الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة للمسافة

صبري هاشم

2013 / 12 / 25
الادب والفن


هي ذاكرةٌ ورثتْ زمهريرَ الفجرِ وتاهت
استباحها العابرون وهيّجوا فيها لوعةَ الزمنِ
هي ذاكرةٌ حَصَدتْ كلَّ الكلامِ الذي لا يُقال
والذي قيلَ وذابَ في هباء
هي ذاكرةٌ توارتْ خلفَ ظلالِ النُّفوسِ
أدمنتْ طعناتٍ عادةً ما تأتي على هشاشةِ صفحةٍ للحنينِ
ودائماً كانت هدفاً للصديقِ
وللمُرائي حين يَستَبْدِلُ وجْهاً بوجهِ
أو وجوهاً بأخرى
سوداً في معظمِها
هي ذاكرةٌ تاهتْ فَمَن يُرشِدُها ؟
***
هي ذاكرةٌ
وأنتَ روحُ المدينةِ وتاجُها المَنزوع
صراخُها الأزليّ
طينُها المُسالم
أنفاسُها المُتْعبة
سرُّ خُلودِها
أنتَ طيبُها
بلسمُها
نهرُها المُستغرقُ في النَّحيبِ
طيفُ أبراجِها
الآمرُ فيها
والناهي أنتَ
فهل تحسبُ لك أنداداً في مركبِ المصير
وأيّ المقاماتِ التي بكَ تستجير؟
هي البرّيةُ تدعوكَ إليها وأنتَ فرسٌ مِن بين الأفراسِ عليل
هي السماءُ تُرشدُكَ إليها وأنتَ طيرٌ لا يطير
وأنتَ أنيسُ المسافاتِ التي جسْتَ رمالَها
والتي أطرقتْ لمرورِ خُطوِكَ خجلاً
وأنتَ أسيرُ البلادِ التي مِن طيّباتِ عَرْفِكَ ما تعطّرتْ
والتي باتتْ على الطريقِ ترتجي مِنكَ عودةً

***

أسفٌ على الذاكرةِ حينَ على جسدِ الغيابِ تُزهرُ
وحين على الخرابِ تُطِلُّ
وحينَ على الرّحيلِ تَنفتحُ
أسفٌ على أدمُعِها حين على أرصفةِ الضّياعِ تنسكبُ
أسفٌ على الخِطابِ الذي لا يَصِل
ولو بعدَ حين
***
.... وكلُّ الرسائل تأتي بالصّمتِ محملةً ....
.... وصَمْتُكَ بجدرانِ الكلامِ يتعثرُ ....
.... حين كنتَ بالصَّمتِ هادراً ....

***
هي ذاكرةٌ
وأنتَ تُنشِدُ :
أنتُم كما كُنتُم
الأزمنةُ جميعُها لكُم
وأصواتٌ لكُم تملأُ الأمكنةَ
زمنٌ للطُغاةِ
أنتُم فيه صوتُ ناعقٍ
زمنٌ للغُزاةِ
أنتم فيه النابحُ المُسَوّغُ
لكُم صوتُ " الخائنِ المُتخاذلِ " في كلِّ حينٍ يُلَعْلِعُ
وصوتُ نفيرِ الطّيرِ فوقَ كلِ غصنٍ يَصدحُ
هللويا
......
وأَنتُم كما أنتُم

***

.... قيلَ للخائنِ لسان عاهرٍ ....
.... وقيلَ للعُهرِ أكثر مِن لسانٍ ....
.... وقيلَ تأتي الجباهُ ممسوحةً مِن قطرةِ الخَجلِ ....

***
وهي ذاكرةٌ
وأنتَ تعرفُ وحشةَ غربةٍ
قبلَ أنْ يتقدّمَ بك عمرٌ أو تَسْتَبِدَّ بك علّةٌ
وأنتَ تهدرُ :
صَمْتي يرتطمُ بمروقِ الرِّمالِ
فلا تستفزّوا مِني ذاكرةً
وكونوا بكلمةٍ طيبةٍ أبناءَ الأكرمينِ لا بمدِّ الموائد
لا تُذكوا نارَ ذاكرةٍ
واحذروا مِنها لهيباً يُطيحُ بأسوارِ القمر
***
على جسدِ الهواءِ كتبتَ صَمْتَكَ
وتَيقّنتَ مِن سطوةِ كلامٍ أطلقتْهُ الآفاقُ
مِن خُطوةٍ ارتدّتْ نحو أولِ الطريقِ
وتعلّمتَ بعدَ فواتِ الأَوانِ أنَّ مَن لا يملُك شبراً مِن أرضٍ ظلَّ بِلا وطن
هكذا صرتَ تجوبُ البلدانَ

***

وَضَعْتَ على قارعةِ الطَّريقِ قصاصاتٍ
و ناديتَ على الصَّحبِ :
هلموا
خُذوها واسجروا مِنها تنّانيرَ أحقادِكم

***
وأنتَ للكلامِ تُعيد :
.... احذروا صوتاً في الطريق ....
.... احذروا ابتسامةً مِن صديقٍ ....
.... نزعَ ثوبَ الصداقةِ وباتَ عارياً ....
.... احذروا جمرةً طاشتْ مِن حريق ....
***
وهي ذاكرةٌ
على صدرِ البابِ أَرِحْتَ رأساً
ورحتَ تنْشِجُ ثم تنتحبُ
ومِن خللِ عتمةٍ إليكَ مِن وراءِ سترِ النحيبِ تنسربُ
أحسستَ يداً نحو أحزانِكَ تمتدُّ
تُداعبُ هامةً ثم على شعرِكَ المنضودِ راحتْ تُمسِّدُ
وصوتٌ مِن وراء البابِ كأنَّهُ منذُ الأزل يأتي :
يا هذا اهمسْ لدرفةِ القلبِ علَّها على المودةِ تنفتحُ
وأنتَ تُجاهدُ
تَتصبّرُ ثمَّ تَنكفئُ :
للهِ درُّكَ مِن بابٍ
يظلُّ يدعوكَ وهو ينغلقُ
يُديرُ الظهرَ عنكَ ثم يحتجبُ
على كتفِ الجدارِ أرخيتَ رأساً
بتلالِ الحزنِ باتَ ينوءُ وهو يجتهدُ
تارةً على الأيامِ يشتدُّ أمرُ سوادِهِ
وتارةً بوجهِ الرّيحِ ظلَّ يعتدلُ
على صدرِ النَّحيبِ
نسيتَ رأساً
وصارَ البابُ مِن لوعةٍ
يجهشُ ثم يَتنشجُ

***

.... وأنتَ الذي مِن جُحْرٍ ....
.... ألفَ مرّةٍ كان يُلدَغُ ....
.... فصارَ اللدغُ ألفاً بِلا جحرٍ ....

***

وَضَعَتْ على قارعةِ الطريقِ حَمْلَها وابتعدتْ
وهي ذاكرةٌ
مِن بعدها صرْنا نَصيح :
يا أنتِ ارجعي
لكنّ المسافةَ أخذتْها وغابتْ
لكنَّها ابتلعتْها الرّيح
وأنتَ تُنادي:
ارفَعِي ساقيكِ للريحِ كي تأتيَ الوليدة
والريحُ تبتعدُ
وهي ذاكرةٌ


17 ـ 12 ـ 2013 برلين

***












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض