الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محرّضات ثراء النص الشعري

علي شبيب ورد

2005 / 6 / 16
الادب والفن


تأويل في ( مسلـة أنـا ئـيـل ) للشاعر شوقي عبد الأمير
( ...... كنت هنا . أدهن بالنورة فجرا عربيا ناقعا كالأسفنج عندما وضع موسى عصا في البحر الأحمر كمن يضع ريشة في دواة ويرسم بالأحمر ملامح الخليقة قبل أن يستجوبه الله ويخرّ صريعا ....... )
- المسلة الأنا - شوقي عبد الأمير

الوجود أول وآخر الأمكنة . هو فسحة تتزاحم فيها أمكنة تنزع جلدها أبدا على رقاع الأزمنة . فسحة فيها تشرق الأنا وعنها تزول . عن فضاء الامكنة ( الوجود ) وعن اللهاث الآدمي في دهاليز الكون الطاعنة بالتيه . تسرد الأنا سفرها الموغل بالغربة – بفعل تغيّر الأمكنة عبر الازمنة - وتذرف دموع أساها قناديل ضوء على مشاجب الوقت . كيما تطرد عنا وحشة مرورنا القسري في قتامات العمر . وتبدد فداحة الغصة عن الحلم الإنساني النبيل . وتذهب إلى تذكيرنا بان روافد اشراقاتنا من منبع واحد والى مصب واحد . رغم تعدد مسارب نزوعنا للبذل . وتدق اجراس الامان لتحفز فينا شدو ترانيم الامل وسط صحارى الضجيج . تلك هي أنا الإنسان . ولكن ( أنا ) الشاعر تزيّت بالعاطفة والحكمة ، عبر ولوج قصدي في حلكة الاسرار البدئية . لتضيء في وجوهنا شموس حكمة الشرق التي حفلت بها الاساطير والرسالات منذ العصر الاولى .
( أنا ) الشاعر خرجت من أغوار البوح حاملة الواح الطين مرتدية عبق السفر لتقول أنا الحكمة ، أنا
( أنا ئيل ) الوارث زقورات الحرف واهرامات الضوء ورسالات الخيرالكوني. فمن يقرأ ؟
ومن يقرأ ( مسلة أنائيل ) يجد أنه الجزء الأول من ( ديوان المكان ) للشاعر شوقي عبد الأمير الصادر عن دار الفارابي – بيروت - 1997 . بعد دواوينه العربية ( حديث لمغني الجزيرة العربية ) الصادر عن دار ( ICM ) باريس 1976 . و ( مدن الدخان البشري ) دار البيت الجديد - باريس - 1978 . و ( حدود )
اتحاد الكتاب العرب – دمشق – 1980 . و ( أبابيل ) اتحاد الكتاب العرب – دمشق – 1985 . و ( حديث النهر ) دار طوبقال – الرباط - 1986. ودواوينه باللغتين العربية والفرنسية ( حديث القرمطي ) دار أرفويان – باريس – 1988 . و ( حجر ما بعد الطوفان ) دار شاين – باريس – 1991 . و ( حضر موت ) دار كلاسيك – باريس – 1992 . ودواوينه بالفرنسية ( أجنّة وسراويل صحراوية ) دار البيت الجديد – باريس – 1977 . و ( سنبلة لقمح وثني ) دار رويّو مون – باريس – 1992 . و ( في ساعة متأخرة من الجرح ) دار تارابوست – باريس – 1992 . و ( أبابيل ) دار باب – لوزان – 1995 . و ( حديث ما بعد سومر ) دار سوليدار – بروكسل – 1995 . و ( أمكنة بلا أرض ) دار باب – لوزان – 1997 .
المسلة مجموعة الواح تتضمن تشريعات متنوعة مثل مسلة أو شريعة أورنمو . أما ( أنا - ئيل ) فهو تركيب سيميائي يؤشر فخر الشاعر بانتمائه البيئي والمعرفي للموروث الشرقي . بمعنى انها بنية جمالية ذات تشفير حضاري . وهو تجاور لغوي مركب من ( أنا ) ذات الشاعر و ( ئيل ) تصويت لغوي اسطوري مستخدم في كثير من الاسماء المثبتة في المثيولوجيا مثل ( جبرائيل ) وغيره .
إن مسلة أنائيل هي بوابة أو إطلالة على شريعة شوقي عبد الامير الشعرية . وهي تستبطن خمس بوابات أصغر أسماها وجوها . وكل وجه يضمر جملة قصائد . خمسة وجوه تنبثق من سفر الشرق الساحر . وهي على التوالي : طيبة / مأرب / الضاد / السواد / الآخر . من وجه [طيبة ] تنفتح علينا
( المسلة الانا ) إذ يعمد الشاعر فيها إلى عرض متنه الشعري من خلال تكرار جملة ( كنت هنا ) كرابط نسيجي لجسد القصيدة المشكل من جملة انبثاقات لأمكنة من الحضارة الآتونية . على رقيم من كتاب الموتى الفرعوني أكتب .. في معبد ممفيس . وهكذا يواصل تنقله بسياق تهكمي لاذع . كنت هنا على طرفي سرير الجزيرة العربية عندما عانقت بلقيس سليمان وكليوباطرا القيصر أشهد كيف تفتض بكارة أرض وكيف يستوي على العرش ساقان . وعن كوارثية الجوع العربي المتوارث يعرض لنا مقطعا هو غاية في التشكيل السوريالي . كنت هنا عندما في إحدى المجاعات رأيت النيل هيكلا عظميا معلقا في الساحات والأطفال شرائح في أطباق زوجة الحاكم . كانت جموع غفيرة من موتى مصر تأخذ الفقراء رهائن إلى مقابرها وتحتمي بمئذنة المسجد الشافعي . وينهي المتن بلعبة خرق الزمان والمكان معا . كنت هنا غدا . في السرير الأول من ( أخناتون ) يتساءل . أختاه هل نرسم للشرق إلها يخرج من فخذين . نحشو القصب مزاميرا ورئات ؟ في السرير الثاني وصف رؤيوي لإخناتون ومملكته القائمة على الغيب والرعب . هو الظفر الملكي كؤوس مرصّعة بالفؤوس وجنات جمر ، موائد ، ملعقة من ذهب وثانية من غضب . وأفعى ضفائر آلهة من قصب . ويعود للتساؤل المربك للمألوف . لماذا الحجيج إلى ساعة الموت ؟ في ثالث سرير تخلع القصيدة زي التفعيلة ، لترى الملك بمقاطع نثرية موجزة . أمسك صولجانا بيد ومصر بالأخرى . ويا للفسحة الممنوحة للتلقي في تأويل مقطع جميل كهذا . أقام مسلة من اللوتس ، واستنشقها في صلاة . وعند ( الصعود الىطور سنين ) وفي ادانة للتلقي الأعمى يشير هذا النص الدامغ . هل تصعد ؟ قلت ، لكنّا منذ قرون لا نعرف إلاّ أن نتدحرج من سقف وصاياه . وفي انتباهة لخرق السائد , تجيء هذه الرؤية المبددة للعتمة . وأرى في العلى ، نيلا يابسا يخرج أنفه من ثقب مزين بهلال وهول الشرق . لقالق تبيض فوق مئذنة المعجزة . وينبثق وجه [ مأرب] في ( رأيت جبالا تقتسم كالخبز ) عن سفر اليمن . لا التئام لنزيف شاهق ولا وكر إلاّ للجثة في وادي ظهر . ويا لها من ميتة اسطورية لبطل ( حضرموت )
إسمه عبد اله بن غريب . صعد يوما إلى قمة جبل في حضرموت ولم يهبط . ويعيد الشاعر قراءة ميتته ، بفطنة مخيلة ، وجرأة صورة . وضع جبلا فوق جبل ، ليردم ثقبا في السماء . أهو احترام للشاعر امريء القيس بدأت ( وصايا مملكة ستجيء ) ببيتين من العمود ؟ أم لأن . المعلقات إما رقاب أو حصران . واللغة العربية لم تزل عباءة قرشي هرّبت تحتها مناة إلى أسواق حضرموت ؟ وعندما ينبلج وجه [ الضاد ] يفكك سؤالا للشاعر اليماني عبد العزيز المقالح ( خلق الزمن ولم الجسد ؟ ) باعراب طريف لاقتناص تآويل مدهشة للكلمات . الزمن : قفص من ريح نسكنه بين يد القابلة وذراع الحفار . ولفرط حزنه على إهمال اللغة العربية إفترض ( وصية لغة تموت ) فيتأوّه ويبحث لها عن ملاذ من الخراب الذي يلاحقها . أضلاع العبارة لم تعد تحتمل السنابك . أفكر باستبدال ريشتي بمكنسة . وعن العسف الذي حل ببلاده بعد انتفاضة عام 1991 التي بدأت في مدينته سوق الشيوخ . يرى . بستان نخيل يهرب من مجزرة ويحتمي وراء سياج لمخبر محلّي . وعما حلّ بالثورة والجمال يرسم لنا لوحة لغوية . كان رجل البردي يحترق وحيدا في أهوار نشيده . ويعتني كثيرا في خلق صورة غرائبية .
خذ شريحة للعتمة ، واطبع فوقها صورة فكّيك ، تلك هي المرآة . ويطلعنا ( صدأ في ذهب المعنى ) على معرض المبدع صادق الصائغ ، مشيرا إلى مهارة الأنامل وحكمة الرؤى . انت تفرك بخار اللغة ، كمن يحك بالأظافر صيفا محترقا . إن صور الشاعر الكثيرة ومن دون استئذان تحفر لها مكانا عبقا في ذاكرة التلقي ، لأنها معمولة بجهد وعناية فائقتين . أية سنبلة لقمح دمنا وأية مجاعة ؟ ضع يدك في التيار لتنس الينبوع . البدايات كلها قرابين كما النهايات آلهة . أما وجه ذوي الرؤوس السود [ السواد ]
فيعيدنا إلى جذور شجرة النسل - الآدموي – بعد ان نقرأ مقاطعا تمظهرت عن علاقات شيئية شتى في ( عابرون ) ليقول لنا إننا مارّون من العماء إلى العماء عبر برك من الدم . يتجلى حنين الشاعر في ( حديث بغداد ) عبر جملة طويلة تشير إلى طول زمن غربته عنها قسرا ، والى بعد المسافة ، والى هول معاناته جراء الكارثة التي حلت بها في حرب 1991 . هي عبرنا ..................... وشرق الكلام .
لكنه يصر على تعلقه بها بتكرار . وبغداد لي . ويحلم بالعودة اليها ولو جثة هامدة . وتأخذه الذاكرة إلى ( البصرة ) في ثلاث محاولات اختراق زمكاني في اللغة والخارطة والكتابة متقمصا شخصية صديق غربته المبدع محمد سعيد الصكار . في الخارطة أدخل بيتي فأرى ........وأرى من عباءة سوداء تخرج المدائن مثل شرق يخرج من أغاني الموت . الشمس فاتك ممدد على القارعة والنخلة تحرس الأبد .
ويهدي ( سامراء ) إلى الفنان نعمان هادي الذي يمتلك يدا يقول عنها . تحسن تضميد الألوان والأشباح في حديقة موتي الزرقاء . غير انه اختزل مأساة وطنه القتيل ، بجملة واحدة موحية واخزة . نطفة واحدة تكفي لتقود شعبا إلى المذبح . على ثلج منفاه يضع يده ( مناديل ) لضيوف مخيلته الحزينة على وطن فيه . الجبهة أكياس من الرمل ، الكلمات أكياس من الفحم ، الأهل أكياس من الدم . وعلى شكل شرائح عمودية يقدم ( هـو ر ) الحمّار كوجبة خفيفة للزمن الضروس . ربما تكون الهاء / هرم تحت الارض / هرب لم ينجح / هذي في لحظة اعدام / هتاف ميت يطفو .......
الواو / وجيف عراقي / وعاء لدم القصب / وهن في سيقان فجر / واو حبل يجر شعبا / ويل .
الراء / رقعة من غيمة على الارض / رب هزمته أوثان ورعاء / رعب قروي عائم / رمي بالرصاص .....
وينقلنا إلى ( تشريح ) القنابل عابرة القارات . قنابل في اليقظة لإعادتها إلى الحلم . قنابل في
الأسرّة للنوم إلى الأبد . من باريس يطل وجه [الآخر ] بسؤال إلى رامبو الشعر ( ماذا قلت يا آرثر )
فيه الالم والعتب المر على ما فعله الجنود الفرنسيون ببلاده في حرب الخليج . ونحن نسأل لو كنت حيا ماذا تفعل يا رامبو المتمرد عندما . جنود فرنسيون عائدون من (( عاصفة الصحراء )) يعبرون في ست ساعات بين زقورة أور UR وبرج اللاديفانس ( La Defense ) ، تاركين وراءهم نصف مليون قتيل وستة آلاف عام ... ولا يلتفتون . ؟!! ولكن نم في قبرك ايها الميت الأنيق . حتى لو كنت حيا . لن ترى
ما رآه الشاعر شوقي عبد الأمير أبدا . إذ رأى . جثة بدوي عراقي قتل قرب (( نقرة السلمان )) تتجول طوال الليل في ساحة الباستيل . ترى ماذا يحدث لو فعل التلقي ما يأمر به الشاعر ؟ في ( خذ هيكلا عظميا لطائر ) وعلّقه في ريح . هي لعبة كتابية ولا شك . فالشاعر رأى كل شيء . في اللاشيء . ليرينا إيّاه لوحات غرائبية موحية تشبه لوحة لآن سلاسيك Anne Slacik . لوحات تعري وقار الكون الزائف . وتذرف دموعا على مؤخرات القيم . في ( كتابة ) يفشي أسرار آلية الإشتغال الشعري خلال عزلته مع النص . ويطلعنا على ( قراءة ) في معرض لبرنار بيرون . فيشير في المقطع الأول إلى براعة أنامله ورؤاه الخارقة . غير انه يقارب بين ادعائين هما السماء للمعرفة والجدار للجنون
ويسأل الرسام الجنوني بيرن الذي . لا يفصح عن أسماء القتلى الذين لا يكفون عن النزف فوق الكتان . قل لي ، متى تكف هذه الألوان عن احتمال كل شيء أو احتلال كل شيء ؟ وينهي مسلته بخطاب إلى باول كاينك بعنوان ( لاند فينك ) على ضفاف الاولن لم تعد أبجديتك تصلح طعما لخيوط الصيادين والسماء الواطئة لا علاقة لها بملايين الاذرع المبتورة للصخور في بريتانيا .
بعد هذا التفرّس العجول في وجوه ( مسلة أنائيل ) المنداحة في عبقها المعرفي على كل الأمكنة . بات لزاما علينا القول انها وثيقة مودات تضيء للآخر جواهر العواطف الإنسانية الكامنة في روح الشرق المبتلى بغزوات العقل النفعي للغرب . مسلة الروح المشرقة وهي تحذر الأفول من رعونته الموغلة في التقنين القامع لنبض الأفئدة . تحذره من عبادة الفائدة . والعدو خلف رأس الأفعى المال .
هذه مسلة الإشراق الروحي تطل عليكم من كل الأمكنة فأعيدوا قراءتها من جديد . ولكن بنزوع الروح الإنسانية لا بعقلية الإنسان الآلي . وبمخيلة الحلم الإنساني النبيل لا بهوس البحث الجنوني عن الربح والخسارة وعالم الارقام المقيت . هذه مسلة الشمس تنشب اناملها في ضباب عالمكم الرتيب والمقيّد بقوانين العقل السالبة لحقوق الروح في التحرر نحو آفاق أرحب خارج مديات الضباب الذي يبعث على الكآبة والقنوط والملل . هي مسلة الإشراق الشعري في حوار معرفي مع الآخر القاطن وسط ضباب رأس المال . بغية تلاقح عاطفة الشرق مع عقل الغرب تحت شمس الكون الإنساني الواحد . حقا أطلّت علينا أمكنة ( مسلّة أنا ئيل ) بتضاريسها المتباينة وغبنا مندهشين بفراديسها وداعبت خلجاتنا أمواج زرقتها وحرضت أخيلتنا شفرات بناها الجمالية المعززة لبناها الثيمية . وتمكنت مخيلة الشاعر ان تجعل الشعر يطوف برفق في ثنايا الأساطير دون ان يربك غفوتها على وسائد العصور . واستطاع ان يقطف للآخر أنفس الأكاليل بأنامل الشعر ، كيما تعبق له عوالم ألفة وحكمة وحب . في المثلث بين طور سنين وحراء . دخل العالم مثل جمل في ثقب أبرة . لا منفلت لا منقلب لا منأى . خارج هذه العانة السومرية للارض . وأخيرا في مسلة أنائيل ثمة محرّضات تكمن وراء النصوص تكسبها ثراء" وتذكي على نسيجها شفرات تنبض بسحر العاطفة وتوهج الشاعرية .
وأهم هذه المحرضات أساطير الشرق وفداحة الغربة وتفاني المخيلة في استدراج ذاكرة الكارثة في بلاد ما بين النهرين .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟


.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا




.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال


.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا




.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د