الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا

جورج حزبون

2013 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


اجاب مصطفى كمال اتاتورك على برقية عصمت اينونو حيث كان مفاوضاً لتركيا في مؤتمر لوزان ، و التي سأله فيها عن المنطقة العربية و هي من ممتلكات تركيا التي فقدتها بالحرب و يسأل المفاوضون للحلفاء عن موقفنا ، اجابه : اننا لسنا معنين سوى ببلادنا و نرى ان البلدان العربية يمكن ان تصبح دول مستقلة ؟!
عام 1926 وقعت بريطانيا مع تركيا اتفاقاً حول الموصل حيث كانت تركيا تطالب بضمه اليها منذ اتفاقية سيفر عام 1920 ، تحت ادعاء وجود اتراك و اكراد فيها ، و في عام 1939 ضمت لواء الاسكندرون باتفاقية موقعة مع فرنسا و اطلقت عليها اسم ( هاتاي ) و هو يضم اغلبية عربية ، لا زالت تركيا تسعى لتتركيها بكل السبل .
و في الخمسينات تولى رئيس وزرائها جلال بيار و وزير خارجيته عندنان مندريس ، الترويج لمشروع حلف بغداد ( الاطلسي ) لضم الدول العربية اليه تحت ادعاء مواجهة المد الشيوعي من الاتحاد السوفيتي، و تجاهل وضعية اسرائيل بل ضمها لاحقاً للحلف ، مما يكشف مضمون وطبيعة هذا الحلف والمتحالفين .
وبنفس النهج كلفت حكومة جلال بيار المهندس سليمان ديميرل باقامة عدد من السدود على مجاري نهري دجلة و الفرات، دون ترتيب مع العراق و سوريا ،من خفض منسوب تلك الانهار و اثر ذلك على اقتصادها الزراعي، و هو ديميريل الذي اصبح لاحقاً رئيس للوزراء ليقول في كتاب له اثناء مطالبته باقليم الموصل // سنجعلهم يبادلونا النفط بالماء //، ادرك مصطفى كمال مبكرا بعد الحرب العالمية الاولى و توجهه لاقامة تركيا الحديثة ،انها بلد متعدد الاعراق و تحتاج الى ايديلوجية غير الاسلام لتوحيدها، و دفعها نحو الحداثة و انهاضها من كبوتها ،و ذلك باتباع العلمانية نهجاً ، و نداءه باعتبار كل مواطن هو تركي بغض النظر عن خلفيته و ان تركيا الام و لننهض بها ، فهو لم يعرض الاسلام لكنه اراد تغير النهج ليكون اداة توحيد لمجتمع متعدد قد يضعف فيها الانتماء وتتعرض للتمزق وان هوية موحدة هي المطلوب الان، فغير الاحرف من العربية الى اللاتينية ، وترجم القران ، وفرض على الناس تغير الملابس ، والغاء الطربوش .
لم يتغير النهج التركي في العمق ، منذ مجموعة الاتحاد و الترقي الطورانية ، و نزعه اتاتورك الاناضولية ، وسيرة اردوغان الاسلاموية ، فمنذ اتضاح تفكك السلطنة حتى اليوم ، اهتمت الاوساط القومية التركية في ترسيخ القومية التركية ، فهي ظلال المرحلة العثمانية ، و قد اصبح الاتراك فيها اقلية ، كانت تلتف بعبائة الاسلام ، و تنطق بللغة العربية حروفاً و قراءة للقران ، و مع بداية الضعف و التفكك نشئت نظرية التتريك، و حتى وصلت الى الغاء الخلافة و استبدال الحروف العربية و الصلاة بالتركية ، لم تكن حركة ( اتاتورك ) بعيدة عن عمق هذه الرؤية ، و ان اختلف في اساليب العمل ، لكن انهاض قومية تركيا و ادلجتها كانت هي الهدف الاساسي ، و ظل الوفاء لهذه المبادئ ماثلاً يعززه الطموح الى الدور العثماني، و المكانة الاقليمية ،التي يمكن ان يكون لها دور بها ، ومما يعزز ذلك هذه الايام لعدة اسباب ، اولاً : النمو الاقتصادي التركي ، و الذي يحتاج الى الاسواق العربية ، من حيث هي الاكثر قرباً و الاقل منافسة والاوسع استهلاكا ، في حين عملية التصدير لاوروبا تحتاج لتكلفة اكثر و تعقيدات اوسع .
ثانياً : بدى يظهر لتركيا ان عضويتها غرباً اصعب مما تعتقد ، خاصة مع النمو الاسلاموي ، و بعد ان بدى وجود امكانيات مناسبة في الاقليم العربي مع تراجع اليسار و العلمنة و بروز تيارات الاسلام السياسي ، التي ترى نفسها نموذجاً عالميا مقبولاً يحتذى به ، و بالتالي كان لا بد من المماحكات مع اسرائيل لتسهيل العبور ، دون اختلال بالاتفاقات العسكرية و الامنية معها و مختلف اوجه التعاون الاقتصادي .
فتركيا ليست سوى طموحاً ، يتحين الفرص ، وهي تجربة مكنتهم من تجاوز الانزلاق في الحرب العالمية الثانية ، وبهذا النهج سارعت الى تسهيل عمليات دخول الحركات الجهادية السلفية الاسلامية الى سوريا ،و نظمتها و مولتها، و هي تدرك ان غايتها تدمير سوريا الدولة .و ليس الدفاع عن مصالح سوريا الشعب لكنها ايضاً لم تحسب امكانية ان يطول زمن الحرب و بالتالي تكون مضطرة الى دفع ثمن لا تستطيعه طويلاً ، اولاً ، لان سوريا بلد مجاور لها مع تبادل تجاري يحتل المرتبة الاولى ، و هذا ما احدث اثر سلبي للصناعات التركية ، ثانيا : ان اطالت الحرب و تتطورها جهز الارضية المناسبة لاقامة دولة كردية على الخاصرة التركية ، و هو ما حرصت تاريخياً على عدم حصوله ، حيث تضم تركيا اليوم حوالي خمسة و عشرون مليون كردي ضمن سكانها ، وهذا يهدد ما كانت سعت له دائماً من دمج مجتمعها في بوتقة التتريك ، ثم هو ما يدفع لاقامة دولة معادية لها من اكراد العراق و سوريا و تركيا .
و اذا اخذنا بالاعتبار ، انكشاف الدور الاسلاموي و تراجع نهج الاسلام السياسي ، سواء في مصر بعد سقوط الاخوان ، و ممارساتهم في سوريا التي تبشر بالارهاب لا بالدين و التسامح ، و ليبيا و فشلهم في الجزائر و السودان ، و انكشاف الدور الخليجي الذي يستخدم الاسلحة للتغطية على حكمهم الاوتوقراطي ، العائد لازمة الاقطاعية و شبه الاقطاعية ، فان السياسية التركية تحتاج الى اعادة بناء بعد انقطاع غايتها ، و قد بدأ ذلك بحكم انعاكاسته الداخلية من تراجع في النمو الاقتصادي الى ارباكات في صفوف المراتب السياسية العليا .
مع ادراك تيارات دينية في تركيا كانت كامنة منذ عد اتاتورك ، و اغلبها من اصحاب ما يسمى ( الطرق الدينية ) ،الا ان هذا ليس القاعدة الاساسية للمجتمع التركي ، و من هنا ليس من الصواب استغلال الدين كيافطة لتطلع قومي ، فالمجتمع التركي اصبح بلد صناعي تحكمه علاقات انتاج لا تتوافق مع محاولات لي دورة الزمن و العودة لطرق انتاجية مبنية على تصورات دينية غير متوافقة مع العصر ، بل لا يمكن ان يعودِ الامر الى الغاء فصل الدين عن الدولة ، فالاختلاف بين الدين و التدين ، و بين مصلحة المجتمع و حاجاته العلم و التطور ، و يظل اخطر ما يواجه تركيا تلك الذهنية القومية الاستعلائية المكشوفة ، رغم كافة اغطية الورع الديني و هيلمان الديمقراطية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا