الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعرية اليومي والمألوف في الشعر العراقي الحلقة الاولى

زيد مظفر الحلي

2014 / 1 / 3
الادب والفن


أستطاع الخطاب النقدي الثقافي تحويل الهاجس اليومي وتفاصيل الحياة اليومية المألفة/غير المألوفة إلى قيمة تعبيرية عليا عبر تثويرها , وتحويلها إلى لغة خطاب ثقافي يوصل الهاجس اليومي , وما يحمله هذا الهاجس من صور وإنفعالات وأحاسيس وألآم , ولذلك تحولت اللغة من كونها لغة انغلاقية يومية إلى لغة عليا تتطلب قراءتين , القراءة الأولى : قراءة للواقع اليومي عبر اللغة وثم تغريب هذه القراءة إلى قراءة تأويلية . والقراءة الثانية : قراءة وصفية بنيوية عبر انتقال دلالة النص من الخاص إلى العام الشعري والذي يتحقق عبر اللاشعور على مستوى الخطاب .
وعبر شعرية اليومي والمألوف أستطاع الخطاب النقدي الثقافي أن يوصل صوتية الهامش , بعدما كان خارج الفضاء الكوني الثقافي العربي / الغربي لتسيد الخطاب الكلاسيكي / الكتابات الكلاسيكية , ووصم شعرية اليومي والمألوف بالكتابات الانغلاقية ( ووردت في الخطاب الثقافي العربي بلغة السوقي والحوشي ...) لكنه استطاع كسر هذا القيد , خصوصا بعد تجاوز مرحلة الحداثة , وبهذا حقق قراءة انزياحية للنص بوصفه نص شعري .
واستطاع الشاعر العراقي من كسر قيود اللغة الكلاسيكية والبلاغية العالية , واستثمار اليومي والمألوف بوصفه نصا مليئا بالحياة والألم وما يكتنفه من صراعات اجتماعية أو أقتصادية وربما دولية , وبهذا استطاع الشاعر من توظيف اليومي والمألوف بوصفه محلي إلى كوني ينفتح على أبواب الفضاء الثقافي العالمي , وما يحمله هذا الواقع من مآسي عبر انساق اسلوبية متميزة حققت الفرادة المتميزة له , فكان لثقافته الشعبية أثر كبير في أضفاء مسحة الحيوية والجمال على نصوصه , عبر اعادة تركيب اللغة المحكية وتثويرها في النص وما تحمله هذه اللغة من تشبيهات واستعارات من أجل اغناء النص على مستوى الصورة واللغة والايقاع .
أستطاع الشاعر موفق محمد في قصيدته (( صورة شمسية )) من تحويل الواقع وما يكتنفه من ألم إلى صورة شعرية , ذو أبعاد دلالية عديدة :
(( هل رضعنا حليب جهنم وتنشقنا / يحمومها ؟ / فاستأسد الجمر فينا .. / ليأكل من لحمنا الذي / أخطأته الهاونات والأنوات التي هبطت / علينا من وراء الحدود لابسة جبة / السماء وهي تعبد السراط المستقيم / بالجحيم / لدرجة جعلت العراقيين يطلبون / اللجوء الإنساني إلى جهنم لأن خزنتها / أكثر رفقاً مما يقترفون ))
الدلالة الاستعارية للنص هي دلالة تمني , فجهنم بسلاسلها وسعيرها وظلامها الأشد حلكة من ظلام الليل هي أكثر أمناً من الواقع المعاش . ولم يعد الواقع قادر على أستيعاب ملامح الحياة وليست الحياة بكنهيتها , وربما سؤاله الاستنكاري (( هل رضعنا حليب جهنم وتنشقنا / يحمومها ؟ )) استعارة لاستمرارية القتل الذي اضحى سؤال وجودي في الواقع العراقي , فشكل هذا السؤال عطب ولادي لديهم (( لِمَ الموت يلاحق العراقيون منذ ان وعى على واقعهم هل رضعوا حليب جهنم ؟)) , فكان دلالة قاطعة على عدمية الحياة , ومما يعزز صورة الموت مجيء السؤال بصيغة الماضي (( الدال على القطع والاستمرار )) , فكان استمرار لملامح الموت وتمني واقعية جهنم على يومية الواقع العراقي .
وقصيدته (( تخطيطات جديدة لمؤيد نعمة )) يفتح النص بدعاء استغاثة (( يا إلهي أغثنا / فالأفق سكاكين ودماء / أفتلك لعنة كربلاء )) هذه الأفتتاحية تحمل الحياة بما لا قدرة لها على الاستمرارية , ليجيئ الدعاء رداً على عدم قدرة الإنسان المتوقع لموته والحياة على قدم قدرتهما لمواصلة المسير الحياتي , وعزز الشاعر الصورة بسؤال المخيلة الشعبية (( ما الداعي لهذا الموت , أ هو بسبب لعة كربلاء )) ليعطي للواقع صوته المستغاث .
ويقول : (( نحن الأضاحي الأقل رتبة من الخراف / لكل من هب ودب / في بلد من وال / يترنح بالقاصمات والراجمات / وباللافتات وبالانوات / تعزي وتسرق / وتستنكر وتسرق / فكل أنا إله / الأرض لم تنجب سواه / ينهي ويأمر )).
النص ينفتح على عدة دوائر دلالية الأولى : أستعارة الأضاحي إلى الانسان الذي يعيش في المحيط العراقي بكونه أقل رتبة من الخراف , وهذه الاستعارة تنتج دلالتين الأولى دلالة الموت , والثانية : هي تفرع من الأولى وعودة إليها أستحقاقية الموت للانسان العراقي بكونه أقل رتبة ... وهذه الدلالة تفتح السؤل الذي طرق المخيلة الشعبية (( لماذا الموت للانسان العراقي ؟ ولماذا هم أقل رتبة ؟ )) .
والدلالة الأخرى : الفاعل المستتر الذي (( ينهي ويأمر )) وهذه الدلالة تفتح الأجابة للسؤال الذي طرق باب المخيلة الشعبية , والفاعل الذي أعدم ملامح الحياة . هي دول الجوار (( فيا دول الجوار / وأنتم تساهمون في هذا الموت المجاني / الذي لا يفسد للأحتلال قضية / إنّ الرياح قادمة إليكم لا محالة / فاحفظوا فروجكم )) هذا النص يحمل دلالة استشرافية للمستقبل.
وتتميز شعرية اليومي والمألوف بالهدم , فهي تعيد خلق الواقع عبر اليومي وما يحمله من دلالة إلى فضاء اوسع يشمل البيت والحي والزقاق والشارع وسوق العمل ليغدو النص ذو دلالات حيه , وشخوص تشمل فضاءات عدة تتحرك داخله , فشعرية اليومي تتميز بالقراءة واعادة الخلق , وليس إعادة صياغة وخلق اللغة والصورة , وإنّما يتعدى ذلك إلى إعادة خلق الحياة من جديد والتغريب عنها عبر اللا مألوف بواسطة اللغة المألوفة , فبذلك تحاول خلق الذاكرة الشعبية وما تحملها من دلالات , وتكشف هذه عبر الشعرية / القراءة .
وقصيدة ((غزل حلي)) لموفق محمد تحاول عرض مشاهد من حياة الطفل المشاكس الذي عشقها كما عشق خمرها الاسطوري المشمعشع , فحاول بذاكرته الشعبية وتعلقه باعماق الازقة وبأطراف الموجة أن يعلن بان الحلة منفتحة على الصراعات والحروب وهي تحاذر عدم الخوض في غمار الحروب خوفا على اطفالها , لكنها مازل ذاكرة جسرها تنز دما على مشاهدة الجنود وهم يعبرون للحورب على ظهره . يقول:
((واعتذر ... أحب جسرها القديم / لم يحلق لحيته رفقا بالصبية / المتعلقين فيها / أسمع أنينه وهو يرى الجنود / العابرين إلى الحروب / مخترقا بالجمر الذي تتركه اقدامهم / على ضلوعه )).
الشاعر من خلال قدرته التصويرية البارعة عرض صور المألوف من خلال توظيفها بالنص , فنرى دلالة الجسر وهو لم يحلق لحيته خوفامن عدم تعلق الاطفال به , أرادة الشاعر من خلال هذه الصورة الاستعارية أولاً عرض العلاقة المشيمية بين الجسر بجماليته وروعته على الرغم من قدمه والاطفال وهم يلعبون ويصرخون ويبيعون على ظهره , وهو يشعر بالأنس لما يفعلوه , فالصورة التشخيصية أرادة أن تعرض أنّ العلاقة بين الاطفال والجسر بين الشيخ العجوز الذي لم يحلق لحيته والاطفال الذين يعبثون بها من خلال شدها وجرها , وهو مستأنس بهم , والدلالة الثانية الجسر أختزل الذاكرة الشعبية فهو الذاكرة الوحيدة التي حفظت مشاهد الماضي المتحركة ولا زالت ماثلة في ذاكرته ويتألم منها , فأمواجه لا زالت تسمع أنين الجنود وترى عبورهم للحروب , ويرى دموع امهاتهم وصرخاتهن ويتمنى لو كان فتى ليدفع عنهم الأذى ويجعل الشمس تشرق .
فثيمة الجسر شكلت دلالتين : الدلالة الاولى الجسر الحاني والعطوف على الصبية كالشيخ الكبير , والدلالة الثانية الذاكرة التاريخية , وهنا ذاكرة الألم والموت والحروب التي لا هوادة فيها ولا سبيل إلى أطفائها وجعل الصبية وطيور النورس تغني . فشعرية اليومي والمألوف شكلت من أرض الواقع فضاء تخيلي حاول تهديم الواقع وعرض صورة تغريبية , من أجل ابراز ملامح اللامألوف في هذا الواقع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??