الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكورة و الأنوثة : تاريخيا و انتروبولوجيا

احمد عسيلي

2013 / 12 / 29
العلاقات الجنسية والاسرية


ما الذي تعنيه الذكورة والانوثة؟
متى نقول عن شخص ما سواء كان ذكر ام انثى انه اكثر ذكورة او اكثر انثوية؟
و ما المرجعية في ذلك؟ هل هو الادب ام الخيال الشعبي ام تعابير الحياة اليومية؟
ما الذي يمكن ان تعنيه هذه الكلمات للأغلبية الناطقة بالعربية؟
للأسف لا يوجد حسب علمي دراسات لغوية-نفسية في اللغة العربية او اللغات المنتشرة في منطقة الهلال الخصيب تحدد تماما هذه المعاني, لكن الدراسات الحضارية و الادبية الغربية ذات القرب في هذا المجال تدل ان الاستعمال الشائع لهذه الكلمات يكاد يكون على النحو التالي:
الذكورة هي العنف و القوة و الجرأة و السيادة
الانوثة هي الحنان و المنزل و الضعف
الذكورة عقل...... الانوثة عاطفة
الذكورة شهوة جنسية و تعدد علاقات. الأنوثة حب و اخلاص
و هذا تقريبا هو المتعارف عليه في الادب العربي بشكل عام... فالكاتبة اللبنانية هدى بركات تناولت في روايتها (حجر الضحك) هذا الجانب, و رأت ان سبب الحرب الاهلية في لبنان هو طغيان الجانب الذكوري... فبطل الرواية خليل ذو التوجه الانثوي ,كان بعيدا عن الحرب و صراعاتها و مشغول بالحب و التنسيق و الاناقة و هي جوانب انثوية, و كل الدراسات النقدية لهذه الرواية – و هي كثيرة- ركزت على هذا الفهم التقليدي لمفاهيم الذكورة و الانوثة.
و ان كانت هذه هي النظرة العربية و حتى الاوربية الغربية بشكل عام الى معاني الذكورة و الانوثة, لكن لا يمكن ان نعتبر هذه السمة اصيلة او فطرية....اي ليست عامة و شاملة لكل الجنس البشري..و هذا ما ذهبت اليه عالمة الانتروبولجية الشهيرة مارغريت ميد و التي قامت بدراسة في عام 1935 تناولت فيها مفاهيم الذكورة و الانوثة في ثلاث ثقافات مختلفة,
الاولى تقع في غينيا الجديدة و هي مجموعات الاربيا..و فيها تتساوى مفاهيم الذكورة و الانوثة و يجمع الجنسين نفس التصرفات و نفس الأدوار, و كلاهما يركزان على الحب و العاطفة و رعاية الأطفال والعمل معا من اجل العائلة....ففي هذه الثقافة لا يوجد عنف او سيطرة احد الجنسين على الأخر.... أي أن كلا الجنسين يتمتعان بصفات أنثوية حسب السائد في الثقافة العربية
و على النقيض من ذلك فان شعب الموندوغامور يتميز بالعنف و الخشونة في كلا الجنسين....و كلاهما يحاول الابتعاد عن تربية الاطفال و رعاية المنزل
اي ان كلا الجنسين يتمتعان بصفات ذكورية حسب المفاهيم السائدة في منطقتنا
اما شعب التشامبولي فهو على عكس الثقافة العربية...يتميز بأن الذكور يميلون الى العاطفة و يعملون بالمهن الثانوية في المجتمع بينما الرئاسة و الزعامة و أعمال الحقل و الصيد من نصيب الاناث.
اذن هناك مفاهيم مختلفة بين الشعوب حول تحديد سمات الذكورة و الانوثة......
اما تاريخيا فلم تكن المجتمعات العربية و لا مجتمعات الهلال الخصيب تعرف هذا التمييز الواضح و المتطرف لتلك المصطلحات كما تعرفها حاليا مجتمعاتنا التقليدية
فالانثى كانت لديها مكانتها الاجتماعية و لها حضورها السياسي و العنيف احيانا.....فهند بنت ابي سفيان لعبت دورا كبيرا في الحض على معركة أحد , و خولة بنت الازور كانت فارسا و مقاتلا....ايضا عائشة بنت ابي بكر شاركت بشكل فعال في الحرب بين معاوية و علي بن ابي طالب بغض النظر عن صوابية هذه المشاركة من عدمها....
و الأنثى ايضا كانت مزواجة و لا تخجل من الاعتراف برغباتها الجنسية بكل وضوح و بساطة...فمعظم الصحابيات هن من المربعات و المخمسات اي اللاتي تزوجن أربع أو خمس مرات, وكثيرا ما يتم الزواج بناء على طلب الأنثى,و لم يكن هذا ليخدش انثويتها او ذكورية الرجل,
فما يميز مفاهيم الذكورة و الانوثة انتروبولوجيا هو الاختلاف الكبير بين هذه المفاهيم عبر الشعوب و الثقافات
و ما يميزها تاريخيا هو ايضا الاختلاف الكبير في النظرة عبر العصور
فما يعتبر ذكورية هنا ربما يعتبر انثوية هناك
و ما يعتبر قلة انثوية في الوقت الحاضر....ربما كان يعد امرا عاديا في وقت سابق و ربما سيعد كذلك في وقت لاحق
و كلا المفهومين ليسا فطريين و انما هما مكتسبان يتم غرسهما في نفس الطفل عبر التربية و القيم التي يتم تلقينه اياها في سنواته الاولى
و هي قيم قابلة للتغيير و التعديل في أي وقت من أوقات العمر...و ان كانت تخضع كبقية المفاهيم الى التصلب مع التقدم في العمر ,
و ما يميز مفاهيم منطقتنا حول هذه القيم هي الظلم الكبير لكلا الجنسين و خاصة الأنثى في تحديد شروط الهوية الجنسانية
فالأنثى لا رغبة جنسية لديها و لا رغبات عاطفية....يجب أن تطيع الذكر و تجلس في البيت و تأخذ اذنه في الخروج و العمل, و لا يجوز ان تكون المبادرة في العلاقة العاطفية و الا اعتبر ذلك قلة أنوثة من جانبها و(خدش) لذكورية الطرف الاخر....و حتى جواز السفر لا يسمح (قانونيا) لها باستخراجه الا بموافقة الزوج,
و أي رجل يتخلى عن هذه المكانة يعتبر (ناقص الذكورة) وما يستتبع ذلك من عار اجتماعي عليه و قلة احترام له حتى من جانب شريكته الانثى,
ان مفهيم الذكورة والانوثة بحاجة لاجراء تغيير اسعافي داخل عقولنا للوصول الى حد انساني مقبول لكلا التعريفين يسمح لكل الميول و لكلا الجنسين في العيش بسلام بعيد عن ضغط هذين المفهومين,
و هذا لا يعتبر تغيير بسنن الكون كما يحاول ان يدعي البعض.... فالتاريخ و الانتربولوجيا شاهدان على انه لا سنن كونية ثابتة تحدد هذين المفهومين و انما نحن الذين نصنعهم و نغرسهم في الجيل القادم و نحن قادرين تماما على هذا التغيير الذي حان أوانه

ا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القصة الكاملة لضبط عصابة تغتصب الاطفال في لبنان عن طريق «تيك


.. من بقايا جاءت من العراق.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمر




.. العربية ويكند | معايير السعادة لدى الشباب.. و تأثير وسائل ال


.. الصحفيات في غزة تحت النار في ظل سياسات القمع والتمييز




.. الصحفية غدير بدر