الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق قوى اليسار والديمقراطية في العراق

عواد احمد صالح

2005 / 6 / 14
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أثارت الأنتخابات العراقية التي جرت في 30 كانون الثاني وما اعقبها من نتائج من جديد على يساط النقاش جملة قضايا ومفاهيم تخص مواقف الشيوعيين والديمقراطيين ومجمل قوى اليسار خاصة ، نظرا للنزوع الطائفي الواضح والصريح الذي رافق عملية الانتخابات وأفضى إلى فوز (القائمة الشيعية ) فقد أدت (الفتاوى الدينية) والأدلة الأسلاموية المتلبسة بلباس طائفي إلى تغليب الخيارات الطائفية لدى القطاع الأعظم من الشعب الذي مازال يرزح تحت هيمنة مؤثرات حقبة الديكتاتورية والانغلاق والتخلف .. على الخيار السياسي والأيديولوجي ، الطبقي او الوطني .. وقد انحاز قسم كبير ممن ينتسبون الى الشيوعيين والديمقراطيين والليبراليين وممن يحسبون على المعسكر اليساري والديمقراطي ... انحاز هؤلاء الى جانب الطائفة على حساب الخيارات السياسية والفكرية لأحزابهم .
ان هذا الانحياز الذي هو بمثابة كارثة سياسية ، يعكس ضعف التربية الديمقراطية والاشتراكية والافتقار الى الصلابة المبدئية لدى تلك القطاعات الواسعة في المعسكرين اليساري والليبرالي ... وكون الأحزاب الديمقراطية والليبرالية والشيوعيين مازالوا يعانون من عيوب كبيرة على المستوى الأيديولوجي والسياسي.
ان الأحزاب الديمقراطية عموما – ربما باستثناء الحزب الشيوعي العراقي المحسوب الآن على التيار الديمقراطي - تفتقر الى التقاليد السياسية الديناميكية والمبدئية ولا ترتبط بصلات وثيقة مع الجماهير كونها أحزاب نخب سياسية وهي حديثة العهد ، فقد أعيد تشكيل معظمها بعد سقوط النظام السابق كما ان الأساس الطبقي لوجودها ( البرجوازية الليبرالية في العراق ) الذي يفترض ان تستند الية وتمثله سياسيا مايزال هشا وضعيفا بل محطما لان حكم صدام الديكتاتوري الفاشي قد اضعف وهمش كل الطبقات الاجتماعية في البلد.
ماهي أسباب تغليب مصالح الطائفة على الطروحات السياسية التقدمية التي يفترض انها تمثل مصالح طبقية وسياسية ووطنية..؟؟ ان اهم الأسباب ، الإكراه الديني وهيمنة الأيديولوجيا الدينية –الطائفية على ذهنية الجماهير ، العزلة السياسية الطويلة التي عانى منها الشعب العراقي في عهد الديكتاتورية ورواسبها ، دور المراجع والأحزاب الدينية المؤثر في التثقيف بالاتجاه الطائفي .
لقد عمقت حقبة صدام النزوع الديني والطائفي والقومي لدى معظم مكونات الشعب العراقي بسبب القمع والحروب والعوز والحرمان الاقتصادي ، مما دفع الناس الى اللجوء الى الغيبيات والقدريات لانها تمثل العزاء الوحيد لهم وتفسر الحروب والظلم والحرمان الاقتصادي على انها قدر مقدر .. وقد اسهم في ترسيخ هذه النظرة اعلام صدام وحملاته الدعائية وجهازه الحزبي والسياسي .. ان التكوين الفكري والسياسي لشرائح واسعة من المجتمع العراقي كان قد نشأ بفعل بنية طبقية هلامية هشة ومحطمة خلقها النظام الفاشي البونابرتي بسبب العسكرة الشاملة والأزمات الأقتصادية والحروب التي اعاقت التطور الاقتصادي ونمو القوى المنتجة بالقدر الكافي . فضلا عن الرواسب الموروثة من عصور الأقطاع العشائري والتخلف البطريركي ومع ضعف المؤثرات السياسية والأيديولوجية والثقافية التقدمية التي ارتبطت بمرحلة تاريخية محددة والتي شهدت انحسار وتراجعا على مستوى عالمي ...بعد حقبة الثمانينات والتسعينات بعد انهيار وسقوط (الكتلة السوفيتية ) .
مايهمنا هنا هو التأكيد على ان انحياز عدد كبير من الشيوعيين وتصويتهم الى جانب الطائفة التي ينتمون اليها على حساب الأنتماء الحزبي انما يعكس قصور مريع في التربية والتثقيف السياسي الديمقراطي والاشتراكي .. وعلى هذا فأن من الواجب من وجهة نظر مصالح الطبقة العاملة وكافة الشغيلة أي السواد الأعظم من الشعب (( تربية الجماهير بروح النضال الطبقي بمنتهى الحزم والتلاحم والجرأة والثورية )) (لينين ) هذا بالنسبة للشيوعيين حقا ؟؟ لا الشيوعيين بالاسم فقط .. اما اذا كان النهج الحزبي وطنيا ديمقراطيا فهذا شيء آخر ..وعلى الأرجح سوف لن يجد الأعضاء في الحزب الشيوعي او قوى اليسار فرقا جوهريا بين حزبهم والأحزاب الديمقراطية او حتى أحزاب الإسلام السياسي التي تطرح من الناحية الشكلية مفاهيم الديمقراطية والحرية والتعددية ، لكنها في الجانب الأخر تفعل عكس ذلك ..
صحيح ان (المسألة الوطنية ) المتمثلة بخلاص العراق من الوجود الأجنبي وإقامة نظام ديمقراطي تعددي هي مسألة حاسمة بالنسبة إلى كل قوى الشعب الآن والتي يفترض ان تتجاوز المصالح الفئوية والحزبية الضيقة على الأقل في هذه المرحلةّ !!..لكن تبقى مسألة الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين هي القضية الأساسية ومحور النضال الأيديولوجي والسياسي للشيوعيين والماركسيين عموما التي لاينبغي ان تغيب عن الأذهان والتي يجب ان تشكل العمود الفقري للثقافة الحزبية .
ان انجاز المهام الوطنية المتمثلة بالسيادة والاستقلال وبناء نظام ديمقراطي هي مقدمات لابد منها وهامة جدا للنضال الطبقي ... لما يجب العمل في سبيله مستقبلا ودائما ( اكثر من أي شيء آخر وهو الأرتفاع بجماهيره الكادحة ( أي تسعة أعشار سكانه ) الى حياة ديمقراطية واشتراكية واعية ) ( لينين) أي السعي الى اقامة نظام اشتراكي انساني وديمقراطي عادل وهو الهدف المباشر للماركسيين الثوريين... ليس هناك أدنى شك في الترابط الجدلي الوثيق بين القضية الوطنية والقضية الأيديولوجية والسياسية.. فأذا كانت قضية حرية الوطن وسيادته وبناء الديمقراطية مسألة راهنة وحاسمة الآن .. فلا ينبغي اعتبارها المحور الوحيد للعمل السياسي ..
ان المرحلة الانتقالية الراهنة التي يمر بها العراق الآن مرحلة شائكة ومعقدة وطويلة وفيها الكثير من التداخل والترابط بين ماهو وطني وماهو طبقي .. وان الذين يسيئون بالغ الإساءة الى القضية الوطنية والطبقية إفرادا واحزاب هم اولئك الذين يقدمون خياراتهم الطائفية او القومية او العرقية على حساب قضية الشعب والوطن بمجملها .. وان التحرر الحقيقي من الاحتلال وإقامة نظام ديمقراطي ينبغي ان يرتبط بالتحرر الاجتماعي من الظلم والتخلف والاستغلال الطبقي والقومي ، بل التحرر من الأوهام المرتبطة بالطائفية والعنصرية والتعصب القومي والديني . فلا يمكن للمرء أن يكون ماركسيا أو اشتراكيا حقيقيا مالم يتحرر من كل الشروط التي تميز بين الأفراد والمجموعات البشرية والقوميات مالم يكن إنسانيا يؤمن بالمساواة التامة في الحقوق بين كل مكونات الشعب الواحد وبين مختلف الأمم وان لايجعل من المذهب او الدين معيارا للحكم وميزة خاصة تميز هذه المجموعة او تلك عن المجموعات الأخرى ، وهو بذلك انما يكون ديمقراطيا متماسكا وحقيقيا ..وان يظل دائب السعي للتخلص من جذور ورواسب القيم المتخلفة وان يضع دائما نصب عينيه النظر إلى الأمام وباتجاه بناء مجتمع إنساني لا طبقي خال من المميزات والفوارق الاجتماعية والدينية والقومية والإنسانية .
لابد ان يرد العمال الواعون وجميع الشغيلة على سياسة الانحياز الطائفي او القومي من أي طرف جاءت بالتأكيد على وحدة الشعب والإخاء البروليتاري والأممي بين جميع المكونات الاجتماعية للشعب العراقي .. وان يجعلوا من الكفاح في سبيل المصالح الاقتصادية والسياسية للكادحين هدفا أسمى وعنوانا للتضامن والإخاء والمساواة.

12-3-2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتداء الشرطة الهولندية على متظاهرين متضامنين مع فلسطين


.. الألعاب الأولمبية: تحقيق حول مدى التزام الحكومة الفرنسية بوع




.. شرطة مكافحة الشغب الهولندية تعتدي بالهراوات على متظاهرين مؤي


.. أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل




.. أون سيت - لقاء مع صبري فواز | الجمعة 26 أبريل 2024 | اللقاء