الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسكلة تعليم اللغة العربية

داود روفائيل خشبة

2014 / 1 / 4
الادب والفن



إهداء: إلى أخى، الصديق الحبيب، خليل كلفت، الذى علمنى التمييز بين النحو والإعراب، مع تمنياتى له بتمام الصحة والعافية.

علينا أن نعترف أن مشكلة تعليم اللغة العربية فى مدارسنا مشكلة مستعصية. فمدارسنا إما أن تخرج لنا شبابا قد يجيدون لغة أجنبية لكنهم لا يستطيعون أن يقرأوا أو يتكلموا لغة عربية سليمة، وإما أن تخرج لنا، شأن المعاهد الأزهرية، من يقرأون اللغة الكلاسيكية، لكنهم لا يملكون أداة لاستيعاب واستخدام المفاهيم والأساليب الحديثة، وأنا هنا لا أشير قصرا ولا أساسا إلى المفاهيم والأساليب التى نشأت فى العالم المتقدّم، شرقا وغربا، إنما أقصد أساسا المفاهيم والأساليب التى استوعبتها لغتنا العامية، فخريجو هذه المعاهد ينحبس فكرهم فى أطـُر لغتهم العتيقة فلا يشاركون معاصريهم المحدثين لا فى فكرهم ولا فى مشاعرهم، هم يعيشون بالقعل، وبأدق معنى للكلمة، فى عالم غير عالمنا. ولعل هذه هى مشكلتنا الكبرى التى تحول بيننا وبين اللحاق بالتيار الحضارى الإنسانى. لكنى فى هذه السطور التى أردتها مدخلا لموضوع مشكلة تعلم اللغة العربية فى مدارسنا قد مضيت لأبعد مما قصدت، فلأعُد لموضوعى.
مشكلة تعلم اللغة العربية أننا نفرض على أبنائنا قراءة وكتابة لغة غير اللغة التى يتكلمونها. والأمر الطبيعى أن يبدأ الطقل تعليمه المدرسى وقد استوعب لغته الأم فى سنوات الحباة الأولى، فيتعلم فى المدرسة كيف يدوّن لغته المنطوقة برموز الكتابة وكيف يقرآ هذه الرموز حبن يكتبها الآخرون. المدرسة فى هذه المرحلة لا تعلم التلميذ لغة بل تعلمه فنا ابتدعه الإنسان فى تاريخ حديث نسبيّا بعد أن مضت مئات آلاف السنين على اكتسابه لغة الكلام.
أول ما علينا أن ندركه وأن نعترف به أن اللغة، شئنا أم أبينا، تتطوّر، وأن لغتنا التى نتكلمها والتى نتعلمها فى طفولتنا هى لغة ذات نحو مغاير لنحو اللغة العربية الكلاسيكية، فنحو لغتنا الحديثة أسقط الإعراب إلا من آثار ضئيلة هنا أو هناك فى اللغة المكتوبة.
مات الإعراب لا لصعوبته ولا لعيب فيه، إنما لأنه لم تَعُد له وظيفة يؤديها. لقد تغيّر نحو لغتنا الحديثة، حتى اللغة المكتوبة بكل مستوياتها، رسمية وصحفية وأدبية، وأصبح نحوا لا دور للإعراب فيه تقريبا. وسيظل أطفالنا يعانون فى تعلم لغتهم الأم حتى نعترف بهذه الحقيقة.
نحاول الآن أن نعلم أطفالنا لغة غير اللغة التى يتكلمونها واهمين وموهمين إياهم أنها نفس اللغة، وتكون النتيجة أننا نجد شبابا أكملوا تعليمهم الثانوى والجامعى وهم لا يملكون لغة يتكلمونها ويكتبونها بصورة صحيحة. والحل فى نظرى أن نيدأ بتعليم أبنائنا أن يقرأوا وأن يكتبوا اللغة الحدبثة التى تعلموا قواعدها وأتقنوها قبل الالتخاق بالمدرسة. ويمكن أن نخصّص لذلك سنوات المرحلة الابتدائية، فلا يصل التلميذ نهاية المرحلة الابتدائية إلا ويكون قد قرأ واستوعب واستمتع ببعض الأعمال الأدبية الراقية الحديثة. قد نبدأ بشعر العامية، كالأشعار العظيمة الرائعة لصلاح چاهين وغيره من شعراء العامية المصرية وإذا كنا مرحليا لن نجد روايات وقصصا ذات قيمة أدبية عالية قد كتِبَت كاملة باللغة العامية، إلا أنه سيكون من اليسير أن يقرأ أبناؤنا فى هذه المرحلة بعض أعمال نجيب محفوظ وبعض المعاصرين أمثال بهاء طاهر ورضوى عاشور، على أن يقرأوها مخفـّقة من الإعراب، سواء أعددنا صيغا من هذه الأعمال مخلـّصة من الإعراب أو قدّمناها لهم كما كتِبَت على أن يقرأوها دون أن يلقوا بالا إلى الإعراب، بل يقرأوها بالوقف على السكون، وتثبيت جمع المذكر والمثنى على الياء والنون.
مع بدء المرحلة الإعدادية يمكن أن نعلم أولادنا العربية الكلاسيكية باعتبارها لغة غير اللغة التى يتكلمونها، ولن يجدوا فى ذلك أى صعوبة، فإذا كانت العربية الكلاسيكية أصعب من الإنجليزية، فإنها ليست أصعب كثيرا من الفرنسية، وهى قطعا أقل صعوبة من الألمانية ولغات أخرى نتعلمها ونتقنها كلغات أجنبية، ولن يكون فى ذلك أى خسارة للغة الكلاسيكية، بل سيستطيع من أنهى تعليمه الثانوى أن يقرأ الجاحظ والمتنبى وشوقى مثلما يقرأ الشاب الإنجليزى شكسپير.
مشكلة تعلم اللغة العربية لن تصلح لها الحلول الترقيعية. السبيل الوحيد لأن يمتلك أبناؤنا لغة سليمة هو أن نـُكسِبهم لا لغة واحدة بل لغتين، يتعلمون كلا منهما قراءة وكتابة وحديثا، ولا يخلطون بينهما إلا حيث يتعمّد المبدعون تطعيم إحدى اللغتين باقتباس نصّى أو أسلوبى من اللغة الأخرى. هذا فى رأئى هو الحل الأمثل بل هو الحل الأوحد. وصدّقونى، إننا إذا لم نأخذ بهذا الحل، ففى خلال عِقد واحد من الزمان سنكون قد ضيّعنا اللغة العربية فى كل أشكالها.
مدينة السادس من أكتوبر/ مصر، 4 يناير 2014
[email protected]
حاشية: لغتنا الحديثة تنتظر سيبويهها ليستنبط ويدوّن قواعد نحوها وأساليبها ومصطلحاتها، وإن كانت اللغة لن تتوقف فى انتظار ذلك الـ سيبويه، فاللغة تتشكل وتشكل قواعدها بالممارسة قبل أن يجىء المُنـَظـّر الذى يستخرج تلك القواعد من واقع اللغة، كما استخرج أرسطو قواعد المنطق، وكان المفكرون، بل كان عامة الناس، يفكرون تفكيرا منطقيا دون حاجة لانتظار أرسطو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا أظن العربية بهذه الصعوبة
مصطفى ( 2014 / 1 / 25 - 19:58 )
السيد المحترم داود
أعجبنى مقالك و أشكرك على التطرق إلى هذه المسألة
إلا أنى أختلف مع الأساس الذى قيمت به مدى جدوى تدريس اللغة العربية بالمدراس المصرية
إذ لا يمكننا تقييم استيعاب الطلاب للغة العربية و هم لا يتلقون تعليمًا جيّدًا أصلًا
فالتعليم لدينا قائم على الورقة الامتحانية و مجموع الدرجات فقط
و الطلاب لا يتلقون كمًّا سماعيًّا يساعدهم على النطق الصحيح لكلمات اللغة
فإنى أرى أن يتم إصلاح طريقة تدريس اللغة العربية و بعدها يمكن تقييم إمكانية تدريس العربية
و إن وجد أنها عصية على الاستيعاب جيدا فمن الممكن أن يجدى الحل الذى تفضلت بطرحه

اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى