الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطور ونظرية دارون

داود روفائيل خشبة

2014 / 1 / 2
الادب والفن


التطوّر ونظرية دارون
داود روفائيل خشبة

عند الحديث عن التطوّر يحدث خلط كثير حتى بين الدارسين الجادّين. علينا أن نميّز أولا بين المفهوم العام للتطوّر والدارونية باعتبارها نظرية خاصة تتعلق بآلية التطوّر أو كيفية حدوث التطوّر.
المفهوم العام للتطوّر قديم. فقد رأى بعض مفكـّرى اليونان فى القرن السادس قبل الميلاد أن أنواع الأحياء التى نعرفها فى عالمنا لا بد أن تكون قد نشأت بالتطوّر التدريجى المتواصل عن كائنات أبسط، كما قال بذلك أيضا أرسطو Aristotle فى القرن الرابع قبل الميلاد. وعلى الصعيد العملى لا بد أن مربّى الماشية والحيولنات المستأنسة والمزارعين قد عرفوا من قديم الزمان توليد أنواع جديدة من الحيوان والنبات بالتهجين وربما بوسائل أخرى. وفى أزمنة أقرب نجد جيتة Goethe الذى قال إن مختلف المخلوقات أبناء عمومة؛ وإنه لا بدّ أن يكون هناك أصل مشترَك نشأت عنه كل الأنواع؛ وإن بيئة الهواء أنتجت العُقاب، وبيئة الماء أنتجت الفقمة، وبيئة التراب أنتجت الخـُلد. كما نجد أن إرازمس دارون Erasmus Darwin، جَدّ تشارلس دارون، قال فى كتاب نُشر فى 1794: "العالم تطوَّر، ولم يُخلق؛ إنه نشأ قليلا قليلا من بداية صغيرة، ونما من خلال نشاط القوى الأوّلية الكامنة فيه، وعلى هذا فإنه نما ولم يأتِ إلى الكينونة بفعل كلمة قادرة."
وبين علماء القرن الثامن عشر نجد لينيوس Linnaeus (1707-1778) السويدى، الذى أسس مبادئ التصنيف العلمى لأنواع النبات والحيوان، وأشار إلى صلة القربى بين الأنواع المتماثلة. ونجد كونت دو بوفون Comte de Buffon (1707-1788) الفرنسى الذى صاغ نظرية أوليّة فى التطوّر إذ قادته دراسته للكائنات العضوية المتحجّرة للقول بأن التطوّر فى أشكالها قد حدث بفعل التغيّرات التى طرأت على البيئة، كما أنه كان أول من قال إن عمر الأرض قد يكون أقدم كثيرا مما تشير إليه التوراة. وكذلك نجد لامارك Lamarck (1744-1829) الفرنسى الذى نشر نظريته فى التطور عام 1809 فى كتابه Philosophie zoologique -
لم يبدع تشارلس دارون Charles Darwin (1809-1882) إذن مفهوم التطوّر أو نظرية التطوّر، لكن دارون قام برحلته الاستكشافية على متن السفينة "بيجل" فى الفترة من 1831 حتى 1836 فى أمريكا الجنوبية والمحيط الهادى، وعلى مدى هذه الرحلة التاريخية جمع دارون قدرا كبيرا من العينات وسجل فى يومياته كنزا من الملاحظات والمشاهدات فى الچيولوچييا وفى الأحياء، وعكف على ترتيبها واستخلاص النتائج منها، وفى 1858 قدمK بالمشركة مع والاس A. R. Wallace، خلاصة استكشافاته وأبحاثه لـ جمعية لينيوس Linnaean Society فى لندن، وفى العام التالى 1859 نشر كتابه الخطير "أصل الأنواع بالانتخاب الطبيعى" Origin of Species by Natural Selection وقدم فيه نظرية متكاملة للتطوّر عن طريق الانتخاب الطبيعى بين الفوارق الفردية الطارئة. وكما كانت هناك من قبل نظريات لينيوس و بوفون و لامارك التى حاولت شرح كيفية حدوث التطور، قدم علماء الأحياء من بعد دارون ولا يزالون يقدمون النظريات فى هذا الشأن، ولا يزالون يوازنون ويوائمون بين هذه النظريات. فإذا قال بعض العلماء أن هناك ما يؤخذ على نظرية دارون فى بعض جوانبها أو بعض تفاصيلها، فليس فى هذا مساس لا بالمبدأ العام للتطوّر ولا بمكانة دارون وإسهامه العظيم فى العلم وفى الفكر الإنسانى.
حين نشر دارون كتابه "أصل الأنواع" أحدث زلزالا فكريا على صعيدين. على صعيد الفكر الدينى كانت الأدلة الناصعة القاطعة التى جمعها وأبرزها دارون على حدوث التطوّر كواقع ملموس ونشوء الأنواع من بعضها البعض على امتداد زمن مديد، كان هذا تحديا بل دحضا للعقيدة الدينية المستندة إلى رواية الخلق فى التوراة، القائلة بأن الله خلق الأحياء منذ البدء بأنواعها وأوصافها التى نعرفها عليها الآن. وجرى جدال ونقاش كثير بين المتمسكين برواية التوراة والداعين للانصياع لشهادة العلم. وكان أشهر هذه المجادلات المناظرة التى عُقِدت فى أوكسفورد عام 1860 بين مؤيدى دارون وعلى رأسهم توماس هنرى هكسلى Thomas Henry Huxley (1825-1895) من ناحية والأسقف صمويل ولبرفورس Bishop Samuel Wilberforce. وفى 1871 جاءت صدمة أشد وقعا لرجال الدين حيث نشر دارون "نشأة الإنسان" Descent of Man الذى بيّن فيه أن الجنس البشرى نشأ عن طريق التطوّر من أنواع أخرى أكثر بدائية. (وإن كان يحق لنا أن نتساءل، أيهما أكثر وحشية وأكثر وبالا على الأرض، الإنسان أم تلك الحيوانات البدائية التى نشأ عنها؟)
لكن كتاب دارون فى "أصل الأنواع" لم يكن هو الصدمة الأسبق أو الأكثر إيلاما لعقيدة الخلق فى التوراة. كان المعتقد استنادا إلى رواية التوراة أن عمر الأرض وعمر الإنسان على الأرض لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين. وإن كان بوفون Buffon قد رجّح أن يكون عمر الأرض وعمر الإنسان على ألأرض أقدم كثيرا مما تشير إليه التوراة، إلا أن ذلك مرّ دون أن يثير انتباها كثيرا. لكن رواد علم الچيولوچيا أمثال چيمس هاتون James Hutton و سير تشارلس لايل Sir Charles Lyell قد أوضحوا أن الصخور قد تكوّنت بطيئا على مدى آماد طويلة، وكان لكتاب لايل "مبادئ الچيولوچيا" The Principles of Geology الذى نشر فى ثلاثة أجزاء من عام 1830 حتى عام 1833 وقعا عظيما، وكان تشارلس دارون من بين من تأثروا به، لكننا لن نسترسل كثيرا فى هذا السياق.
على صعيد آخر، جاء كتاب "أصل الأنواع" متزامنا مع تصاعد الثورة الصناعية فى إنجلترا. جاءت الثورة الصناعية بكل ما صحبها من بؤس وقبح وقهر لفئات من العمال الذين استـُدرجوا من مجال الزراعة، سواء كانوا من صغار المزارعين أم من العمال الزراعيين أو الحرفيين، حيث كانوا ينعمون بالدفء الأسرى والتعاطف الإنسانى، وإن كانوا بعيدين عن الرفاهية، فجاءوا ليعملوا فى المصانع فى ظروف لاإنسانية ويعيشون فى جخور تنفر من قذارتها وجوّها الخانق أدنى الحيوانات. ويمكننا أن نقرأ عن هذا ما كتبه كتاب القرن الناسع عشر وما كتبه كارل ماركس فى "رأس المال". وحين نقرأ وصف تشارلس ديكنز Charles Dickens لقذارة وبشاعة بعض أنحاء لندن، فى رواية ديفد كوپرفيلد David Copperfield على سبيل المثال، نجد أن أسوأ عشوائيات قاهرتنا التى تقهرنا (بمعنى الكلمة فى عاميتنا المصرية) قد تكون أرحم. فى هذا الجو القبيح السقيم وجد غلاظ القلوب من المنتفعين بالثورة الصناعية ما يبررون به قسوتهم وظلمهم فى دعوى أن صراع البقاء وبقاء الأصلح من قوانين الطبيعة، وأن التطوّر يقوم على الصراع، وانتشر هذا المفهوم حتى تحدّث تنيسون Tennyson عن الطبيعة حمراء الناب والمخلب Nature, red in tooth and claw. ولم يكن لـ دارون ذنب فى ذلك، ومما يُذكر أن عبارة "البقاء للأصلح" “survival of the fittest” لم يقلها دارون وإنما كان من صاغها هو الفيلسوف الإنجليزى هربرت سبينسر Herbert Spencer الذى كانت له نظرية متكاملة فى التطوّر.
ظل رجال الدبن يتشبّثون بقكرة الخلق التوراتية البدائية، وحتى يومنا هذا يدور الجدل بين القائلين بالخلق ودعاة الدارونية، وهؤلاء يدافعون بضراوة عن نظرية دارون بكل تفاصيلها وكأنها بدورها كتاب منزل، متجاهلين أن طبيعة العلوم الموضوعية أن تخضع دوما للنقد والمراجعة والتعديل، لكنهم فى حربهم ضدّ العقيدة الدينية الجامدة يكتسبون خصال خصومهم وتعصّبهم وتشدّدهم وجمودهم. وهم بهذا يظلمون دارون الذى كان عالما عظيما يعرف حدود ومتطلبات وضرورات العلم الموضوعى. كما أنهم يقرنون الدارونية بنظرية مادية قاحلة بائسة، حبث الطبيعة آلة تدور فى ميكانيكية جرداء ليس فيها مكان لعقل ولا شعور ولا حياة. فكلا الفريقين فى هذا الجدل العقيم غافلون عن المسائل الأكثر عمقا المتعلقة بمفاهيم الكينونة والصيرورة.. لكن هذا موضوع آخر. (انظر مثلا مقالى “God´-or-Nature: The Evolutionist-Creationist Controversy” فى The Sphinx and the Phoenix الذى لا تزال ترجمته العربية حبيسة أدراج مكاتب المركز القومى للترجمة منذ سبتمبر 2011.)
هكذا نرى أن الجدل العلمى حول نظرية داروم فى الانتخاب الطبيعى لا بمس مبدأ التطور من قريب أو بعيد. ولا يقلل من مكانة دارون ومن أهمية عمله أن تناقش تفاصيل نظريته وأن تراجع وأن تعدّل، فهذا شأن كل مقولة علمية. والذين ينفعلون ويهاجمون كل نقد وكل مراجعة للدارونية على ظن أن أى تشكيك أو إضعاف لنظرية دارون هو مساندة للعقيدة الدينية مخطئون، وهم بهذا لا يخدمون لا دارون ولا العلم ولا الفلسفة.
التطور واقع لا مراء فيه، أما الدارونية فهى نظرية خاصة فى جزثية محددة تقبل المناقشة والمراجعة شأنها شأن كل نظرية علمية.
القاهرة، 2 يناير 2014
http://khashaba.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 2 - 13:50 )
التطور ليس حقيقه أبداً , تفضل :
http://antishobhat.blogspot.com/2012/09/blog-post_7513.html
و
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?55381-%C3%DE%E6%EC-%DA%D4%D1%E6%E4-%CF%E1%ED%E1%C7%F0-%DA%E1%EC-%DF%E6%E4-%C7%E1%CA%D8%E6%D1-%E5%E6-%C7%E1%DA%F6%E1%E3-%C7%E1%D2%C7%C6%DC%DD-Pseudoscience
و
http://creationoevolution.blogspot.com/2013/08/blog-post.html#comment-form
و
لا شك من أن أرباب التطور مارسوا على معارضيهم الديكتاتوريّه , و الدليل :
https://www.youtube.com/watch?v=gwcDgIcwdtU

اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي