الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعرية المكان في شعر باسم فرات

زيد مظفر الحلي

2013 / 12 / 31
الادب والفن


لم تعد اللغة في ظل الخطاب النقدي الحديث على إنها نقل الأحاسيس والانفعالات , وإنما تعدت إلى ارتباطها بالخيال بوصفها لغة انزياحية . والخيال بدوره يمثل أحد مرتكرزات شعرية المكان أو جمالية المكان كما يتناولها النقاد , والمكان هو الآخر لا يمكن ان يرتبط بالشعرية مالم يحقق مستويين , المستوى الأول : التشكيل المكاني الشعري , والمستوى الثاني : التأويلية بوصف اللغة انزايحية تمثل على درجة عالية من الاستعارة . ولهذا المكان يمثل علاقة ديناميكية مع الشاعر فغياب احدهما لا يمكن ان يكون هناك تفاعل بل يمثل علامة البتر/ النقص ( المكان الغير متفاعل الفاقد للحياة) لأن الشاعر يرتبط بالمكان ارتباط مشيمي .
يمثل المكان عند باسم فرات بنوعين: المكان المشبع بوصفه الماضي ذا التجربة العميقة والمؤثرة في نفس الشاعر ويتسم هذا النوع بثنائية الانغلاق , تمثل في ديوانه ( إلى لغة الضوء ) والنوع الثاني : المكان الغير مشبع بوصفه مكان الحاضر الذي لم يترك ذلك الأثر النفسي في ذات الشاعر , وهذا تمثل في ديوانه ( بلوغ النهر ) .
يلاحظ حضور المكان في ديوانه ( إلى لغة الضوء ) وهذا يعكس عمق التجربة لديه . يقول في قصيدته ( جنوب مطلق ) :
... وَأَقولُ : في الأقاصي البَعيدَةِ
ثَمّةَ ما يَدعو لِلتَّذَكُّرِ
في الْمُدُنِ التي أَنْهَكَها البَحْرُ
أَردِمُ أَحْلامي
لِي مِنَ الْحُروبِ تذْكارٌ
وَمِنَ البلادِ أقصى الجِراحِ
لي مِن الأسى دُموعُ المَشاحيفِ وَارْتِباكُ القَصَبِ
تَأَوّهاتُ النخْلِ
بَوْحُ البُرْتُقالِ
دَمُ الآسِ
شكلت ثيمة الجنوب عنوان التذكر ( بوابة الماضي / اللاوعي ) لدى ذات الشاعر التي عانت من ويلات الأسى والحزن بسبب الحرب التي انتشلته من بيته , فهو يحاول ردم بوابة الماضي بوصفها تحمل أنواع الأسى والحزن ولهذا عمل على تشخيص الخوف والرعب الذي يحيط بالمدينة بل اكتنفها رغما عنها (في الْمُدُنِ التي أَنْهَكَها البَحْرُ) الفعل الماضي الذي يدل على قطعية الاغتصاب للمدينة العذراء وتهشيم حلم الطفولة وتشويهها , ولهذا نلاحظ طبيعة الجنوب تحمل عناصر الخوف والبكاء والحزن فـــ(دموع المشاحيف , أرتباك القصب , تأوهات النخل , بَوْحُ البُرْتُقالِ , دَمُ الآسِ) هذه الصور كلها وضفها لتشخيص على إنّ المدينة تحمل دلالة الخوف . ولهذا حاول ان يردم بوابة الذاكرة إلا إن فعل الكارثة جعلته لا يستطيع أقفال الباب ولهذا يهذي باناشيد الحرب وهو نائم ( أخرجُ من نومي إلى الطرقاتِ / مُثخَنـًا بالذكرياتِ / أُبادلُ الشظايا بالورودِ والقصائدِ / ورُعونَةَ القصفِ بعودِ مُلاّ عثمان الموصليِّ/ومقاماتِ القبانجي ) الماضي يمثل لديه الخوف ثنائية الانغلاق والقلق النفسي والانفصال المشيمي الرحمي بالارض / الوطن , وهذا ما جعل الذات تشعر بالخوف والقلق والانفصام الوجودي للارض الام من الحاضر ( الماضي يمثل عملية انسحاب واستمرار دوامة السواد بالنسبة للذات ) وهذا ما حمل الذات إلى الهروب/ النفي : ( وَحينَ تَطَلّعْتَ إلى الوَطَنِ /ابتَلَعَكَ الْمَنفَى/تَنْفُخُ سَنَواتِكَ فلا تَرى سِوى الرمادِ/وَتَخْشى على بَهائِكَ من الاندِثار ) دلالة الماضي / الحاضر يمثلان الانغلاق جعله يخاف من المستقبل , الخشية من اندثار البهاء .
بوابة الماضي لم تفارق الشاعر حتى في منفاه والابتعاد عن تذكر الخوف والرعب , فهو في احتفالات ( الهنمي ) شكل الماضي نافذة شبه مفتوحة تطل على الاحتفال البهيج :
في احتفالاتِ الْهَنَمي
عليك أن تحتفي بالفرح
وتطردَ أحزانَكَ بعيدًا،
تحت أشجار الساكورا
تُنادمُ ضحكاتِ الجميع
وتمنحُ النسيانَ فرصةَ أنْ يَتَسَلّلَ إليكَ.
تُخبئُ ذكرياتِكَ في دهاليزَ مفقودةٍ.
في حديقة السلامِ
لك أن تأوي إلى البهجةِ مع المبتهجين.
المكان ينفتح على عنصرين الانفتاح / الانغلاق ( الفرح / الحزن ) , الفرح بكونه المكان الحاضر هيروشيما المدينة المكتنفة الفرح , الحزن الماضي الوطن الذي عانى من الخوف والرعب والفقر وافتقاد الاب . ثنائية الحاضر هيروشيما لا تقبل إلا بالفرح , فخبىء ذكرياته في دهاليز مفقودة ليشارك بعيد الهنمي , فهيروشيما تشكل ثنائية الانفتاح الذات ترقص وتنادم ضحكات الجميع , وهذا ما منحها صور بهيجة ورائعة على عكس الوطن , فالجلوس على نهر الهايكو يزيد الفصول فصلا سادسا , إلا ان الفصل السادس وجمال نهر الهايكو لا يخبىء السؤال ويلغي التذكر لانها مترسبة في اعماق الوجدان , تستفيق الذكرى بعد ان تخلت الذات عن الفرح لان النهر جعلها تحلم بالفرات دون ان تلمسه :
تستفيقُ الذكرى بعدَ أنْ تخلت عن الألم
الستائرُ تفتحُ النوافذَ على السؤال
والغريبُ يُزيحُ المجهولَ إلى الماضي
باحثًا في أحلامِهِ عن مرآةٍ
على مقربةٍ من بقايا قبةٍ خضراء.
بهجة هيروشيما وفرح عيد الهنمي لا يمنع من تسرب السؤال , فبوابة الماضي من الصعوبة ردمها . الغريب يبحث في مدينة الفرح عن قبة خضراء , فالماضي الحزين لا يمنح الحاضر الامل وان بحثت الذات عن الامل . دلالة الماضي لا يمكن ان تمنح اتساع دلالي للون الأخضر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??