الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة كفاية ... ومواجهة الإستبداد

كريم عامر

2005 / 6 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عندما ترد إلى الذهن حركة " كفاية " أتذكر على الفور إجابة عن سؤال طرح على رئيس وزراء ماليزيا السابق - مهاتير بن محمد - فى محاضرة ألقاها منذ عام تقريبا فى مكتبة الإسكندرية ، كان السؤال عما دفعه إلى التنحى عن منصبه طوعا بعد حكم دام لمدة 22 عاما متواصلة ، وكانت الإجابة التى تعكس مدى الحنكة والخبرة السياسية جنبا الى جنب مع الإحساس بالمسؤولية التى يتمتع بها هذا الرجل أن حصر هذه الدوافع فى أمرين إثنين : أولهما أنه قد وصل إلى أعلى مايمكن أن يصل اليه من تأييد وشعبية بين أبناء بلده وأنه من الأجدر به بعد هذا التأييد العارم الذى يتمتع به أن ينسحب فى الوقت المناسب قبل أن يبدأ منحنى شعبيته فى الهبوط ، وثانى هذه الدوافع وأشدها أهمية - فى الوقت ذاته - والتى أعتقد أنه كان يقصد من وراء ذكرها إيقاظ جموع الشعب المصرى الغارقة فى نومها ... أنه يعتقد أن 22 سنة فى الحكم كافية بالنسبة له وأنه لا يحتاج الى البقاء فى كرسى السلطة لفترة أكثر من هذا ... ولا أزال أذكر حتى الآن رد فعل الحضور فى هذه المحاضرة عندما ردوا على هذا التصريح بتصفيق حاد عكسوا فيه فهمهم واستيعابهم لما وراء الكلام واستعدادهم للتحرك المضاد ضد النظام الذى جثم على أنفاسهم لما يناهز 23 عاما متواصلة .
إن مطالب الحركة المصرية من أجل التغيير " كفاية " المتمثلة فى رفضها للتمديد للنظام المصرى الحالى ورفضها توريث الحكم لنجل الرئيس هى مطالب لا يختلف إثنان على أهميتها وضرورة العمل الجدى على تحقيقها فى هذا الوقت الحرج ، إذ أنها تنطوى على رفض تام لسيطرة الفرد على الدولة وتحويلها الى عزبة يتوارثها الأبناء والأحفاد كسائر الممتلكات العقارية والمنقولة .
فلقد دأب النظام الحالى منذ وصول ريسه إلى الحكم على ممارسة كافة الأساليب القمعية القهرية فى مواجهة كافة الحركات الإصلاحية بدءا من أوامر الإعتقال الموقعة على بياض وإنتهاءا باستئجار المرتزقة من المجرمين وأصحاب السوابق الجنائية لقمع المظاهرات المنددة بالنظام الحالى والرافضة لهيمنة النظام " المباركى " " الجملكى " على مصر .
إن ماحدث لأعضاء حركة " كفاية " يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ( أيار ) مايو الماضى ، ليس حادثا عرضيا إستثنائيا كما تدعى الجهات الأمنية ، ولكنها ظاهرة غير صحية لا يمكن إغفالها والسكوت عليها لأننا بصدد مجموعة من الوحوش الآدمية التى تنتهز كافة الفرص لتحقيق مآربا الدنئية وأغراضها الخبيثة بشتى السبل المتاحة لا يردعها رادع ولا يصدها مانع ، فإن وجدت أن ماحدث منها لم يواجه بشكل ايجابى فعال ظنت أن هذه بمثابة إشارة تتضمن رضانا عن كل مايحدث لنا من ممارسات قمعية إجرامية قاهرة مذلة ، أما إذا حدث العكس ولم يفت فى عذدنا ماحاولوا به أن يثنونا عما نسعى اليه فلننتظر نهايتهم فى القريب العاجل ، فلكل ظالم وطاغ نهاية مهما إمتدت فترات حكمه ومهما طال بقاؤه فوق رؤوس العباد ، وليعلم كل حاكم شاهد صور " صدام حسين " وهو بملابسه الداخلية انه ربما يشاهده شعبه يوما ما وهو مجرد منها كما ولدته امه فى وضع يشفق عليه فيه العدو قبل الصديق .
إن مطالب الحركة المصرية من أجل التغيير على الرغم من أهميتها فى السعى لإزاحة النظام الإستبدادى الحاكم فى مصر ، إلا أنها قد تناست شيئا هاما لا ينفصل بحال من الأحوال عن مطالبها المشروعة ، فالإستبداد على الرغم من وضوح صورته فى الناحية السياسية إلا أنه يتخذ أشكالا أخرى يتلون بها ويتشكل ويظهر فى أثواب جديدة تلائم الأوضاع التى يعيش ويعشش فيها .
فالإستبداد السياسى مرتبط إرتباطا وثيقا بالإستبداد الإجتماعى وهو فى ذات الوقت لا ينفصل عن الإستبداد الثقافى ولا يمكن الفصل بينه وبين السيطرة الرأسمالية على إقتصاديات الدول النامية وخلق حالة من الإستبداد الإقتصادى .
فالرجل الذى يمارس الإستبداد داخل أسرته تجاه زوجته وأولاده ، يحكمهم جميعا بالقوة ولا يسمح لهم بمعارضته فى أى شأن مهما بلغت ضآلته ويمنعهم من الحياة بالأسلوب الذى يريدونه ويمار سضدهم شتى ضروب العنف الأسرى المستشرية فى مجتمعاتنا العربية ، ثم يورث هذه السيادة بكل ماتحتويه من إستبداد مطلق الى أولاده وأحفاده ... اليست هذه صورة مصغرة من إستبداد الحاكم المطلق فى ادارته لشؤون شعبه ؟َ!
وعندما تصادر الآراء الحرة وتمنع الأقلام من تسطير ما يراود العقول من شتى الأفكار التى لا تعترف للإبداع بسقف ولا تقر له بحدود أو خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ، بحجة مخالفتها للأعراف الوالتقاليد أو مساسها بالمقدسات أو تهجمها على الأديان وما إلى ذالك من أسباب يفتعلها المستبدون لمصادرة الكتب والروايات التى لا تروق لهم أفكارها .... اليس هذا نوعا من الإستبداد الثقافى ؟!
وعندما تتحكم الشركات الكبرى بواسطة أدوات إنتاجها ومنتجاتها فى إقتصاديات الدول الفقيرة وتسيطر عليها بمنتجاتها وتمنعها من الإستقلال الإقتصادى وبناء إقتصادها الوطنى والسعى الدؤوب إلى السيطرة على أدوات الإنتاج التى تملكها .... اليس هذا نوعا من الإستبداد الإقتصادى ؟!
خلاصة القول : إننا نعيش حالة مستشرية من الإستبداد فى كافة مجالات الحياة لا يقتصر الإستبداد فيها على الجانب السياسى المتمثل فى استبداد الحاكم على محكوميه ولكن المعنى الإستبدادى يتوسع ليشمل صورا كثيرة من الإستبداد يمارسها كل من يمتلك سلطة - حتى ولو كانت ضئيلة - تمكنه من إخضاع من هم تحت رحمته بحكم تبعيتهم الإقتصادية أو الإجتماعية أو غير ذالك من التبعيات التى يفرضها النظام المشترك للحياة البشرية ، فهل تفطن حركة " كفاية " والقائمين عليها إلى هذا الأمر وتوسع من أهدافها لتشمل شن الحرب على كل ضروب وصنوف الإستبداد حتى يكون شعار " كفاية " مواجها لكل تلك الصور الموجودة على الساحة والتى يعانى منها كل فرد من أفراد المجتمع ؟
سؤال أترك إجابته للمسؤلين بالحركة علهم يتنبهون إلى هذا الأمر .
عبد الكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر
15 / 6 / 2005









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة