الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجلس التشريعي: رواتب ومتاعب

تيسير خالد

2005 / 6 / 14
القضية الفلسطينية


عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

المجلس التشريعي الفلسطيني أشغاله كثيرة ، فالحواجز العسكرية للاحتلال وسياسة الحصار والإغلاق لا تحول بينه وبين مواصلة عمله في التشريع وسن القوانين ومحاسبة ومساءلة الحكومة . إنه لأمر جيد أن يضطلع المجلس التشريعي بدوره ليس فقط في التشريع وسن القوانين ، بل وكذلك في محاسبة ومساءلة الحكومة ، وحتى في توزيع حقائبها على كتل برلمانية تتشكل وتنحل وتعود تتشكل من جديد لضمان التوزيع المناسب للحقائب الوزارية على كتل الحزب الواحد البرلمانية .




على المواطن الفلسطيني أن يفرح ويبتهج للدور الذي يضطلع به المجلس في الرقابة والمحاسبة ، فالنظام البرلماني الديمقراطي لا غنى له عن ذلك ، ولكن من الذي يراقب ويحاسب ويسائل المجلس التشريعي على دوره ؟ الرأي العام ؟ نعم ، ولكنه رأي عام مغيب لأكثر من سبب واعتبار ، فنظامنا السياسي يتعمد تغييبه ، وفوق ذلك ، بل وقبل ذلك ، فإن سياسة حكومة إسرائيل وممارساتها الإرهابية ، والتي لا هدف لها غير تدمير المشروع الوطني الفلسطيني وتحويل حياة المواطن الفلسطيني إلى جحيم لا يطاق ، تفعل هي الأخرى فعلها ، فتدفع المواطن للانشغال بهمومه المعيشية من أجل مجرد البقاء .
وفي ظل غياب أو تغييب الرأي العام ، يعمل المجلس التشريعي وغيره من هيئات وإدارات ومؤسسات السلطة . وفي الأيام الأخيرة جاء يلفت الانتباه انشغال المجلس التشريعي بمناقشة قانون مكافأت ومخصصات رئيس وأعضاء المجلس التشريعي ، رئيس وأعضاء مجلس الوزراء ، فضلاً عن المحافظين . بالقراءة الأولى أقر المجلس القانون فحدد راتب رئيس المجلس التشريعي ورئيس مجلس الوزراء بأربعة آلاف دولار شهرياً ، وراتب عضو المجلس التشريعي وعضو مجلس الوزراء بثلاثة آلاف دولار ، وراتب المحافظ بألفين وخمسمائة دولار . وحتى لا تثقل المهمات على النائب والوزير فقد حدد مشروع القانون لكل من النائب والوزير بدل مهمة داخلية قدرها مائة دولار كل يوم وضعفها بدل مهمة خارجية . وهذا يعني إذا انتقل النائب من مدينة نابلس مثلاً إلى مدينة رام الله لحضور جلسة للمجلس التشريعي أو لحضور اجتماع لجنة برلمانية فعلى خزينة السلطة أن تفتح بابها لتغطية بدل المهمة بالرقم المحدد والأيام المعلومة . وللوزير مثل حق النائب على هذا الصعيد ، علماً أن راتب النائب كما هو الآن يصل إلى 8600 شيكل ، أي أكثر بألفي شيكل من راتب الوزير ، أما المحافظ فقد استثني من حق بدل المهمة .
ولأن أوضاعنا المالية ليست على هذا القدر من السوء والتدهور كما تروج الإشاعات فقد أقرت القراءة الأولى لمشروع القانون مبلغاً زهيداً للنائب والوزير والمحافظ لا يتجاوز 15 ألف دولار بدل تحسين أوضاع يصرف لمرة واحدة عند بدء ممارسة المهمة لأول مرة ، مع التأكيد على عدم نفاذ ذلك بأثر رجعي . أحد النواب اقترح شطب هذا المبلغ المتواضع ، لأن المعني يتقاضاه من تحت الطاولة ، فجاءه الجواب صريحاً بأنه من الأسلم ومن أجل الشفافية أن يتقاضى المعني المبلغ من فوق الطاولة .
من حق المجلس التشريعي أن يناقش مشاريع قوانين ، فهذه وظيفته وهذا دوره ، ولكن من واجبه كذلك أن يكون منسجماً مع نفسه أولاً ومع الرأي العام الذي اختاره لتمثيله ثانياً أو العكس . ومن هنا أبدأ مناقشة النواب المحترمين . فقبل أشهر قليلة تقدم وزير المالية بخطاب الموازنة إلى المجلس التشريعي ، كان ذلك في الثالث من كانون الأول من العام الماضي ، وقد أقره المجلس بعد نقاش طويل . ولكن ما الذي قاله وزير المالية في خطابه وصادق يه أعضاء المجلس التشريعي . قال خطاب الموازنة ما يلي :
• حدث تحسن طفيف في الأداء الاقتصادي بمعدل نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي قدره 4,5% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2003 ، بالمقارنة مع العام 2002 .
• إلا أن نسبة الفقر في المجتمع الفلسطيني لا تزال تزيد عن 60% من السكان ، أي أنها لا زالت كما كانت عليه نهاية العام 2002 .
• نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي استمر على ما كان عليه عام 2002 وهو يساوي فقط 55% من المستوى الذي كان عليه في العام 1999 .
• انخفض الإنفاق على استهلاك الغذاء بمعدل 25% عما كان عليه في العام 1999 .
• نسبة البطالة تصل إلى 31% من إجمالي القوة العاملة ، مع مراعاة أن نسبة غير قليلة قد توقفت عن البحث عن فرص عمل .
• القيمة التقديرية للاستثمار من قبل القطاع الخاص عام 2003 هي ثلث ما كانت عليه في العام 1999 .
• الأوضاع الاقتصادية المتردية بشكل عام ولدت ضغوطاً إضافيةً على الموارد المالية الذاتية المتاحة ، فضلاً عن المساعدات الخارجية . وإجمالي المساعدات عام 2003 انخفض إلى ما دون 900 مليون دولار بعد أن كان قد وصل إلى 929 مليون عام 2001 ، وإلى 1025 مليون عام 2002 .
• كان الانخفاض حاداً بشكل خاص في المساعدات المخصصة لدعم الموازنة حيث انخفض إلى 370 مليون دولار عام 2003 ، بعد أن كان 502 مليون عام 2001 ، ونحو 535 مليون دولار عام 2002 .
تلك كانت صورة الأوضاع الاقتصادية كما جاء في خطاب الموازنة لوزير المالية ، أما التوقعات التي وضعها الوزير أمام أعضاء المجلس التشريعي فكانت على النحو التالي :
• لن يطرأ تغير جوهري على حالة عدم الاستقرار السياسي التي سادت خلال العامين الماضيين .
• سوف يترتب على ذلك تراجع في النمو الاقتصادي إلى حوالي 3,5% في الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2004 و 2005 .
• وهذا يعني أن معدلات الفقر والبطالة سوف تبقى حول مستواها الحالي ( تقديرات متفائلة لوزير المالية ) .
• أما الإيرادات المتوقعة للعام 2004 فيمكن أن تصل إلى 806 مليون دولار ، وللعام 2005 إلى 835 مليون دولار ، أي بزيادة بحوالي 3,5% .
• وأما النفقات فمن المتوقع أن تصل إلى 1694 مليون دولار أي بزيادة 6,5% عما كانت عليه في العام 2003 .
• وهذا يعني ، وهنا بيت القصيد ، أن العجز في موازنة العام 2004 سوف يبلغ نحو 890 مليون دولار ، أي نحو 27% من الناتج المحلي الإجمالي حسب خطاب الموازنة ، الذي لم يقدم إلى المجلس التشريعي من تحت الطاولة ، بل من فوق الطاولة .
إلى كل هذا نستطيع أن نضيف الكثير من البيانات لتذكير أعضاء المجلس التشريعي بأوضاعنا الاقتصادية وهم يناقشون مشروع قانون مخصصات ومكافئات النواب والوزراء . فمعدلات البطالة هي في حقيقتها أعلى من تقديرات خطاب الموازنة إذا ما أضفنا إليها أعداد الوافدين إلى سوق العمل سنوياً ، وهي لا تقل عن 40% في الضفة الغربية وأعلى من ذلك في قطاع غزة ، وأسعار السلع والخدمات المتنوعة سجلت نهاية العام 2003 ارتفاعاً بنسبة 13,95 عما كانت عليه العام 2000 ، ونسبة الإعالة الاقتصادية ارتفعت من 4,8 في الربع الثالث من العام 2000 إلى 6 في الربع الرابع من العام 2003 في الضفة الغربية ، ومن 5,9 إلى 7,7 في قطاع غزة على التوالي ، ونسبة العاملين بأجر والذين تتراوح أجورهم الشهرية في حدود خط الفقر تصل إلى 59,1% في الربع الرابع من العام 2003 ، وهنالك 40300 طفل بين سن 5 – 17 سنة يعملون بسبب الحاجة الاقتصادية ، 62% منهم يفضلون التفرغ للدراسة ، ولكن الظروف الاقتصادية تجبرهم على العمل .
هذا غيض من فيض للعاملين في القطاع الخاص . وبالنسبة للعاملين في القطاع الحكومي فهنالك من البيانات ما يكفي للاهتمام بأوضاعهم . لننظر إلى رواتب العاملين في قطاعي التعليم والصحة ، وإلى رواتب العاملين في الأجهزة العسكرية والأمنية ، وبخاصة المجندين الجدد ، هؤلاء يقدمون أيضاً خدمات للشعب والمجتمع ، ويعيلون أسراً هي في أمس الحاجة للمساعدة . المعلمون ، وهم المسؤولون عن تربية الأجيال يصرخون ، لماذا لا يهتم أعضاء المجلس التشريعي بإنصافهم بقانون يساوي بينهم وبين غيرهم من الموظفين في علاوة المهنة في الحد الأدنى ، فغيرهم من الموظفين يتقاضى علاوة مهنة بمعدل 30% ، أما المعلمون وهم قطاع واسع فيتقاضون علاوة مهنة بمعدل 10% ، ويهددون ويتوعدون بالإضراب لتحسين أوضاعهم . فئات اجتماعية كثيرة في المجتمع تنتظر من ينصفها ، ويساعدها على العيش في حدود مستوى الفقر كأسر الشهداء . ألا يهزنا من الأعماق مثلاً ، أن عائلات بعض الشهداء تتقاضى راتباً شهرياً لا يزيد عن 33 دولاراً حسب بيانات محمد صبيحات الأمين العام للتجمع الوطني لأسر الشهداء وفق ما نشر في صحيفة القدس في 29 كانون أول 2003 .
وأخيراً ، استوقفني خبر تداولته الصحافة الوطنية يقول : رغم مطالبة عدد من النواب إنشاء صندوق " ضمان الأسرى والمحررين " وتحويله إلى مؤسسة وطنية تشارك فيه الحكومة والقطاعين الأهلي والخاص ، إلا أن هذه المطالبة شطبت من جدول أعمال المجلس التشريعي .كان ذلك بعد يومين فقط من المصادقة بالقراءة الأولى على مشروع قانون مخصصات النواب والوزراء . والسؤال الآن : في أي اتجاه نمضي بين رواتب النواب والوزراء ومتاعب المواطنين في ظل ظروف اقتصادية معروفة يعيشها المواطن ولا تخفى في ظني عن النائب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل