وهي تزأر في السماء ، لكنها وبعناد مستميت توجهت نحوي وقبل ان تصبح الطائرة فوقي كنت قد سمعت دوي الصاروخ الذي انفجر بقربي ، وفقدت حينها قدرتي على الرؤيا وكان الاه آخر صرخة سمعتها بنفسي منطوقة على لساني وسقطت ، ولم اعرف بعدها ماذا جرى لي حيث صرت كما الأن خارج الزمان والمكان دون وعي ، مااشبه اليوم بالبارحة وكأن التاريخ يعيد نفسه ، لكنني لا أعرف هل هي المهزلة ام المأساة بالنسبة لي
يومها كان الوطن سببا لكارثتي وتهت في غربتي دون نظر ولا نطق وكنت استعين بالسمع صبرا وعانيت كذلك في اسري سنواتا عديدة ، وهنا صارت حنين بقايا من وطني هي سبب كارثتي وغربتي دون نظر ولا نطق استعين بالسمع صبرا على مصيبتي بعيدا عن الاهل وعن صغاري الذين هم كل ما تبقى لي وما ورثت من هذه الدنيا ، لكن الصوت هو نفسه آنذاك يؤثر علي و يعمل على اعادة الروح لي ويبعث في الحياة ، يومها كما اليوم ضمدت صاحبة هذا الصوت جراحي وكان جسمي الواهن يئن من سطوة الالم والروح اقرب الى توديعي وكنت بين الحين والحين اقرب الى الاستسلام ، وكانت النفس منخورة كما اليوم والفكر في صراع داخلي ، محتدم بين ذاتي السفلى و ذاتي العليا محاولا التوفيق و متسائلا دون صوت وفي صراعي المرير عن مغزى كل هذه الحروب البشرية.
امضيت الاشهر الاولى من اسري وانا على هذه الحال مطبق الجفنين في سوادي الحالك صامت ، لا اقوى على الحركة ممدادا في سريري وكنت آنذاك في اواخر عشرينياتي احاول ان اجد بصيص أمل بعد ان عرفت باني موجود في مستشفى اسيرا عند القوات المعادية وعند الهلال ا لاحمر الدولي ، وان احد العاملين في مجال التمريض من القوات المعادية وجدني في الخندق في احدى الجبهات الامامية يدعى محمد رضا ، وهو مازال بين الحين والحين يزورني كلما جاء في اجازة من الجبهة ، وكانت هذه الاخبار تصلني اول باول من قبل زملائي الاسرى من نزلاء المستشفى العسكري الذين كانوا تحت العلاج وهم في حالة تسمح لهم بالمشاهدة والنطق والسمع لذلك كانوا يبعثون في الامل حين يسردون علي القصص ، وكنت احاججهم على ان الصوت الذي اسمعه يكاد ان يكون صوت الملائكة بدفئه وبحته الجميلة ، بل احس بأني في رعاية الملائكة لما احسه من لطف من لدن هذا الانسان ، وقالوا بل انه من الملائكة لجماله ووسامته وخلقه الرفيع انه بجمال ، يوسف ، انه هبة من الله يا عمر ، واشكر رب السماء دائما على نعمته هذه رغم انك لاترى ولا تتكلم ،بانك في رعاية هذا الانسان ، لأنه متأكد بعودة النظر اليك يوما ما ، لكنها الارادة لذلك يقول بأنه اول مايحصل على اجازته سيعود لزيارتك ، وكلما ارسل في مهمة الى العاصمة جاء لزيارتك ، ماهذه الرحمة يا سيدي ، وكنت احس في كلماتهم نوعا من السخرية الشرقية الموبقة ، والتي تشير الى مافي بواطن هؤلاء العسكر من كبت وحاجات انسانية ملحة ، وهم يلمحون الى ما لا افهمه ، خاصة وانا يتسنى لي فقط استخدام حاستي السمع والشم ، ولا اعرف ان كان الانسان بمقدوره استكشاف بواطن الامور حين تكون مبهمة لهذه الدرجة على من اقفلت جفنيه رغما عنه . ولكثرة مزاحاتهم الثقيلة وتكرارها صارت خفيفة على روحي ، بل صرت انتظر محمد رضا بفارغ الصبر واعد الايام بالاصابع اعدها ومن ثم اعدها واكرر عدها ، لدرجة تخطئني فيها ويخذلني الادراك ، هذا الاحساس المفاجئ في داخلي هون علي الصراع ، ورماني في بحر من الاستكانة النفسية لأنسان بات قريبا علي ، واحسست بجميل فضائله علي ، عندما انقذني من الموت المحتم ورعايته هذه وانا في قاع الظلمات ، هذه الرعاية التي تعتبر بالنسبة لي في هذه اللحظات هي لمسة سماوية ملائكية لقوى الخير في الطبيعة وتعزز لي الامل بأن الدنيا مازال فيها الخير.
فرهاد عزيز
اواخر كانون الاول عام 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة