الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توني الخياط

سعد محمد موسى

2013 / 12 / 27
الادب والفن


توني الخياط

سعد محمد موسى
كنت أتامل هذا الصباح في محل الشيخ اليوناني (توني الخياط) بجدرانه الحزينة، وصدى الفراغ الذي يحمل حكايات كثيرة.
وكانت هنالك أيضاً بقايا من رسائل مهملة وملقاة فوق عتبة البوابة.
تساءلت عن سبب غياب الخياط بعد أن أقفلت البوابة وفراغ المكان من ماكنات الخياطة والصور الفوتغرافية القديمة التي كانت معلقة على الجدران ولم أكن مهتماً بمصير معطفي الذي تركته في المحل لغرض تثبيت احد ازراره.
جلست في المقهى المقابل لمحل خياطة توني وبعد أن سألت أصحاب المقاهي والمطاعم التي كانت قريبة من المحل عن أخبار الخياط فأخبرني الجميع انهم لم يعرفوأ شيئاً عن غياب توني المفاجىء .
فتوقعت ان هذا الرجل الاغريقي ربما رجع الى أرضه وسماواته الاولى هناك، بعد أن هاج به الحنين الى جزيرة كريت، كي يحتسي من زجاجات عرق الاوزو على ضفاف السواحل وتحت أشجار الزيتون ثم يرسم في الفضاء رقصة زوربا الاخيرة.
....
استرجعت حكايات الشيخ اليوناني حين كنت أجالسه في محل الخياطة، وهو يروي بعض من فصول حياته في اليونان وأيضاً حول هجرته الى جزيرة استراليا البكر والتي كان يطلق عليها المهاجرون الاوائل أرض الحليب والعسل.
بعد أن قرر والديه أن يبيعا الدار ومزرعة الزيتون كي يهاجرا مع العائلة الى استراليا.
صدم توني بقرار والده الصارم، الذي أدمى قلبه وهو كان بعمر 18 سنة في مغادرة جزيرة (كريت) التي كانت تمثل له فردوسه وعشقة لاسيما انه كان يرتبط بعلاقة سرية مع امراة متزوجة من تلك الجزيرة .
في اليوم الاخر واثناء استعدادات العائلة لمشروع هجرة الوطن، أخبر توني أمه عن رفضه لفكرة الهجرة مع العائلة الى استراليا، استاءت الام من كلام ولدها بعدها غادر توني الدار سراً.
التقى توني بحبيبته (هيلين)
وأخبرها بقرار هجرة العائلة، أجهشت الفتاة في بكاء عميق فعانقها توني وهو كان يهدىء من روعها ويهمس في مسامعها "لاتخافي ياهيلين سوف لن نفترق"!!!
...
ثم قرر العاشقان أن ينهزما الى العاصمة أثينا بعد أن اتفقا على اللقاء في ميناء الجزيرة وقد جلبا ملابسهم وحاجاتهما الضرورية وما أدخرا من مال بسيط وحين أبحرت الباخرة أرصفة ميناء الجزيرة تعانق توني وهيلين بمشاعر من الحرية والفرح والقلق ايضاً .
ثم هامت أحلامهما فوق أمواج البحر المتوسط كسجادة عشق.

وحين وصلا توني وهيلين الى أثينا
استأجرا شقة مفروشة وبسيطة في إحدى أحياء العاصمة، فتنفسا الصعداء بعد معانات وفراق .
وقضيا العاشقان أبهى شهرعسل مترع بعناق الحب،
وهما يستمتعان بنشوة الايام سوية ويمارسان جماليات الفرح والحرية مابين صومعة العشق ومابين المقاهي والرقص في الحانات أو الاستجمام فوق سواحل أثينا.
بعد أن بدأ المال يوشك على النضوب بحث توني عن عمل فحصل عليه في إحدى معامل خياطة أحياء اثينا، واستمرت حياته مع هيلين هادئة مفعمة بالود واللهفة دائماً.
وذات ليلة تفاجأ توني حين أخبرته هيلين وهي تزف اليه خبر حملها.
لم يستطع توني استيعاب صدمة فرحة الخبر، لكنه فرح بعمق وقلق بعد أن تيقن من صحة كلام هيلين التي اعتادت أن تشاكسه،فرقص
مسروراً وركع أمام حبيبته وهو يقبل يديها. ثم سهر توني مع معشوقته في احدى حانات اثينا الليلية وقد أرتشفا بعضا من كؤوس خمرة ( الاوزو) ورقصا حتى بواكير الصباح.
...

في صباح ربيعي انجبت ماريا في احدى مستشفى أثينا !!!!! طفلة جميلة اختار توني وهيلين لابنتهما اسم (تيبا)
عانق توني حبيبته هيلين ثم حمل طفلته بين ذراعية فسالت دموعه فرحاً وفي اليوم الثاني استأجر توني تاكسي لجلب هيلين وطفلته من المستشفى الى شقتهما ..
في تلك الليلة ساور توني قلق وشعور اضافي بالمسؤولية وهو يطمح بان يؤجر شقة مريحة من غرفتين.
رغم مشاغل توني بالعمل فلم يدع هيلين ان تقوم بجميع الاعمال البيتية. كان يزرع السعادة ويمازح حبيبتة غالبا ويلعب مع طفلته وقد اهدى توني فيما بعد قطة سيامية بيضاء صغيرة الى هيلين.
في احدى الصباحات وقبل ان يغادر توني الى العمل ومثل كل عاداته قبل هيلين وطفلته، لكنه مالبث ان غادر عتبة الدار حتى رجعت خطاه ليعانق حبيبته مرة أخرى فدمعت عيناه وهو يردد ، أتعرفين ياهيلين كم احبك !!!
اجابته هيلين بغنج كم تحبني ياتوني!!!
نظر في عينيها وقال لها سوف اخبرك كم أحبك عندما أعود هذا المساء.
....
جلب توني باقة من زهور الاوركيد التي كانت تفضلها هيلين وعلبة شوكولاته فاخرة من النوع الذي كانت تعشقه .
حين وصل توني وجد باب الشقة مفتوح والمكان كان فارغاً وموحشاً تفقد ثنايا الدار مذعوراً فلم يجد هيلين ولم يجد طفلته وكانت الصور واغراض الدار محطمة!!
تاه توني كالمجنون في الشوارع باحثا عن حبيبته.
ثم عرف فيما بعد ان زوج هيلين وعائلتها قد عثرا على عنوان الشقة فداهموها بعد غيابه واختطفوها قسراً كي يجلبوها الى جزيرة كريت وحجزوا هيلين في البيت تحت الاقامة الاجبارية بعد أن تركوا الجزيرة واعطوا الطفلة تيبا الى دور لرعاية الايتام.
كي تتبناها بعد أيام عائلة ثرية هاجرت خارج اليونان.
...

جاء الاب والام الى ابنهما في شقته الموحشة وهما يتوسلان ويشعران بالانكسار ويطلبان من توني أن يهاجر مع العائلة الى استراليا. بعد أن فقد كل شيء
شعر توني بالضياع والاحباط ورضخ الى فكرة والديه بالهجرة الى تلك القارة البعيدة جداً عن جزيرة كريت.
فعاش توني كل تلك السنين في استراليا وهو يميل الى العزلة والصمت والحزن وعزف عن الزواج وعاش مدمناً على ذكريات العشق وظامئاً الى ضفاف سواحل كريت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه