الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الأصباغ وثبات النور

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2014 / 1 / 2
كتابات ساخرة


بالأمس كان لدينا مجلس فاتحة في المنصور , فقد توفي عمي بالمصاهرة عن عمر تجاوز السبعة والسبعين
الحضور يدخلون ويخرجون دون صوت يهمسون بالمواساة جعلت المكان طقساً لممارسة مانفتقد من هواية التأمل و الصمت و منادمة الأصدقاء في مكان أقرب الى قاعة رومانسية أنيقة ذكرتنا بقاعات الأوبرا في الغرب كان المكان مهيباً بسبب الهدوء لايقطعه الا أحاديث مجدية (مع التكلف الشخصي) القليل نسبيّاً للمتحدثين عن مناقب الأستاذ الفقيد الذي أفنى حياته من أجل رسالة عظيمة أنجزها على أكمل وجه كالجندي المعروف وليس المجهول
فالمرحوم شخصية معروفة ورد أسمه في مؤلفات وأنجازات تاركاً موروث غزير بالمفيد ولم ينهج أي شخص (من كبار المجتمع) بأن يشير الى المبالغة الغير موضوعية بالتمجيد لينسب له ما لم يفعله أو يملكه فالجميع يتلون العبارة:
(نأسف صادقين لموت المرحوم والعاقبة خير على ذويه , كان وكان .. ) فقط تلك الجملة يملئووها دون تزويق أو تهويل, وأنتهت حكاية فاتحة المنصور لننتقل الى فاتحة البراكيّة جنوب بابل مملكة الشمس
شدنّي التباين في المشهد ليدعوني الى أستغراق تحليلي للعادات تشبه تلك اللحظة القصيرة التي تواكب العطاس الذي رافقني في رحلتي بعد أصابتي بنزلة برد أتت في غير وقتها , فأحداثنا لا مكان فيها للمرض والتمدد على (القريولات) وألتزاماتنا أشبه بماراثون مستمر , أستقبلنا بمجرد أقتراب وصولنا المهوال المتربص أبو نصير بـ (هوسة) تثير الحماس لتحيل الجميع الى موجة توافقية من الأهتزاز جعلت الرفاق يخفقون مثل رايات العشائر التي تملأ المكان ليصدح بعد أكمالنا تشكيل حلقتنا ليقول:
گضا حساب الخريسه والحيايا تسيب
وأبو الحصّين يفرح من يغيب الذيب
بالوجدان يبقى (فلان) والملعب أبد ما يخيب
ها خوتي ها :
صويحبكم ساعه ويرجع
الله أعتزاه ودز أعليه ...
أعطاه رجل بعقال رزمة من فئة العشرة آلاف دينار
وبعد أكمال الـطقس تلقفنا المهوال (أبو أحمد) ليرتجل صادحاً في صولة دائرية أثارت الغبار لنردد ماقال دون أن نعرف من هو (أبو عباس) الذي أستهل به معلقته العصماء , يبدو أنه نائب أو وزير لا يحبذ الظهور في الأخبار:
أبو عباس ألك وگفات مشهوده
كل الناس جمّلها وكلها تشهد بزوده
يموت ويحيا التاريخ هاي آثار موجوده
أسمع يالحاضر هذا يشيل الراس ...
كان يشير الى رجل بلحية رمادية يلبس نظارات ضئيل الجسم لايقوى على حمل ذبابه حديثة الولادة يقف خلفه شباب (قرعان جحنتيّه) بنظارات سود تصورناه رجل فقير فأنخدعنا مثل عادل أمام في مسرحية (الواد سيّد الشغّال) وهالنا المشهد بعد أن نقد المهوال بملبغ مئة ألف دينار ..
جلسنا لنقرأ الفاتحة معقوبة بـ (الله بالخير) رددناها أكثر من خمسين مرة فلكل جالس كرامة كسر قاعدتها صاحبي ( المنصوري الجنوبي ليس من المنصور) كان الأقرب للمرحوم وبسبب (الميانه الزفره) طلب مني دون خلق الله أن أقوم وأترك مكاني لممثل رئيس الوزراء الذي لم يبق له مكان , أصابتني رجفه وأنا أسمع الأسم , ربما بسبب الـ (فلاونزه) لا غير, حتى همس بأذني صاحبي نفسه وهو متورد الخدود :
أنتَ من حبال المضيف وهذا الرجال خطّار أبقى واگف بنص المضيف وحي الله المعازيب ..
أكملت الواجب على مضض لأعود مع أثنين من الأصدقاء , أتفقنا أن نعرج على رجل نعرفه , طرقنا بابه على طريقة رجال الشرطة, أستقبلنا وهو يرتدي (قمصلة عسكرية) مع دشداشة دون لون حصل عليها من أيام الجيش الشعبي حين أخذوه في قاطع البسيتين , وقبل أن نبادره بالسلام صرخنا في وجهه حتى فوجيء وكاد أن يغمى عليه :
ألحكَ يمعود تره ربعك جوعانين
أي شي عندك جيبه بسرعه راح نروح بالرجلين
أجابنا بعد أن أخذ نفساً طويل :
تاكلون سم وزقنبوت
ماشفت مثلكم ناس مايستحون
جاييني من الباب تصيحون
طبعاً لأن سايبين ولازمين الريجان وماعدكم بيوت
تجون تخرعون الوادم يا ذوق سز
أجبناه بوثبة رجل واحد :
أنت حاطيك حارس بهذا البيت وأحنا نجي بكل وقت غصبن عليك
لأن نعتبره بيتنا موبيتك يا فحل التوث .. روح بسرعة جيب زقنبوت
أتى لنا بـ (صوبة عشتار) مع (صينية عتيقة) فيها أربع أقراص خبز يتوسطها صحن صغير فيه آثار من (دبس وراشي) وأناء ماء
أكلنا وتسامرنا وتحدثنا بصدق وكأننا في عالم موازي نقي يختلف عن عالمنا المليء بالتقمص والتمثيل , حتى ترائى لي أنني شفيت , فوليمة صديقنا ذو القمصلة الخاكيّة لها نكهة نفتقدها لنجددها مرة في الشهر أو الشهرين لاتغني عنها الولائم والبهرجة والحياة الزائفة التي نحياها كل يوم , وعدنا لنجر حسرة أطول من الطريق الذي سلكناه , على الوقت و الجهد الذي يهدر ولا ينفع الا في أشباع النهم للتعالي وأظهار عكس مافي النفس لأغلب المساكين من ناسنا الطيبين التائهين , فالأمر أسهل أن نحيا كما نحن دون أقنعة , كان كوخ صديقنا يشع بالنور يرافقنا أينما نكون, وعفتهم وجيت وتعيشون وتسلمون ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل