الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا الإحباط الشعبي الثوري!

جواد البشيتي

2013 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



إنَّكَ يكفي أنْ تزور الأردن زيارة سياسية حتى تَشْعُر وتُدْرِك أنَّ "قوَّة المثال (الثوري)" في "الربيع العربي"، وبمسرحيه التونسي والمصري، على وجه الخصوص، ولَمَّا كانا ممتَلِئَيْن بروح الرومانسية الثورية، قد ضعفت ووهنت؛ لا بَلْ نضبت وتلاشت؛ فالأعداء الظاهرون والمستترون لحقِّ الشعوب العربية في الحرية السياسية عَرَفوا كيف يُسيِّرون الأمور بما يجعل الشعوب، والشباب منهم على وجه الخصوص، يَسْتَبْدِلون خَوْفاً جديداً، هو الخوف من عواقب الثورة على النِّظام السياسي الاستبدادي، وإطاحة رأسه، بخوفهم القديم، ألا وهو الخوف من القمع والبطش والتنكيل والعقاب إذا ما ثاروا؛ وكأنَّ جدار الخوف القديم لم يُهْدَم إلاَّ لابتناء جدار خوف جديد، وليتأكَّد لنا، مرَّة أخرى، أنَّ الروح الثورية لا تعود إلى الشعوب إلاَّ إذا شرع يستبدُّ بها الخوف من عواقب خوفها.
الشعوب تُضحِّي، وتشتري حريتها؛ لكن (وعلى ما ثَبُتَ وتأكَّد عندنا) ليس بأيِّ ثَمَن؛ وهذا الأمر يتَّضِح ويتأكَّد أكثر إذا ما نَظَرْنا في عُمْق الدَّافع إلى تمرُّدها، ونزولها إلى الشارع؛ فـ "العيش الكريم الآدمي"، وبمعناه الاقتصادي في المقام الأوّل، هو ما كان يَسْتَوْطِن عُمْق هذا الدَّافع؛ أمَّا الحرية السياسية، والحقوق الديمقراطية والمدنية، وغير ذلك من مطالِب وشعارات، فَلَمْ تَنْظُر إليها، وتَفْهَمها، العامَّة من المواطنين، والذين نَزَل منهم (نزولاً عفوياً على وجه العموم) مئات الآلاف والملايين إلى الشارع، إلاَّ على أنَّها "أداة"، أو "طريقة"، قد تكون صالحة، ومفيدة، لهم في سعيهم إلى هذا "العيش الكريم الآدمي"؛ وإنَّه لَمَنَ السذاجة السياسية والثورية بمكان أنْ يُظَن أنَّ شعوبنا ومجتمعاتنا تحتاج إلى "حرِّيَّة التعبير"، مثلاً، لغايةٍ غير هذه الغاية؛ فالناس قبل، ومن أجل، أنْ ينصرفوا إلى الثقافة السياسية، وإلى الفن والأدب والفلسفة، ينبغي لهم أنْ يُلَبُّوا حاجاتهم إلى المأكل والمسكن والملبس.. والتعليم والعلاج والأمن؛ والنِّظام السياسي الجديد لن يكون جديداً وجيِّداً إذا ما أخفق في هذا الاختبار التاريخي الحاسم، اختبار تلبية وإشباع هذه الحاجات الأساسية والأولية.
إنَّ أحداً، ولو كان متربِّعاً على عرش قيادة ثورة شعبية عظيمة، ويتمتَّع بوزن قيادي تاريخي، لا يمكنه أنْ يمنع الناس من المقارَنَة بين حالهم القديمة وحالهم الجديدة، أو المفاضَلَة بين حالين سيئتَّيْن، ومن أنْ يَتْركوا دوافعهم وحوافزهم الثورية عُرْضَةً لتأثير نتائج المقارَنة، أو المفاضَلَة؛ ولا ريب في أنَّ "القيادات الثورية"، أو من انتهزوا الفرصة، فتولُّوا القيادة، هم وحدهم الذين يتحمَّلون المسؤولية الأولى والكبرى في تنامي الشعور الشعبي بالإحباط السياسي والثوري، وفي تضاؤل "الوزن السياسي" للشعب في الصراع.
مِنْ قَبْل، عَرَفَت شعوبنا الانتخابات (النيابية والرئاسية) المزوَّرة بكل معاني التزوير؛ أمَّا الآن، وعلى ما رَاَيْنا في مصر، فَعَرَفوا كيف ينفثون في روع الشعب أنْ لا أهمية، ولا قيمة، ولا وزن، لإرادته السياسية والانتخابية، وكأنَّ السلطة القديمة الفعلية في البلاد بقيت في الحفظ والصَّوْن؛ وعَرَفَت شعوبنا ومجتمعاتنا من "التغيير" الذي لو توقَّعَتْه لَمَا ثَارَت، ولَمَا كان "الربيع العربي"؛ فـ "العفوية الشعبية الثورية" سرعان ما تلاشت، ونضبت طاقتها، واختفت من الصراع، واسْتُبْدِل "التنظيم" بهذه "العفوية الشعبية"، وكان تنظيماً (وتمويلاً، ودعماً، وتوجيهاً) لقوى واتِّجاهات وتيَّارات لا تعرف من معنى القيادة إلاَّ أنْ تقود شعوبها بما يخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية التي احتضنتها ومكَّنت لها في أرض الصراع، فما عاد ممكناً، من ثمَّ، تمييز "الثورة" من "الأزمة الإقليمية والدولية"، أو السيطرة على الصراع، والتحكُّم فيه، بما يَحُول بينه وبين التحوُّل إلى "فوضى (ثورية) عارمة"، يخالطها كثيرٌ من الدماء، والإرهاب، والاقتتال، والدَّمار، والتعصُّب البغيض، والتكفير، والتهجير والتشريد، والمعاناة الإنسانية، والإفقار والتجويع والبطالة؛ وقد تَذْهَب، أخيراً، بوحدة الوطن وأهله؛ وكأنَّ قَدَر شعوبنا أنْ تظل في "سُبات سياسي وثوري تاريخي"، فإذا ثارت فلا تثور إلى لتحصل على "الأسوأ"!
من قَبْل، كان الناس في الأردن يقولون: إنَّ لنا في "ثورة الياسمين" التونسية، و"ثورة يناير" المصرية إسوة حسنة؛ والآن يقولون: دَعوا الأمور على حالها؛ فلا نريد أنْ يحلَّ بنا ما حلَّ بمصر وتونس، وما حلَّ بسورية على وجه الخصوص!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فصل القول
حاتم حسن ( 2013 / 12 / 30 - 23:39 )
وليتاكد لنا مره اخري ان الروح الثوريه لاتعود الي الشعوب الا اذا شرع يستبد بها الخوف من عواقب خوفها

اخر الافلام

.. بايدن يتمسك بترشيحه في الانتخابات الرئاسية| #أميركا_اليوم


.. تفاؤل أميركي -نادر-: رد حماس يحرك الاتفاق المقترح إلى الأمام




.. حريق في سقف مركز تجاري في عكا عقب سقوط شظايا


.. هل أجبرت عمليات فصائل المقاومة إسرائيل على العودة إلى مسار ا




.. شاهد| ذعر الفلسطينيين أثناء استهداف مركز إيواء في خان يونس