الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخبز للجميع.................

رشيد كرمه

2005 / 6 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



كنت قد أخترت أكثر من عنوان لهذا الموضوع الذي هو قيد البحث , ولكنني كنت دائم التردد في اتخاذ القرارفي أيهما أنسب ُ وأكثر إنسجاما ً لمسألة ٍ تهم الجميع دون استثناء , , فمن بين أكثر من عشرة عناوين كان عنوان ( الجهاد الأكبر ) هو الأفضل لأن اكتب عنه , ولكن يبدو لي ان الموضوع سوف يتلاقفه ُ المتفيقهون الجدد ويحسبوه نوعا ً من السخرية والإستهزاء , ولأننني سئمت من استقبال سموم الرسائل الغاضبة , ولأنني لم يعد يهمني ما إذا وافق ماأكتبه هوى الرقيب ( الشرطي الجديد ) المحتل لبعض المواقع الألكترونية أم لا ؟؟ فالمسألة وبوضوح شديد هو شحة المادة _ الطحين _ والذي سيتحول الى لغز يحوي بداخله برادة حديد ؟؟
والخبز عند الكثير من العراقيين , ان لم يكن كلهم , مادة غذائية رئيسية ومهمة , فهي مادة لا يستغني عنها كوخ أو صريفة أو خيمة أو بيت أو قصر , كما انها ليست غذاء لفئة معينةمن الناس , فهي غذاء العربى والكردي والتركماني ولا يدخل الدين ولا اي معتقد في دائرة الأحوط من الإقتراب منها او تحريمها فالخبز هنا هو عامل وحدة للشعب العراقي ولا يستبعد ان ينبري احد ممن لاعمل له في الوقت الحاضر لأن يسعى لتكوين حزب جديد تحت اسم حزب الخبز على وزن حزب الخضر !!!! وللخبز قيمته القدسية اذ دخل في العرف الأجتماعي العراقي بقوة ودلالة ومن دون بقية المواد المعيشية انها نعمة الله فاذا ما صادفتك قطعة خبز مرمية على قارعة الطريق فان الجميع رجالا ونساء وأطفالا ومن مختلف القوميلت والأديان ومن شتى الملل والنحل سوف يتوقفون وينحنون لأزاحة كسرة الخبز وان كانت فتاتا ً من الطريق لئلا تدوسها الأقدام بشرية كانت ام حيوانية , يضاف اليها تقبيل الخبزة بخشوعٍ ٍ وبصورة واضحة ووضعها على الجبين بين قُبلةٍ وأُخرى . ناهيك عن استعمالها كأداة للقسم بدل الكتب المقدسة كالقرآن مثلا ً.
ولم تأتي هذه القدسية التبجيلية إعتباطا ً , فإنها ثمرة كفاح ٍ متواصل ٍ دؤوب للأنسان ليس في العراق وحسب وانما في كل أرجاء المعمورة وعليها بنيت الأفكار والنظريات وعليها شرعت القوانين ومن أجلها أتحدت جموع الجياع وحطمت القلاع المتينة التي اختبأ ورائها الشبعان من الناس , والخبز هي الدالة الأرأس على تعاون الفلاح والعامل وهي الرمز الواضح على انها عصب الحياة كلقمة عيش نسعى جميعا لتوفيرها بكرامة ٍ وقد دخل رغيف الخبز في اكثر من مثل اجتماعي وشعر تحريضي وموعظة حسنة , إذ يقال لفلان ( داري خبزتك ) ويضرب لمن ينصح بالمساومة والمجاراة دون الإيمان وهي التقية بعينها التي ينصح بها المذهب الأثنى عشري ومارسها على نطاق واسع الخوئي والسيستاني أيام الدكتاتورية البعثية والتي أفسدت مجتمعا بكامله حتى ديس الأنسان بالأقدام فما بالك بكسرة خبز , فهلا تعقلون ..!!.
ويستخدم العراقيون جملة ( هذي متوكل خبز ) لأي مشروع أو عمل لا يؤدي أو لا يفي بالغرض المطلوب وهو موقف افتراضي واعتراضي في آن واحد .
وفي زمن ٍ كان الأقطاعي والشيخ ٌهو المهيمن وهو السيد ُ كان في الوقت نفسه هو الشبعان ومن معه من وعاظ السلاطين ومن ( الموامنه ) باللهجة العراقية الدارجة وما أكثرهم ولقد شاعت هذه التسمية في الخمسينات على من ارتدى العمامة ِ بغية الكسب الرخيص من دجل وشعوذة وما اشبه اليوم بالبارحة ِ.
ولقد شكلت قصيدة _أين حقي _ للشاعر محمد صالح بحر العلوم ِ علامة مضيئة في الشعر التحريضي المباشر متناولاً الخبز كرمز مدوى آنذاك ولقد انتشرت بشكل فاق كل التوقعات حسب ما شير إذ مست القصيدة وجدان الشعب وهو مانحتاج اليه في الوقت الحاضر ومن منطلقات كثيرة اهمها مفردات هذه القصيدة :
كم فقير في الكوخ أجدى من أمير في القصور ؟
قوته اليومي لايزداد عن قرص صغير,
ثلثاه من تراب والبقايا من شعير !!
وبباب الكوخ كلب الشيخ يدعو ان حقي ؟
وإذ يستحيل التراب برادة حديد فان الكلاب استحالت الى ذئاب ولسوف لا تستأذن أحدا بالسؤال عن حقوقها وما اصعب ليل الفقير في عراق اليوم !!!!!!!!
ولأن نضجت الظروف الموضوعية والذاتية وتحركت جموع الفلاحين والعمال تساندهم قوى الخير ضد الشر وتعاضدهم قوى العلم ضد الجهل وتزلزل قصور الإقطاع في تموز 1958 حتى توسع حلم الفقراء ووصلت الجمهورية الى فلكهم الى الأفران والمخابز لتوسع من كيل رغيف الخبز وتدعم هذه المادة الرئيسية وتنشأ فرقا ً تفتيشية تجوب المخابز لتزن العجين واحدة , واحدة لأنها قوت الشعب . وللتوثيق ولمن يريد الإستزادة من عبق التاريخ اورد هذه اللقطة الفريدة من نوعها سواء في العراق أو عموم المنطقة العربية , فلقد زار شهيد الوطن والشعب الزعيم عبد الكريم قاسم أحد الأفران ( المخابز ) وسرعان ما ذهب الى الميزان المتوفر في كل مخبز وأخذ يكيل واحدة من قطع العجين وصادف ان تكون صورته كرئيس للبلاد متصدرة ً واجهة المخبز فما كان منه إلا ان يقول للخباز بعد ان وزن َ العجين عليه بان يكثر من وزنها ويقلل من حجم صورته , ولأن اصبحت المخابز طبقية ألا ان خبز الأعاشة ( خبز الحكومة والذي كان فيه رغيف الخبز يساوي أربع فلوس ) هو السائد مقابل الخبز التجاري 10 فلس الذي يشكل غذاء الأخوندية والطبقة المترفة التي ساءها ان يشبع الفقير بخبز الجمهورية التي تراقب زاد الناس ولقد كان أكثر المفتشين الذين يراقبون الخبازيين خوفا من التلاعب هم من الشيوعيين ولقد عملتُ كصانع في احد المخابز القريبة من بيتنا في العطلة الصيفية وتعلمتُ كم هو مقدس الخبز وكم هي رائعة جهود العمال عندما تنتج وكم هي نافذة رائحة خبز التنور وكم هو جميل معلم اللغة العربية حين علمني كيف استخدم امثلة القياس بما يخدم قضيتي والطبقة التي انتمي والتي احفظ منها وحتى هذه اللحظة هذه الجملة التي شكلت جزء من كياني : بتعاون العمال والفلاحين صار العجين خبزا ً.
ولأن عبثت الدكتاتورية البعثية بكل شئ في العراق , وحاصر العالم المتحضر الملايين بحجة معاقبة النظام العفلقي , فان رغيف الخبز هو المتضرر الوحيد , اذ اغلقت المخابز ابوابها واصبح العراقييون حيارى امام شحة الخبز ورداءة الطحين المملوء بالحجر ونشارة الخشب , ولقد تناهى الى سمع العالم ما قاله محمد مهدي صالح وزير تجارة صدام لأحد مدراء المطاحن الذي سأله عن رداءة الطحين واستياء الناس بان عليهم ان ياكلو حجرا ً خير من لا شئ !!!!! واليوم وبعد ان دخلت برادة الحديد ممزوجة بالطحين الشحيح أصلا الى القائمة التموينية اصبح قطعة رغيف الخبز صغيرة جدا ً مقابل صور باحجام كبيرة لعدد من آيات الله العظام الذين لايشبعون أحدا ً في كل الأحوال ِ. ومع هذا فلقد ارتفعت اسعار الخبز خمسة اضعاف سعرها عما كان في زمن البعث الكافر !!!
وبهذا فلقد ساهم ذوو الضمائر الميتة من كنز الآموال بالوسائل غير المشروعة وبطرق شتى حتى باع الناس ومع الأسف الشديد شيئا من كرامتهم مقابل رغيف الخبز ومن غير المعقول ان يلغى الدعم الحكومي لأهم مادة غذائية وهي الخبز .
وعندما تعجز الأجهزة الحكومية من توفيرها رغم وجود الرأسمال العالمي وشركاته بالقرب منهم فان الوضع يقترب من المأساة وان الشخص السئ لهو الشخص الغير المناسب في المكان المناسب في اكثر من موقع في العراق الجديد والمثل العراقي يقول :
( إنطي الخبز الخبازته )

رشيد كرمه السويد 15 حزيران 2005











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة