الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعث العربي والعولمة الامبريالية: صراع وجود

عمر بن منير بن عمر بلخشين

2014 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تطوّر مصطلح العولمة تاريخيّا وفي كلّ طيّة من طيّات التّاريخ حمل دلالات جديدة فكان حريّا على المفكّرين و الكتاب مفهمة المصطلح في كلّ مرّة.تعني العولمة عموما العالميّة انفتاحا وترابطا وتواصلا بين كلّ اجزاء العالم، والعولمة ظاهرة قديمة، كانت مرحلتها الجنينية بداية من القرن الخامس عشر وكانت تمثل نزعة الانسان للتوسع واستكشاف العالم و التعرف على الارض و الزرع والبشر وادماجهم في حلقة واحدة الا أنّ العولمة المعاصرة ظهرت في كنف انظمة ودول القرن التاسع عشر الاستعمارية و ووضحت اكثر بعد الحرب العالمية الأولى حيث اضحى المصطلح مصطلحا نظريا جيوسياسيا بالأساس.بعد الحرب العالمية الثانية اصبح لهذا المصطلح في مفهمته دلالات عديدة اقتصادية وسياسية وثقافية خاصّة في ظلّ الحرب الباردة بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي،الا انّ بروز العولمة كايديولوجية ونظرية عامّة تشمل كلّ الميادين كان بالأساس خلال عقد التّسعينات تحولت حينها الى قوة من القوى المؤثرة في الحقائق والوقائع الحياتية المعاصرة وساعدها في ذلك تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره،وانّنا نقول منذ البداية انّ العولمة اصبح مفهومها بالكاشف هو إرادة الهيمنة على العالم وأمركته وقد حددت وسائلها وذرائعها لتحقيق ذلك خاصة باستعمال السوق العالمية أداة للإخلال التوازن في اقطار الوطن العربي في نظمه و برامجه
وكذلك في إعطاء كل الأهمية والأولوية للإعلام لإحداث التغيرات المطلوبة على الصعيدين المحلي والعالمي وهكذا أصبح الاعلام هو المكينة "البروباغندية" الاقوى على الاطلاق في العالم فبه تبرر السيطرة والههيمنة والانتهاكات..
انّ ما نهدف اليه بالأساس في هذا المقال هو تبيين الصّراع العربيّ بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتركيّ والقوى التقدميّة ومشروعها الايديولوجي الثوري مع القوى الامبرياليّة صهيونيّة بالأساس و مشروعها الاستعماريّ العامّ الذي سمّي بالعولمة و الذي نظّر له فوكوياما الذي حاول ترسيخ وعي كوني زائف، الغرض منه إثبات أن الرأسمالية ستكون هي ديانة الانسانية المقدرة.
هذا ما يدفعن في هذا المقال الى تبيين استفراد الولايات المتحدة الامريكية بالشأن العالمي وإدارته إدارة أحادية الجانب بما يتناسب مع مصالح وغايات الصهاينة الحاكمين وهذا ما يستوجب ضرورة التذكير بالاستراتيجية العربيّة الثورية التي قدّمها حزب البعث العربيّ الاشتراكي للأمة موفرا عليها مشقة الخطأ ثم الاصلاح و مختزلا التاريخ في نظرية علمية استراتيجية هي وحدة حرية اشتراكية في علاقة جدلية، اذن هذه النظرية واجهت و تحدت مخاطر العولمة التي تحيط بوطننا العربي ورسّخت المفهوم القوميّ العلميّ القادر على مواجهة برامج ومخططات عدو اكثر قوة وجاهزيّة،على هذا نحو ما سنعالجه عموما هو موضوع الوطن العربي وتحديات العولمة.

بعد عام 1945,
كانت تجارب الغرب توحي له بأن القضاء على"النازية"،يعني نهاية القومية وفي عام 1992 كانت الايديولوجيتان الغربيتان:الشيوعية والرأسمالية قد رسختا الاعتقاد بأن عصر القوميات قد انتهى وأن التاريخ تجاوزهما، وأن الاشتراكية الأممية والديمقراطية الغربية قد حلتا محلهما كما فشل رهان "النموذج الحضاري الغربي".على نهاية "القومية" وكذلك "الدين" لأن أفق الغرب الحضاري بقي مغلقًا على ذاته، وعلى تجاربه فهو لم يعرف سوى النموذج المتسلط من "القومية"،ومن "الأممية"،ولم يتمكن من تجاوز إطار مفهومه المادي للحياة وللكون.-1-

انّ الاطار "العولمي" الذي بدأ يعتبر بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية هو اطار اقتصاديّ بالأساس فالقوميّة العربيّة مثّلت عائقا أمام الشيوعية و الرأسمالية العالميّة كنظم اقتصادية تغطت برداء النيوليبراليّة فيما بعد،على اعتبار انّ الايديولوجية العربيّة قد بلغت نضجها العلميّ مع حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ و مؤسسه الاستاذ احمد ميشال عفلق و مفكّريه حيث توصّلوا الى نظريّة علميّة خاصّة بالوطن العربيّ تمثّلت في وحدة حرية اشتراكيّة في علاقة جدلية علمية،والوحدة التي يطرحها فكر البعث العربيّ تختلف اختلافا جذريا عن وحدة العولمة فالعولمة تستعمل آلية التلوين و التزيين لتبرر لنفسها لمّ العالم و توحيد اجزائه على أساس قائم على الاستغلال و على أساس احادي الجانب اي تحكمي،استعماري امبريالي،امّا البعث فوحدته في تحرّر الأمة من الاستعمار وتحرّرها في وحدتها الثقافية،اللغوية،الجغرافية،التاريخية،الاقتصادية،ف"الوطن العربيّ وحدة سياسيّة واقتصادية لا يتجزأ و لا يمكن لايّ قطر من الأقطار العربيّة ان يستكمل شروط حياته منعزلا عن الآخر"-2-

لقد اخترق العالم الثالث و الوطن العربي بتيار العولمة الجديد الذي ابزغ الشركات متعددة الجنسية،فتراخت الاهتمامات بالمشاريع الوطنيّة ، ونظم التخطيط الوطنية وقد زاد هذا الاتجاه تسارعًا بعد سقوط الكتلة الشرقية وانتهاء الحرب الباردة.
يقول جلال امين : التحول التام من سياسة إلى نقيضها يجب أن تقوم به الدولة نفسها، إن عليها أن تقوم بتفكيك نفسها، وعليها أن تسلم مهامها ووظائفها القديمة الواحدة بعد الأخرى لتتولاها الشركات الدولية العملاقة أو المؤسسات الدولية التي تتكلم باسم هذه الشركات العملاقة وتعمل لحسابها"
اذا تمّ الاختراق و دخل النظام الرأسمالي و النيوليبراليّة الكتلة الشرقية من العالم كاملة في ظلّ كلّ هذا كان شعار البعث العربيّ هو "نفط العرب لكلّ العرب" وان اوّل من رفع شعار الكفاح المسلّح من أجل تحرير فلسطين و اول من اعطاه مفهومه الشعبي النضالي و ربطه بفكرة الثورة العربيّة سيقول هنا الكثير من القارئين بلهجتنا الشعبية" شعارات و بعد،ما هو البرنامج؟"
لقد طرح حزب البعث العربيّ الاشتراكي، الاشتراكيّة كحلّ للأزمة الاقتصادية التي خلفها الاستعمار وانّ اشتراكيّة البعث تتناقض مع منطق العولمة اقتصاديا فاشتراكيّة البعث اشتراكيّة تعالج بالأساس أمراضا تركها الاستعمار فكما هي تعالج المادة هي ايضا تعالج الروح لانّ الانسان الضعيف نفسيا وروحيا والمحطم معنويا لا يمكن أن يعمل وبهذا لا يمكن ان ينخرط في المشروع الاشتركي الذي يؤمن بالعمل كثورة مادية وروحيّة ايضا لانّها تحقّق الاستقرار النفسي للذات الانسانية وللمواطن العربيّ الذي تراكمت عليه المآسي و الآلام.يقول الأستاذ مؤسس فكر البعث أحمد ميشال عفلق مبينا خصوصية اشتراكية البعث والامة:" ان نظرة نلقيها على الصورة التي رسمناها للمجتمع الغربي الذي نشأت فيه الاشتراكية يمكن ان تنبئنا بالفروق التي تميز حياتنا ومرحلتنا عن ذلك المجتمع. فنحن امة تتأهب لاستقبال حياة جديدة، وتناضل لاستكمال حريتها ووحدتها، فالدافع الذي يحدو بها هو الامل في المستقبل والشعور بروابط الماضي والتاريخ ووحدة المجتمع، فليس لدينا ذلك الوسط السلبي الذي يخاطبه ماركس والذي لا يعرف له اصل او روح. لذلك فان حركتنا ايجابية بعكس الاشتراكية الغربية المطبوعة بطابع السلبية، ويمكننا ان نقرر بان القومية العربية مرادفة للاشتراكية في وقتنا الحاضر"

لقد تركت العولمة الاقتصادية اثارا تمثلت في جروح عميقة في جسد الامة ونحن نراها كالآتي:اولا: سياسة السوق الحرة التي تقوم على فكرة دعه يعمل دعه يمر، والتي تقتضى ضرورة تضيق دور الدولة في اللات الصناعية
والتجارية ، ووفق هذا المبدأ تصبح الأسواق متحررة من الضوابط ولا يمكن للسيطرة السياسية والاجتماعية أن تطوقها ، وهذا ما أدى إلى تشجيع التفاوت في الدخل والثروة وقلل من فرص الحصول على عمل مما أدى إلى بروز طبقة أشد فقرا وأكثر اتساعا منذمنتصف القرن الماضي .
ان الخوصصة التي تفرضها العولمة فاقمت مشكلة البطالة في الدول العربية فحجم المشروعات التي يجري نقل ملكيتها للقطاع الخاص هائل ، وهو يمكن من تصاعد نسب البطالة إضافة إلى تأثير تقنيات الإنتاج المستهدف إتباعها في المشروعات التي
يتم خوصصتها وعلاقتها بكثافة استخدام عنصر العمل.
في خضم كلّ هذا بدأت نظريّة البعث العلميّى ترى الضّوء في أرض الرّافدين منذ 1979 بعد قرار تأميم النّفط و المشاريع الوطنية الاخرى التي مكنت لا من تشغيل العراقيين فقط بل تشغيل مليون مصري و الاف مؤلفة من العمال بكلّ الاقطار العربيّة.
كلّ التطوّرات التي شهدتها العراق حيّرت العالم وحيّرت الاعداء خاصّة فلقد وجدت الدولة الصهيونية في العولمة فرصتها، فهي نجحت في فرض نظامها او بالادق"سيستامها" على العالم وكانت معظم الاقططار العربية لينة في التامل مع العولمة في وجهها وبعدها الثقافي والاقتصادي و كل الابعاد،الا انّ العراق وقف سدا منيعا لهذا المشروع.
انّ "العولمة إذن نظام يقفز على الدولة والوطن والأمة، العولمة تقوم على الخوصصة، إي نزع ملكية الأمة والوطن والدولة ونقلها إلى الخواص في الداخل والخارج وهكذا تتحول الدول الى جهاز لا.
يملك ولا يراقب ولا يوجه، وهذا سيحقق إيقاظ أطر للانتماء سابق على الأمة والدولة هي القبيلة والطائفة والتعصب المذهبي والدفع بها إلى التقاتل والتناحر والإفناء المتبادل إلى تمزيق الهوية الثقافية والوطنية والقومية.-3-

اذا وكما قلنا انفا انّ مشروع البعث أقلق كثيرا رواد العولمة و المراهنين عليها صهاينة،اذا جاء العدوان الأمريكي الأطلسي على العراق في مطلع عام 1991 ليكشف لنا أن النهضات الوطنية في الوطن العربي سوف تتعرض أكثر من غيرها لعدوانيةالامبريالية،كما أن قيام الكيان "فلسطين" الصهيوني في قلب الوطن العربي قد جدد ذكرى الصراع القديم بين الغرب والعرب.-4-

ان من أهمّ الاستنتاجات التي يمكن أن نصل اليها في هذا الجزء الأول من المقال هي انّ العولمة من اهمّ معانيها اليوم "رسملة العالم الغير رأسمالي" أي محاولة نشر"علاقات الإنتاج الرأسمالية في البلدان الخاضعة للنظام الرأسمالي الدولي والتي لم تشهد قيام نمط للإنتاج الرأسمالي فإن محاولة الرسملة لن تنتج بالضرورة نظمًا رأسمالية دائمًا في الغالب سوف تنتج نظمًا "بكسر النون"تابعة للرأسمالية ومع الرسملة غربنة ومع الرسملة والغربنة أمركة". -5-
***
في الجزء الثّاني من المقال سندرس محورا عنونته بالعولمة طرح نيوليبرالي و البعث العربي طرح الهوية الثقافية و الحضارية للأمة العربيّة،أيضا سنتحدث عن الآليات والوسائل القادرة على تحدي العولمة و التي طرحها اساسا حزب البعث العربي الاشتركيّ و الاحزاب الوطنية التقدمية في الوطن العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المصادر**
عمر بن منير بن عمر بلخشين ( 2014 / 1 / 3 - 16:40 )

**المصادر:

-1- الياس فرح: -الهوية الثقافية العربية ومحاولات تفتيت الوطن العربي،ص8
-2-الياس فرح: -تطور الايديولوجية العربية الثورية- ص49
-3-محمد عابد الجابري: -العولمة والهوية الثقافية-ص19
-4- الياس فرح: المصدر السابق، ص9

-5-محمد عبد الشفيع عيسى: -قضايا في الفكر المعاصر لمحمد عابد الجابري-العولمة صراع الحضارات-ص129

اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة