الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( سنة العراق ) من فقه الطاعه الى فقه العصيان (القسم الرابع )

سلمان رشيد محمد الهلالي

2013 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


(سُـــــنة العراق)
من فقه الطاعة الى فقه العصيان
سلمان رشيد محمد الهلالي (القسم الرابع)
ان اكتشاف الحقيقة لا يحتاج الى معرفة ...
بل يحتاج شجاعة (نيتشه)

وقد صاحب هذا التحول الذي حصل عام 2003 في الافعال ، تحولا اخر في الخطاب السياسي والديني عند سنة العراق . فبعد خطاب الطاعة والاذعان والموالاة والتاييد لجميع الانظمة والدول والحكومات عبر التاريخ ، حصل تحولا نحو خطاب المعارضة والرفض والتحريض . خطاب اخر مغاير لم يُسمَع به او يذكر في القاموس الديني والسياسي عند هذه الطائفة . فلأول مرة يطرح مفهوم العدالة والحرية في الخطاب السني العراقي ، وهما مفردتان منعدمتان كليا ضمن النسق العقائدي عند اهل السنة والجماعة بسبب تلاحمهم مع السلطات الحاكمة التي ترفض الترويج الى هذه المفاهيم . فالعدل ليس من اصول الدين عندهم ، كما هو الحال عند الشيعة والمعتزلة . والعدالة ليست من فروع الدين عندهم او من شروط امام الجماعة ، حتى نسبوا للرسول هذا الحديث (صلوا وراء كل بر او فاجر) .
وكالعادة ايضا فقد ارجع سنة العراق هذا التحول الغريب الى التاريخ والتراث الاسلامي ولاسيما كتب الاحاديث ، من اجل تبرير هذا الانتقال التاريخي في النسق العقائدي والفقهي والسياسي . فبعد سبات استمر اكثر من الف عام تذكروا ان للرسول احاديث اخرى تجيز الخروج على الحاكم الظالم ، وتؤكد على تحقيق العدالة والمساواة بين المسلمين لكن المؤسف له ان الحكام المستبدين قد تلاشوا في العراق ، ولم يعد لهم وجود ، واصبحت السلطة ضمن النظام الديمقراطي التوافقي الجديد ، اضعف من ان تكون مستبدة او ظالمة . والمفارقة عند سنة العراق انهم يعتبرون جميع الحكام قبل عام 2003 عادلين ومؤمنين في منظورهم الديني والسياسي ، فيما ان الحكام المنتخبين وفق النظام الديمقراطي التعددي المعترف به عقلانيا وانسانيا ووجدانيا هم الظلمة الذين يجب ازاحتهم ومقاومتهم . ولاول مرة نسمع في التظاهرات التي حدثت في المثلث السني في العراق عام 2013 احاديث نبوية في الجهاد والرفض والمقاومة لم نكن نسمع بها سابقا في منابرهم الدينية ومصنفاتهم الاسلامية . منها هذا الحديث الذي كان يردد في البلدان العربية الاخرى (افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) والحديث الاخر (اذا رأيتم الظالم فلم تأخذوا على يديه يوشك الله ان يعذبكم بعذاب من عنده) وتحول هؤلاء رجال الدين الذين مازالوا يرتدون حتى الان العمامة العثمانية في وسطها الطربوش الاحمر من وعاظا للسلاطين الظلمة الى ثوريين احرار ، ولكن المؤسف له ان تحولهم كان باهتا ومفضوحا ، فلو كانت الحكومات بعد عام 2003 ظالمة او مستبدة لما تجرأوا او تطاولوا عليها بالسب واللعن والتخوين ، وعلى الهواء مباشرة من خلال الفضائيات العربية والمحلية وامام انظار وحماية الاجهزة الامنية ، فكانوا (ثوريين ... ولكن في زمن الحرية) .
وخلاصة ما سبق نقول : ان هدف هذه الدراسة هو تبيان حقيقة محددة وهي : ان هذا الانتقال عند سنة العراق من فقه الطاعة والموالاة الى فقه التمرد والعصيان ، لم يكن ذا تطور جدلي او ارتقاء في الافكار وانما هو قطيعة معرفية بحسب منهجية (باشلار) الذي يفترض انقطاعات تامة وشاملة بين الحقب المعرفية ، وكل حقبة منفصلة كليا عن الحقبة التي سبقتها ، وليس قطيعة معرفية بحسب منهجية (فوكو) الذي يفترض وجود (بذور) معرفية في المرحلة السابقة تمهد الطريق نحو المعرفة اللاحقة . كما يجب التاكيد ايضا على هذه الحقيقة ، وهي : ان سنة العراق قد شكلوا عبر التاريخ امضى حالة انصهار او تماهي او تلاحم بالهوية في المنطقة ــــــــ بعد الموارنة في لبنان ــــــــــ ولانهم (ذات) مغلقة و (كينونة) متوحدة و (بنية مجتمعية غير معقلنة) فانك لا تجد السني العراقي العابر للهوية ابدا . ومن اجل ذلك ، فهم لم يكونوا وطنيون في يوم من الايام ، ولا يكونوا كذلك ولم يكونوا هكذا في المستقبل . فالوطنية تشترط عبور الهويات التقليدية (ما قبل الدولة) الى فضاء الهويات المدنية الاخرى (ما بعد الدولة) . وليس من المستغرب ان نجد اكراد العراق السنة تحالفوا مع الشيعة العرب في الوسط والجنوب عن السنة المحاذين لهم في الجغرافية والمتقاربين معهم في المذهب . لان سنة العراق ــــــ وبصراحة متناهية ــــــــ وبسبب انصهارهم وتحالفهم مع جميع السلطات والحكومات المستبدة والمحتلة في العراق هم جماعة بشرية تفتقر الى تلك الرموز المتسامية التي تهذب اتباعها الى مستوى معين من المثال والرقي لافتقادهم الى الاقتداء الحضاري المعاصر . ويبدو ان هذا الانتقاص المعنوي قد شكل لهم بعد التغيير عام 2003 جرحا نرجسيا مضافا بعد ان ظهر ان لجميع الفئات الاجتماعية في العراق (الشيعة والاكراد والتركمان ...) رموزا من الشهداء والثوار والاحرار ، وتاريخا مطولا من التضحيات في سبيل العدالة والحرية والمساواة والثورة ضد الظلم والاستبداد . فيما ظهر ان الفئة الوحيدة التي تفتقد الى هذا التاريخ المضيء والى تلك الرموز الشاخصة هم المجتمع السني في العراق ، فاحسوا بهذا الانتقاص والخلل ، فحاولوا جاهدين في زمن الحرية والديمقراطية ، وبصورة ساذجة وفاضحة لا تخلوا من الحسد ، اختراع او صناعة تاريخ معاصر من المقاومة والرفض ، واصطناع رموزا من الشخصيات او الشهداء التي يشيعون في الاوساط الاعلامية انها قاتلت الامريكان ، لكنها في الحقيقة قاتلت العراقيين وفجرت المدنيين الابرياء على الهوية ، لدوافع وهواجس طائفية .
وختاما نقول : ان احد الكتاب الغربيين قد نشر قبل عامين مقالة في صحيفة امريكية حملت عنوان (سنة العراق ... ماذا تريدون بحق الجحيم ؟) وهي مقالة صريحة يعجز المثقفون العراقيون عن كتابتها حتى بعد مائة عام ولاسيما (المخصيون ) منهم . وجه فيها تحذيرا للمجتمع السني في العراق ، بان قضيتهم لها خيارين لا ثالث لهما :
الاول : وهو استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه الان (2013) من عمليات التدمير والارهاب والقتل على الهوية وتفجير الاسواق والمساجد والحسينيات ، وتقويض عملية البناء الديمقراطي الجديد وتقسيم البلاد اجتماعيا ونفسيا وسياسيا وافشال مشروع الدولة والهوية الوطنية الجامعة . وان هذا الخيار سوف لا يؤذي او يضر المجتمع الشيعي في العراق فقط (رغم ان عمليات القتل اكثر استهدافا لهم) بل سيضر المجتمع السني بشكل اكثر ، لان العمليات الارهابية والعسكرية وتنظيمات القاعدة التي لا ترحم سوف تكون اكثر فاعلية في اراضيهم ومدنهم . كما ان اعتمادهم على المحيط العربي السني هو ايضا من الاخطاء الفادحة ، اذ سبق ان اعتمد عليهم الفلسطينيون اكثر من نصف قرن ولم يحصلوا سوى الشتات والضياع والاغتيال .
الثاني : وهو الاندماج مع العراق الديمقراطي التعددي الجديد ، والمشاركة في العملية السياسية كخيار استراتيجي والتصالح مع هذا الواقع ونسيان الماضي و(المجد التليد) ومحاولة اعادة عقارب الساعة الى الوراء واستعادة السلطة عبر العنف والارهاب .
ان على سنة العراق اعادة صياغة الحقل الثقافي والمعرفي وجعله اكثر استجابة لمتطلبات الازمنة الحديثة والعراق الجديد . فنحن في الوقت الذي لا نريدهم ان يكونوا وعاظا للسلاطين لاي حكومة تقوم في العراق ، فنحن من جانب اخر لا نريدهم ان يكونوا معارضين لاي نظام سياسي يقوم بعد عام 2003 ، لاسباب واغراض طائفية ، بل يجب عليهم المصالحة والتكيف مع هذا الواقع من خلال نشر ثقافة الاعتدال والتسامح ، وترك (النستولوجيا) (التوق غير السوي للماضي) والتكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته المتغيرات السياسية في العالم العربي والمشاركة في التحولات الكبرى في البناء الاجتماعي والثقافي والسياسي في منطقة الشرق الاوسط عموما ، والمساهمة في بلورة مشروع الاندماج الوطني ، والقناعة بان الطائفية والفعل الطائفي لا تعيد التاريخ الى الوراء فحسب بل ستعمل على اراقة المزيد من دماء العراقيين الابرياء ، ومن ثم المزيد من التدخل الخارجي في البلاد ، وفي النهاية يكون الجميع خاسرون بهذه الدوامة التي لا تنتهي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح